كلمة الأستاذ نوفل ضو
مدير المركز اللبناني للبحوث والحوار المسيحي الإسلامي – تعارف،
والمجلس اللبناني للتكامل الاستراتيجي العربي،
وناشر كتاب علاقة البطريركية المارونية بالمملكة العربية السعودية
صاحب الغبطة والنيافة البطريرك الكردينال مار بشارة بطرس الراعي،
سعادة سفير خادم الحرمين الشريفين وليد بن عبدالله بخاري،
أصحاب الفخامة والدولة والمعالي والسعادة،
أصحاب الغبطة والسماحة والسيادة والفضيلة،
قدس الرؤساء العامين والرئيسة العامة،
أهلنا وإخوتنا الكرام،
بدأناه كتاباً عن زيارة
فاكتشفنا تاريخاً ومنارة!
التاريخ صنعه المؤسسون في لبنان والمملكة العربية السعودية قبل مئة عام، وسار على عِبَره ودروسه ملوك وولاة عهد وأمراء سعوديون، وبطاركة ومطارنة ومفكرون ورجالات دولة لبنانيون.
والمنارة تجسدها في الكتاب الذي عملنا عليه، الأباتي أنطوان ضو وأنا على مدى أكثر من سنتين، خمسة نماذج، نحن أحوج ما نكون إليها اليوم كموارنة ومسيحيين ولبنانيين للخروج من أزماتنا:
- نموذج المفكر الماروني أمين الريحاني، الذي بادر قبل مئة عام الى زيارة ملوك العرب وحكامهم وفي مقدمهم الملك عبد العزيز، فوطّد معهم علاقات الصداقة والثقة، وكتب عنهم، وكان مستشارهم وسفيرهم غير المعلن الى بعضهم لتقريب وجهات النظر، والى عواصم القرار والمؤتمرات الدولية في الولايات المتحدة الاميركية وبريطانيا وفرنسا لحفظ الحقوق العربية وصونها.
- نموذج المهندس الماروني الرؤيوي موريس الجميل صاحب مشروع بناء خط لأنابيب المياه مواز لخط نفط “التبلاين” بين الزهراني في لبنان والقيصومة في المملكة العربية السعودية لتزويد المملكة بفائض مياه نهري الزهراني والليطاني. وقد شكلت مقترحاته لإنشاء السدود والبحيرات الاصطناعية أساساً للخطة المائية – الزراعية التي أطلقها الملك سعود بن عبد العزيز في خمسينيات وستينيات القرن الماضي. كما وضع موريس الجميل في العام 1954 بناء على طلب وزير المواصلات في المملكة العربية السعودية الامير طلال بن عبد العزيز مشروع مؤسسة الدراسات الملكية بهدف “خدمة المملكة العربية السعودية وباقي البلدان المرتبطة بها ارتباطا طبيعياً”.
- نموذج رجل الإعمار الماروني الناجح النائب إميل البستاني مؤسس شركة “كات” للمقاولات، التي استخدمت سبعة عشر الف موظف عملوا في تسع عشرة دولة حول العالم من بريطانيا الى باكستان، مرورا بالمملكة العربية السعودية والكويت والعراق والاردن وابو ظبي وقطر والسودان وغيرها… إميل البستاني هذا، لم ير في لبنانيته ومارونيته نقيضا لعروبته، فقال: “علينا أن نؤمن بحضورنا في نهضة العرب حضورا فاعلا اساسيا بل حضور طليعة وقيادة”. ورأى في العروبة تكاملا جديا لا شعارات جوفاء، فحلم بنشوء “كومنولث” عربي أساسه التعاون الاقتصادي، وسعى لتوطيد علاقة العرب بالغرب من خلال التعريف بالقضايا العربية، فطرح فكرة ارسال شخصيات قادرة على شرحها للأميركيين كشارل مالك وقسطنطين زريق.
- نموذج الموارنة في دير القمر وبيت شباب والأرز وغيرها من المدن والبلدات اللبنانية التي استقبلت الملوك والأمراء وكرمتهم. فبلدية دير القمر في عهد الرئيس كميل شمعون، اعلنت ولي العهد السعودي يومها الامير سعود بن عبد العزيز، مواطن شرف فيها، وأهدته مفتاحها الذهبي، وأطلقت اسمه على أحد شوارعها الرئيسية.
والمونسينيور اغناطيوس كيروز ابن شقيقة البطريرك انطون عريضة وخال المطران الراحل فيليب شبيعه ووالد نائب بشري الراحل حبيب كيروز أهدى الأمير سعود بن عبد العزيز خلال زيارته الى الأرز عام 1953 قطعة أرض تمنى عليه بناء دارة له عليها لتبقى ذكرا خالدا لهذه الزيارة.
أما الأسمى فما يربط بيت شباب بالمملكة … إنها علاقة النسب ورابطة الدم… فالأميرة “شهيدة” زوجة الملك عبد العزيز التي تصفها جريدة الرياض بأنها “من كبريات نسائه ومن أشهرهن تدينا وعطفا على المحتاجين ومساعدة للفقراء والمعوزين”، هي بالولادة مرشي المكرزل ابنة نجا منصور نمر المكرزل والدة الأمير منصور بن عبد العزيز أول وزير دفاع في المملكة والأميرين مشعل ومتعب والأميرة قماش…
- أما النموذج الخامس والأهم، نموذج النماذج فهو اثنان: هذا الصرح وسيده …
هذان الثابتان في الحق والحقيقة والحوار والانفتاح على المحيط العربي والإسلامي والعمل من أجل السلام … من دون مساومة على سيادة… أو تفريط باستقلال … أو تحاصص على سلطة… أو سعي لقسمة لقسمة… أو عمل على إلغاء أحد… أو تغليب الغريزة على العقل…
مار بشارة بطرس الراعي، اللبنانيون خلفك في مبادرة حياد الشركة والمحبة الذي يعيد للبنان هويته وعلاقاته بعمقه العربي والعالم الحر …
غبطة البطريرك … قبلك ستة وسبعون بطريركاً وبعدك ست وسبعون مرة ستة وسبعين ولا من يستسلم أو يساوم أو يستكين!
الحضور الكريم،
في المملكة اليوم، رؤية واعدة وقيادة واعية…
هناك اجتمعت حكمة الشيوخ مع دينامية الشباب وطموحاتهم لتبني مستقبلاً من السلام والاستقرار والازدهار والنمو ورفاهية الإنسان يتجاوز حدود المملكة إن شاء الشراكة من هم وراء الحدود.
وقد عبّر عن ذلك سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بقوله:”أحلم برؤية الشرق الأوسط أوروبا جديدة”…
كم نفتقدكم اليوم يا أمين الريحاني ويا موريس الجميل ويا اميل البستاني ويا قادة لبنان وسياسييه التاريخيين؟
لو كنتم من هذا الزمن لرأيناكم أول من يضع نفسه بتصرف البطريرك الراعي، وأول المقاومين لتغيير هوية لبنان وتزويرها، وأول الشركاء والمبادرين لبناء شرق الشراكة في السلام والأخوة والازدهار والتنمية الذي يواكب العولمة ويدخل الشعوب العربية في رحابها الواسعة من الأبواب العريضة!
كم نفتقدكم عندما نرى الجماعة السياسية عندنا، تدير – بكل أسف – الأذن الصماء للحكماء من كبارنا، وللشباب من أجيالنا، والعين العمياء لشركائنا الحقيقيين والتاريخيين في الدول العربية والعالم، فتهدر الفرصة بعد الأخرى وتغرق في الارتهان وفي حروب السلطة والمحاصصات والصفقات والصراعات على حساب الكيان والإنسان…
الحضور الكريم،
إننا في المركز اللبناني للبحوث والحوار المسيحي الإسلامي – تعارف – ناشر كتاب العلاقة بين البطريركية المارونية والمملكة العربية السعودية، وعلى خطى الأباتي أنطوان ضو ومسيرته الحوارية والانفتاحية، نعمل على ترسيخ قواعد الشراكة الوطنية التي أرساها اتفاق الطائف الذي كان للمملكة دور تاريخي مشكور في اخراج لبنان من الحرب من خلاله…
وعلى خطى أمين الريحاني وموريس الجميل وإميل البستاني ورجالات لبنان ورؤسائه التاريخيين اطلقنا من خلال المركز اللبناني للتكامل الاستراتيجي العربي مشروع “العوربة” (وهو تعبير- مصطلح يجمع بين العولمة والعروبة) وبالفرنسية والانكليزية اعتمدنا مصطلح “cosmoarabism(e)“.
هذا المشروع، هو تصوّر علمي لبناء مفهوم جديد ل “العروبة” يخرجها من الماضي الملتبس ويضعها على طريق العولمة وفي قلبها، من خلال برنامج متكامل سياسي واقتصادي واجتماعي وثقافي وحضاري وفكري ميزته أنه يقوم على توأمة رؤية المملكة 2030 مع شعار “الشركة والمحبة” للبطريرك الراعي ومع وثيقة الأخوة الإنسانية بين الفاتيكان والأزهر الشريف من أجل بناء لبنان واستعادة موقعه العربي والدولي بما يدخل اللبنانيين بالشراكة مع الرؤيويين العرب الى عصر العولمة والسلام والحوار والاستقرار.
وأخيراً، اختم بمقطع مما كتبه الصحافي اللبناني اسكندر الرياشي عن زيارة ولي عهد المملكة العربية السعودية الأمير سعود بن عبد العزيز الى لبنان عام 1953 – يقول:
“دقت أجراس الأديرة والكنائس للأمير.
وهذه الظاهرة فريدة من نوعها لم يسبق لها مثيل في استقبالات لبنان للملوك أو الأمراء خصوصا العرب وغير العرب الذين زاروه قبل الآن.
وهذه الظاهرة قام بها المسيحيون هنا – وأخصهم بوجه مستغرب في القرى المارونية.
ففي هذه القرى السحيقة البعيدة عن العاصمة، التي لا تأتمل ولا تفتكر أن الأمير يعرف عن ابتهاجها بقدومه شيئا، قامت مهرجانات مخلصة ابتهاجا بالزائر،
ودقت أجراس الكنائس، واشترك الرهابين مع الأهلين في أفراحهم وازدانت الأديرة على رؤوس الجبال.
وفي ختام التوصيف، يستنتج اسكندر الرياشي السبب فيقول:
فإنما هؤلاء يؤمنون بسياسة السعوديين في احترام كيان لبنان والعمل للمحافظة عليه، ولهذا السبب يبتهجون بهذا الأمير ويجدون فيه صديقاً صحيحاً!
سعادة السفير،
نستودعكم أمانة أن تنقلوا الى خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز والى سمو ولي عهده الأمير محمد بن سلمان بأن أجراسنا لا تزال جاهزة، وستبقى جاهزة لتقرع فرحا باستقبالهما كما استقبلت اسلافهما… فيوم زيارتهما الى لبنان سيكون تاريخا لبداية الخلاص والخروج من الأزمة!
والى مئوية ثانية من الشركة والمحبة بين بكركي والمملكة العربية السعودية صوناً للبنان وسيادته وحريته واستقلاله ومنعاً لتزوير تاريخه وضماناً لحاضره ومستقبله!