لم يسلم قطاع الإستشفاء في لبنان من الأزمات المتتالية التي تعصف بالبلد، لا سيما مشكلة سعر صرف الدولار الذي لا يزال يرتفع ليصل في هذه الأثناء الى حدود ال 100 ألف ليرة، والمشكلة الأبرز التي يعاني منها القطاع هي عدم قدرة الجهات الضامنة ومن بينها وزارة الصحة على تغطية تكلفة الاستشفاء، وهذا ما يؤدّي اليوم إلى تفاقم الأزمة الإستشفائيّة ودفع بعض المستشفيات إما إلى الإقفال وإما تقليص الأقسام، والتّخفيف من عدد الأسرّة في الأقسام لديها إلى حدود النّصف ولذلك للتّخفيف من الأكلاف التّشغيليّة.
وفي هذا السياق، أشار نقيب أصحاب المستشفيات الخاصة سليمان هارون في حديث لموقع LebTalks إلى أن قطاع الإستشفاء في لبنان "متجه نحو الانهيار"، مسنتداً بذلك إلى عدم قدرة الجهات الضامنة على تأمين التغطية الصحية للمنتسبين إليها "إذ إنه ارتفعت الكلفة الإستشفائية بشكل لم يعد المريض قادراً على تحمّل أن يدفع من جيبه الخاص، في الوقت الذي تعاني فيه الجهات الضامنة الرسمية من عدم القدرة الإمكانية لرفع التعرفات بما يتوازى مع ارتفاع الكلفة التشغيلية في المستشفيات". ويضيف هارون أن هذا الأمر يصعّب على المستشفيات أكثر وأكثر الاستمرار وكذلك يصعّب على المريض القدرة على تلقّي العلاج اللازم، "سواء من خلال عدم إمكان دخوله إلى المستشفى أو عدم قدرة المستشفيات على تأمين الأدوية والمستلزمات الطبية بشكل صحيح".
وكشف هارون أن صلب الأزمة الإستشفائية راهناً هو انعكاس للأزمة المالية التي يعاني منها البلد، "فعلى سبيل المثال سنة 2018 كانت الجهات الضامنة الرسمية تدفع سنوياً تكلفة استشفاء بحدود 1,500 مليار ليرة على دولار 1500 ليرة، وهذا المبلغ كان يوازي مليار دولار سنوياً، أما سنة 2022 فبالرغم من رفع موازنات الجهات الضامنة التي أصبح مجموعها ما يوازي 7,000 مليار ليرة لبنانية إلا أن هذا المبلغ بات بالكاد يساوي 80 مليون دولار، وبذلك إذا وفي مقارنة مع سنة 2018، فقد باتت القدرة لا تتجاوز 2% وهي "فجوة" هائلة لا يمكن أن يتحمّلها المريض ولا المستشفيات ولا الجهات الضامنة".
مقوّمات القطاع الاستشفائي
ليس فقط الجانب المالي هو الذي يهدّد القطاع الإستشفائي، فقد أعلن هارون أيضاً أن لبنان خسر الكثير من قدرة هذا القطاع، "فالمشكلات الأساسية هي ضمن شقّين: الشق الأول هو أن القطاع الإستشفائي يرتكز على ثلاث دعائم، أولها خبرة الأطباء والطواقم الطبية والأعمال التقنية كالمختبر والأشعة، وثانيها الحوكمة الصحيحة، وثالثها المعدات المتطورة التي تلاحق تطور العصر، ونحن اليوم فقدنا الكثير من العناصر البشرية، والحوكمة بتنا مقيّدين بها لأنه لا يمكن القيام بالحوكمة الصحيحة في ظل الأزمة المالية الهائلة التي يعاني منها لبنان، وهذا ما يؤثّر على قدرة المستشفيات على الاستمرار في ظل الخلل بين مداخيلها ومصاريفها، أما المعدات فنحن نشهد على تراجع كبير جداً في الاستحصال عليها وهي باتت شبه غائبة.
ولكن الأسوأ إن مستشفيات كثيرة ليس باستطاعتها تأمين الصيانة اللازمة لأن تكلفة الصيانة باتت مرتفعة بشكل كبير،
وبذلك نشهد على عمليّة ضرب للمقومات الأساسية في القطاع الإستشفائي الذي لطالما كان من الركائز الأقوى في العالم العربي والعالم، أم اليوم فبات يُحتضر من دون القدرة على انتشاله ومداواته".
هارون ختم قائلاً: " نأمل أقله أن تخف نسبة الهجرة ولا نخسر المزيد من الأدمغة والعناصر البشرية الكفوءة كي نحاول أن نبقى محافظين على ما تبقّى من هذه العناصر، لتشكيلها نقطة انطلاق عندما يعود البلد ليقف على قدميه وينهض مجدّداً، فالاتكال يبقى على مَن تبقى من العناصر البشرية الكفوءة كي تنهض بالقطاع الإستشفائي، كما في كل القطاعات".