تحت مظلة اللامركزية الفيدرالية أو ما يشابهها من مصطلحات تذخر بها قواميس اللبنانيين المستقاة من واقعهم الاقتصادي المأساوي، عاد الحديث منذ فترة عن إعادة تأهيل مطار ” القليعات” في وسط عكار الذي كانت ملكيته تعود في الأصل الى شركة نفط عراقية، وقد تسلّمته الدولة اللبنانية منها في العام 1967 لتبدأ تأهيله وتطويره كمطار عسكري بموجب معاهدة الدفاع العربي المشترك.
منذ ذاك الحين، وكل الشعارات والمطالب التي رُفعت ضمن خانة ” الإنماء المتوازن” لم تجدِ نفعاً ولم تتمكن من تخطي “الفيتو” والعراقيل التي وضعتها المنظومة السياسية المتعاقبة في وجه إعادة تشغيل مطار يملك بنية تحتية وجغرافية ملائمة لتحويله الى مرفق حيوي يشكل حاجة إنمائية ملحّة لمنطقة عكار والشمال بشكل عام.
بحسب الاختصاصيين، فإن مطار القليعات أو مطار الرئيس الشهيد رينيه معوض، تيمّناً بعملية انتخابه في الخامس من تشرين الثاني من العام 1989، يمتد على مساحة 5,5 ملايين متر مربع ويبعد عن الحدود السورية – اللبنانية نحو 7 كيلومترات، وهو يرتبط بشبكة طرق داخلية ودولية، مع الإشارة الى أن موقعه يضاهي موقع مطار بيروت لناحية عدم تعرّضه للعواصف والتقلّبات المُناخية التي تؤثر في العادة على حركة الطيران، والأهم أن لا أبنية قريبة من محيطه يمكن أن تعيق هذه الحركة، كما أن الطائرات تستطيع الإقلاع والهبوط من دون موجّهٍ، وهو يمتاز بمدرج طويل يبلغ 3200 متر قابل للتطوير، ما يعني أنه مطابق للمعايير الدولية في مطارات العالم، وبالتالي هو يستوفي الشروط المطلوبة لتحويله الى مطار مدني، علماً أنه حائز على رخصة ” مطار عسكري” شأنه شأن مطاري حامات ورياق.
كلفة إعادة تشغيل مطار القليعات تُعتبر زهيدة قياساً بمفاعيل الجدوى الإقتصادية من إعادة تشغيله وهي لا تتعدّى 65 مليون دولار، إذ إنه سيحرّك الدورة الاقتصادية في منطقة الشمال في مجالات التجارة والصناعة والسياحة، إضافة الى تأمين فرص عمل لنحو 6 الآف موظف في السنة الأولى من تشغيله وقد تصل الى 20 ألف فرصة عمل لأبناء الشمال.
وانطلاقاً من عدم اعتماد دول العالم على مطاراتها الرئيسية فقط بل على إنشاء مطارات رديفة أو بديلة في مناطق مختلفة، لا يمكن القول إن تشغيل مطار القليعات سيؤدي الى تحجيم “مكانة” مطار رفيق الحريري الدولي، كما يدّعي المعطّلون الرافضون لفكرة إعادة التشغيل والذين يتقدّمهم الرئيس نبيه بري وحزب الله المسيطر على مفاصل مطار بيروت بكل معاني الكلمة، وبالتالي فإن ما يخشاه هو تفلّت مطار القليعات من قبضته نظراً لبعده الجغرافي عن ” متناول يده” ولوجوده ضمن بيئة غير حاضنة للحزب.
قد يكون مخطط إعادة إعمار سوريا هو أحد الدوافع الرئيسية التي تدعم التوجّه الى إعادة تشغيل هذا المطار نظراً الى قربه من الحدود المشتركة بين البلدين، علماً أنه في سوريا يوجد 13 مطاراً مدنياً وعسكرياً، ما يعني رفع الفيتو السياسي، إضافة الى ضرورة تخطي الفيتو الطائفي في مسألة تعيين الهيئة الناظمة لعمل المطار، فهل سيتمكن لبنان من تشغيل مرفق حيوي كمطار بديل عن نظام اللامركزية التي لم ولن تُطبق بحذافيرها سنداً الى التجارب السابقة، وهل سيؤشر هدير الطائرات في القليعات الى مرحلة جديدة من الأنماء المتوازن والتخلي عن سياسة تهميش المناطق والأطراف؟!