رفضت دولة الإمارات بشكل مفاجىء تعيين سفير لها في سوريا، وجمّدت أموالاً عائدةً لنظام بشار الأسد، فيما أبلغت المملكة العربية السعودية نظام الأسد أنها لن ترسل بدورها سفيراً الى دمشق، طالبةً من الأسد وقف عمل السفارة السورية في الرياض.
الأردن، من جهته، أبلغ نظام الأسد بأنه سوف يقوم باستهداف أي مصدر يشكّل أهدافاً للأمن القومي الأردني، وصولاً الى إنشاء منطقة عازلة جنوب سوريا.
النظام السوري والتطورات الدراماتيكية نحو العزلة
هذه التطورات العربية المتسارعة حيال الملف السوري ونظام دمشق تشي بتطوّرات دراماتيكية سيتعرّض لها النظام السوري بعد عودة العزلة العربية وتوقف خطوات التطبيع معه وقطع أي تمويل عنه، خصوصاً من جهة دولة الإمارات التي كانت تسعى لجذب نظام الأسد اليها انطلاقاً من قراءة براغماتية إماراتية للواقع السياسي السوري، الذي كان قد أفضى الى اعتبار أن لا حل سوى بالتعاطي مع الأسد كونه الوحيد الذي لا يزال يدير شرعياً السلطة في سوريا، بعد أن فشلت كل المعارضات في إيجاد قيادات بديلة على مستوى التحدّيات والإمساك بالملف السوري بشكل حازم، إلا أن ثمة معطيات طرأت على مسيرة التطبيع جعلتها تتوقف بصورة مفاجئة.
لا تبادل دبلوماسياً بين سوريا والإمارات
دولة الإمارات كانت اذاً من أكبر وأوائل الدول الداعمة للتطبيع مع نظام الأسد مادياً واقتصادياً وسياسياً وفي مجلس الامن في الأمم المتحدة والولايات المتحدة، ما ساهم في استمرارية النظام السوري مادياً وسياسياً وديبلوماسياً، فأبو ظبي أبلغت النظام السوري أنها لن تستقبل سفيراً سورياً جديداً لديها بعد انتهاء مهام السفير السوري الحالي، ولن ترسل سفيراً الى سوريا، فالإمارات إذاً قرّرت وقف تحويل أية مبالغ للنظام كما كانت تفعل سابقاً لتأمين متطلبات عمل مؤسسات الدولة في سوريا، فيما تفيد بعض المعلومات أنه تم حجز أموال بشرى شقيقة بشار الأسد التي كانت قد تزوجت من آصاف شوكت في الإمارات ونقلت كل أموالها اليها.
وقف التمويل الإماراتي والتهديد الحوثي
بالتزامن مع هذا السياق، وصلت الى الإمارات تهديدات حوثية من دمشق باستهداف مصالح إماراتية ردّاً على موقف الإمارات من أحداث غزة واعتداءات باب المندب بحق الملاحة الدولية وبخصوص ملف إيران، فالعلاقات الثنائية الإماراتية- الإيرانية تمرّ راهناً بمرحلة دقيقة وحساسة جداً، خصوصاً في ما يتعلّق بموضوع الجزر المحتلة والتهديد الإيراني المستمر بضرب موانيء وخطوط الملاحة التجارية للإمارات.
كذلك يبدو أن الإمارات لم تعد تريد تمويل بعض الفصائل والعشائر السورية المعارضة كما كانت تفعل خلال الحرب، لاسيما وأن الأسد كرّر الطلب من أبو ظبي إعادة التمويل من خلاله، لاستمالة تلك الفصائل والعشائر في الشمال، ما حدى بأبو ظبي الى توقّفها عن كل عمليات التمويل هذه.
والأخطر من كل هذا، أنه تم اعتقال خمس شخصيات إماراتية كانت موجودة في سوريا بتهمة التعامل مع إسرائيل.
إعادة النظر في البراغماتية السعودية تجاه سوريا
الرياض من جهتها لم تكن أساساً مع دعم نظام الأسد منذ البداية، إلا أن البراغماتية التي امتازت بها سياسة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان ونزول السعودية عند رغبات واقتراحات عربية بالانفتاح على بشار الأسد جعلت ولي العهد يوافق على المحاولة لشدّ الأسد نحو الصف العربي وإخراجه من العباءة الإيرانية، إلا أن هذا النهج لم يلبث أن فشل فشلاً ذريعاً لأن بشار الأسد لم يتنازل عن أي شيء ولم يلتزم بأية عهود أو وعود أو عقود، حتى أنه لم يوقف إرسال الكابتاغون الى دول الخليج حتى الساعة، علماً أن الرياض لم تذهب منذ البداية الى فتح سفارة في دمشق، بل اكتفت بفتح قنصلية لمعالجة شؤون الجالية السورية في المملكة ليس إلا .
الأردن وانتكاسة الخطوة مقابل الخطوة
أما الانتكاسة الأكبر فكانت لدى الجانب الأردني، إذ من المعلوم أن الأردن هو مَن هندسَ نظرية الخطوة مقابل خطوة مع النظام الأسدي منذ لقاءات عمان التشاورية، والدفع باتجاه عودة سوريا لإشغال مقعدها في الجامعة العربية، على أمل لدى القيادة الأردنية يومها بفتح صفحة تعاون مع الأسد ونظامه ووقف تهديده المباشر لأمن الأردن عبر شحنات الكابتاغون والسلاح والإرهابيين الى الداخل الأردني.
والمعلوم أن العاهل الأردني عبدالله الثاني كانت قد نجح في إقناع الرئيس الأميركي جو بايدن بالانفتاح على الأسد، وبإمكانية ضبط الأمور في سوريا وإعادة هيكلة النظام فيها، وهو اليوم في وضع لا يُحسد عليه بعدما تبيّن له كذب بشار الأسد وخذلانه وعدم إيفائه بالوعود والاتفاقات، فالأسد لم يقدّم شيئاً بل على العكس تجاوزَ شحنَ الكابتاغون الى الأردن الى شحنِ سلاح الى الداخل الأردني بغية إثارة الاضطرابات الداخلية وتهديد أمن الأردن واستقراره، ما دفع بالطيران الأردني
الى بدء قصف جنوب سوريا لضرب عمليات التهريب، في ظل تكشّف فساد بعض ضباط الحدود الأردنيين، وآخر غاراته على جنوب السويداء كانت ليل الخميس الجمعة الفائت حيث استهدف بالغارات الجوية شبكات التهريب في سوريا.
بشار الأسد ونظامه، مع بداية هذا العام، أمام تحدٍ مصيري فهل يكون عام ٢٠٢٤ عام سقوطه ؟
نظام الأسد “غاطسٌ” حتى الأذنين في المشروع الإيراني
كل المؤشرات الى الآن تدّل على تخلّي العرب عنه مجدّداً وعودته الى عزلة لا تعنيه في الواقع إلا من الوجهة المالية لأنه مع نظامه قد “غطسا ” حتى الأذنين في المشروع الإيراني في المنطقة، ويبقى أن تقتنع كل الدول العربية بعد اليوم أن لا فائدة تُرجى من التقرّب من الأسد ونظامه مجدّداً، بعد أن أصبح جزءاً من ولاية الفقيه ومصدراً أساسياً لتهديد الأمن القومي العربي والإقليمي،
“فمَن جرّبَ المجرّب… بيكون عقله مخرّب” على حد قول المثل الشعبي