هل تشتري السعودية تحييد واحتواء إيران وميليشياتها في المنطقة؟

iran-saudi arabia

توقّفت مصادر ديبلوماسية غربية مطّلعة مطولاً أمام خبر "بلومبرغ" اقتراح المملكة العربية السعودية على الجمهورية الإسلامية في إيران استثمارات بقيمة مئة مليار دولار، في مقابل لجم طهران ميليشياتها في المنطقة ومنعها من التورّط في أية مواجهات أو حروب تؤدس الى تسخين الساحات أو الجبهات.

انتقال السعودية من موقع المنتظِر الى المبادِر

هذا الخبر الذي لم يصدر نفي له حتى الآن، لا من الرياض ولا من طهران، إن تأكد فهذا يعني في ما يعنيه انتقال الأمير محمد بن سلمان من موقع المنتظِر الى موقع المبادِر بطرحٍ "احتوائي" للجمهورية الإسلامية تتحقّق من خلاله أهداف عدة ليس أقلها :

- أولاً : احتواء الجمهورية الإسلامية، وبالتالي تحييدها إقليمياً، إن لم يكن تطويعها لصالح الخليج ودول المنطقة العربية وكفّ شرورها عنهم.

- ثانياً : تحييد إيران من أي مواجهة مع إسرائيل، لا بل نزع فتيل أي تورّط إيراني في الملف الفلسطيني- الإسرائيلي وخصوصاً من باب غزة وما يحصل فيها.

- ثالثاً : كتابة نهاية الميليشيات الإيرانية ووكلاء إيران في المنطقة، ما سيطرح بالعنف مصير سلاح حزب الله متى صدر الأمر الإيراني بوقف العمليات العسكرية من "الساحات " الافتراضية لما يُسمّى بمحور الممانعة.

- رابعاً : تفكيك وحدة هذا المحور بمجرد حيازة طهران على مصالح حيوية لها تنسيها التزاماتها المعلن عنها حيال المنطقة والفلسطينيين وإسرائيل.

- خامساً : إنه زمن التحوّلات الضخمة في المنطقة، وكما يُلاحظ أن الدور المحوري للرياض يبقى "بيضة قبان" رغم كل التحفّظات والملاحظات، واتفاق بكين بين السعودية وإيران فتحَ الباب أمام القيادة السعودية للتحرّك الديبلوماسي الكبير باتجاه إيران، لِما فيه خير دول المنطقة والخليج، فهل تنجح الرياض في "سعودة " إيران بعدما أمعنت طهران في "فرسنة " المنطقة طوال عقود من الزمن.

رؤية القيادة السعودية وتكامل العلاقات الثنائية مع طهران

وزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان اتصل بوزير الدفاع الإيراني محمد باقري ورحّب بالتعاون العسكري والأمني بين الطرفين، ما يشير الى رؤية القيادة السعودية بتكامل العلاقات الثنائية اقتصادياً وأمنياً وعسكرياً، بما يخرق كل المحرّمات الأميركية التي كانت موضوعة على الخليج والدول العربية لجهة حصر ورقة إيران بيد واشنطن للمناورة بها والضغط من خلالها على العرب، فمثل هذا التعاون السعودي- الإيراني، إن حصل، يقطع الطريق على واشنطن في لعب ورقة إيران على دول المنطقة.

برنامج نووي جديد مقابل استثمارات سعودية

الانفتاح السعودي على إيران يقطع الطريق أيضاً على برنامج إيران النووي بحيث أن الاستثمارات السعودية في إيران ستُلزم الأخيرة بالتوقّف عن متابعة برنامجها النووي، ما يتيح الذهاب الى اتفاق نووي جديد متوازن لكونه سيكون أقليمياً، فتتخلّى بموجبه طهران عن برنامجها بالتوازي مع دمج إسرائيل في المنطقة بعد عودتها الى حدود العام ١٩٦٧، فيما إيران تعود الى حدودها الدولية المعترف بها وإنهاء دور وحضور وكلاء إيران. والجدير ذكره أن اتفاقاً أمنياً سعودياً- إيرانياً حصل قبل ذلك في العام ١٩٩٨ في عهد الرئيس الإيراني خاتمي، وآخر تمّ في العام ٢٠٠١ الى أن تبدّلت الحسابات مع ضربة إيران للولايات المتحدة في ١١/٩. الاستراتيجية السعودية البعيدة النظر، كما سبق أذكرنا في أكثر من مقال، تريد تحقيق عودة إيران الى كيان دولتي ( نسبةً الى دولة) وتخلّيها عن كيانيتها الثورية، في موازاة إعادة إسرائيل الى حضن المنطقة بعد إزالة احتلالها عن الأرض الفلسطينية بتحقيق حل الدولتين والعودة الى ما قبل حدود ال٦٧.

إيران وخيار النظرية التوسّعية

الكرة باتت في ملعب إيران إزاء العرض السعودي، والأكيد أنه من الصعب على طهران الخيار بين نظريتها التوسّعية والدينية في المنطقة واستمرار إمبراطوريتها الإقليمية، وبين إنهاض اقتصادها باستثمارات سعودية ضخمة تريح الشعب والداخل الإيراني، وتطوّر البنى التحتية الإيرانية، وتُطلق عجلة اقتصاد خليجي إيراني تكاملي ضخم، وتسحب نهائياً ورقة إيران وتهديدها من أسواق المزايدة والضغوط الإقليمية والدولية على السعودية والخليج والدول العربية، كما تسحب أيضاً التهديد الإيراني من داخل الدول العربية المحتلة حالياً من ميليشياتها.

طهران بين خطين أحمرين إقليمي وعربي

عندما رفض وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان صورة قاسم سليماني في غرفة الصحافة أثناء زيارته الشهيرة لطهران كانت رسالة الرياض واضحة : كل ما تريده إيران من تعاون مشترك في مقابل تخلّيها عن هيكلية نظامها الثورية الميليشياوية. إنه استكمال لاتفاق بكين في شهر مارس ٢٠٢٣ ومحاولة استيعاب واحتواء سعودية ضخمة نرجو أن يُكتب لها النجاح، فالرياض ومعها دول المنطقة والخليج يقولون لإيران : لا لأسلحة الدمار الشامل ولا للميليشيات، وعندها فلتأخذ طهران من محيطها الإقليمي والعربي والخليجي ما تشاء ضمن خارج هذين الخطين الأحمرين .

رغبة أميركية لمنع توسّع الحرب الى خارج غزة

الخطوة السعودية في شقها الإقليمي لجهة منع الميليشيات وتحجيم دورها وإنهائها تلاقي الرغبة الأميركية لإدارة الرئيس جو بايدن في منع توسّع حرب غزة، وفي هذا دافع أميركي ديمقراطي قد يدفع واشنطن في مكان ما الى دعم المبادرة السعودية حيث تتلاقى المصالح لا المشاعر مع الحليف الأميركي، وبالتالي فإلأكيد أن المبادرة السعودية تفتح الباب واسعاً أمام اتفاق نووي جديد ومتوازن وإقليمي يحظى بموافقة واشنطن وتل أبيب في مقابل مئة مليار دولار كاستثمارات سعودية، وهنا مكمن أهمية الخطوة السعودية وصوابيتها التي تحقّق "بحجر واحد" أهداف عدة لا تُحصى .

بين اتفاق نووي موزون وعودة إسرائيل الى الحظيرة الإقليمية

هي صفقة شراء سعودية تاريخية إن تحقّقت تُنهي الخطر الإيراني على المنطقة، وتنهي موضوع الميليشيات وتفتح الباب أمام اتفاق نووي إقليمي موزون، وعودة إسرائيل الى الحظيرة الإقليمية بعد ترتيب الوضع الفلسطيني بعد مرحلة "حماس" في قطاع غزة والضفة بانتخابات فلسطينية جديدة تأتي برئاسة سلطة جديدة وحكومة فلسطينية جامعة وموحّدة لفلسطين، فهل تكون حرب غزة قد قرّبت بين إيران والسعودية وبين إيران و…. إسرائيل ؟ تحوّلات كبرى بدأت من أوكرانيا ووصلت الى الشرق الأوسط بكل تعقيداته وتفرّعاته، وفي ظل أضخم وأخطر وجود أميركي أطلسي في المنطقة.

المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: