هل دخل الاتفاق النووي العناية الفائقة

Deputy Secretary General of the European External Action Service (EEAS) Enrique Mora and Iran's chief nuclear negotiator Ali Bagheri Kani and delegations wait for the start of a meeting of the JCPOA Joint Commission in Vienna, Austria December 17, 2021. EU Delegation in Vienna/EEAS/Handout via REUTERS ATTENTION EDITORS - THIS PICTURE WAS PROVIDED BY A THIRD PARTY

سجلت الأيام لا بل الساعات الأخيرة تطورات جعلت أكثر من مراقب ومحلل استراتيجي يتساءل حول مصير الاتفاق النووي الذي يُعمل عليه.

فبداية وفي المعلومات أن محادثات أميركية- إسرائيلية على أعلى المستويات العسكرية تمت في اليومين الماضيين، توجت برسالة وقّعها خمسة الآف ضابط إسرائيلي ووجّهت الى الرئيس الأميركي جو بايدن طالبوه فيها علناً وبصورة مباشرة عدم التوقيع على الاتفاق النووي، مبررين طلبهم بأن لاتفاق يُفقد المنطقة استقرارها ويمنح إيران قدرة مالية تمكّنها من تعزيز ميليشياتها، والأهم أن هذا الاتفاق، اذا وقّع سوف يستجر سباق تسلح نووي عربي من المملكة العربية السعودية وصولاً الى جمهورية مصر، بحيث بَدَل أن تكون إيران مصدر تهديد للأمنَين القوميين الأميركي والإسرائيلي، ستتعدد مصادر التهديد لمصالح البلدين وأمنهما القومي.

منذ يومين، ردت طهران على الملاحظات الأولى للجانب الأميركي حول مسوّدة الاتفاق الأوروبي، واعتبرت واشنطن هذا الرد أنه غير بناء بيحث يتساءل المرء هل فعلاً تريد الأطراف المعنية الاتفاق؟

كما أن إيران لم تعد تريد إيداع اليورانيوم المخصب خارج أراضيها، وقد اقترحت بديلاً عن ذلك إطفاء ووقف التخصيب، كما إطفاء وحدات التخصيب حتى اللحظة التي تُضطر فيها الى إعادة تشغيلها في حال نُقض الاتفاق مستقبلاً من قبل الإدارة الأميركية المقبلة.

واشنطن، وبحسب المعطيات المتوفرة، رفضت المقترحات الإيرانية، علماً أننا نتكلم عن مسوّدة اتفاق كان من المفترض بحسب وزير خارجية الإتحاد الأوروبي جوزف بوريل أن تكون نهائية يوم سُلّمت للطرفين الأميركي والأيراني، لكن على ما يبدو لم تعد لهذه المسوّدة الصفة النهائية وقد بات عليها أكثر من تعديل وطرح ومقترح تفاوضي.

بالأمس،أعلنت البحرية الأميركية أنها منعت محاولة الحرس الثوري الإيراني من الإستيلاء على سفينة، بحيث تدخّل الأسطول الخامس المرابط في الخليج العربي لمنع حجز سفينة من سفنه، كما أن طهران إختطفت مسيّرات أميركية في الخليج والبحر الأحمر، في ما اعتبرته تصرفات تشي بوجود حال غموض حول مصير الاتفاق النووي الذي لا تتآلف أجواء التوتر مع ما يُفترض أن تكون عليه الاوضاع بين الطرفين الأميركي والإيراني، في وقت يعود التوتر في اليمن والحكومة الشرعية في صنعاء ليستغيثا من ارتكابات الحوثيين المتجددة.

عندما ردت إيران على مسوّدة الاتفاق الذي تسلّمته من الأوروبيين وبدل موافقتها أو رفضها لها علناً فضّلت، على جري عادة الإيرانيين بقول شيء وفعل النقيض، إرسال ملاحظات جديدة بما يُعتبر في المنطق الديبلوماسي رفض مقنّع للمسوّدة، وبالتالي للاتفاق الذي جاءت مسودته الاوروبية متقنة وجامعة لكافة المطالب والاحتياجات المتبادلة بين الطرفين المعنيين.لكن طهران ضربت عرض الحائط بنهائية الاتفاق أو المسوّدة، طارحةً ملاحظات ومقترحات أُرسلت الى الجانب الأميركي، فيما اعتبر الجانب الأوروبي أن ملاحظات طهران لم تكن في الحسبان، وأنها لم تكن بناءةً خلافاً لما وصفتها طهران وهذا ما عادت واشنطن وأكدت عليه.من جهتها، رفضت واشنطن المقترحات الإيرانية بحيث لا تريد أن تلزم بمبالغ في حال عدم إلتزام الإدارة اللاحقة، مشددةً على ضرورة نقل اليورانيوم المخصب، سواء تحت العشرين بالمئة أو فوق العشرين بالمئة الى روسيا.موقع أكسيوس الإخباري نقل عن مسؤول أوروبي قوله إن الرد الإيراني ليس بناءً وهو بمثابة تراجع عن الاتفاق النووي.وفي تحليل نُشر في صحيفة جيروزالم بوست، اعتبر أحدهم أن واشنطن ليست في وارد التخلي عن الاتفاق النووي مع إيران وهي ستستمر ومعها طهران في سعيهما للتوصل الى اتفاق.في واشنطن، يسود اعتقاد أن إيران لا تريد العودة لاتفاق نووي، ومع ذلك تريد واشنطن التوصل الى الاتفاق لِما يتضمنه من مكاسب، فضخ البترول الإيراني في الأسواق يخفض من سعر البرميل، وبالتالي يستفيد الغرب من الأسعار المتدنية، كما أن الاتفاق يرجىء المواجهة العسكرية مع إيران الى ما بعد فصل الشتاء بانتظار إنهاء حرب أوكرانيا كي يتم التركيز بعدها على كيفية محاربة إيران.واشنطن تدرك أن أي تصعيد عسكري مع إيران حالياً سيؤدي الى ارتفاع قوي وخطير في أسعار النفط فيتضرر الاقتصاد الأميركي ومعه الاقتصاد الأوروبي، الأمر المرفوض غربياً، لذلك تترك الخيار العسكري لنهاية المطاف في حال خرقت إيران نووياً وباتت قاب قوسين أو أدنى من إنتاج القنبلة النووية.والملاحظ أنه وفي المقابل،فإن طهران تدرك حقيقة نوايا واشنطن تجاهها وتدرك أن الغرب بحاجة اليها.ويبدو أن أسباب تردد إيران أو رفضها للاتفاق تعود الى اعتبارات داخلية مهمة ليس أقلها عدم الرغبة بإبرام اتفاق مع الأميركيين، في الوقت الذي لم تنسَ فيه بعد الذاكرة الجماعية لدى الإيرانيين مقتل قاسم سليماني، ما يجعل من الصعب على الشعب الإيراني تقبّل التوقيع مع قاتليه وفق المنظور الإيراني، كما أن طهران متوجسة من عدم إيذاء روسيا في حال ضخت البترول وانخفضت الأسعار، خصوصاً وأن روسيا اشترت منذ أيام مسيّرات منها، وقد أكدت بوليتيكو نقلاً عن مصادر البيت الأبيض وصول مئات المسيّرات الإيرانية الى روسيا.

هكذا يُلاحظ أن ثمة تخبطاً حول الاتفاق النووي بالتزامن مع الصدامات البحرية المشتعلة بين الخليج والبحر الأحمر، حيث الأسطول الأميركي يعترض سفناً إيرانية تحاول سرقة مسيّرات مائية أميركية لمحاولة دراسة أنظمتها الإلكترونية ونسخ مكوناتها وخربطة النظام الرقابي الأميركي العسكري في المياه الإقليمية. في الخامس عشر من الشهر الحالي سيعقد الكونغرس جلسة استماع لروبيرت مالي المسؤول عن الملف النووي والتفاوض مع الإيرانيين لشرح كافة ظروف وخلفيات ما حصل ويحصل في موضوع الاتفاق، فالكونغرس في حال غليان حيال الاتفاق، وهناك أكثر من خمسين سيناتور جمهوري وديمقراطي معارضين بشدة للاتفاق.

ويبقى السؤال : في حال فشل الاتفاق وعدم التوقيع عليه هل تصبح الخطة "باء" هي البديل؟ والخطة باء المقصودة هنا تغيير النظام في إيران.الاتفاق العتيد في غرفة العناية والضغوطات على أشدها من كل حدب وصوب والأيام المقبلة ستكون كفيلة بحسم مصيره، ومن خلاله مصير إيران ومعها المنطقة.

المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: