هل يبدّد باسيل مكتسبات قانون الانتخاب؟!

2994421-1594625132

لطالما شكّل القانون الانتخابي في لبنان أداة لرسم مشهد توزيع موازين القوى بين الاطراف ولإحكام القبضة على الحياة السياسية في ظل قوانين فصلّت لهذه الغاية. فمنذ "الطائف" حتى العام 2005، كان القانون الانتخابي يفبرك في عنجر لإطباق النظام السوري قبضته على الحياة السياسية اللبنانية ويعدّل وفق الحاجة والظروف عبر كيفية تقسيم الدوائر وهذا ما حدث عام 2000 حين أرادت دمشق تحجيم الرئيس الشهيد رفيق الحريري. فأضحى القانون يعرف بـ"قانون غازي كنعان".

بعد العام 2005، أجريت اول إنتخابات وفق هذا القانون الذي وصف بقانون "المحادل والبوسطات" الاكثري بدوائر محكمة السيطرة طائفياً. ما جعل المسيحيين لا يستطيعون إيصال إلا نحو 20 نائباً من أصل 64 بقوتهم الذاتية ويغلق الباب كلياً على العلمانيين المستقلين. أما إنتخابات عام 2009، فأجريت وفق قانون الستين بعدما "هلّل وطبّل" العونيون انهم نجحوا بفرض العودة اليه في إتفاق "الدوحة" وزرعوا البلاد بشعار "عون رجع الحق لأصحابه" قبل أن يتبين ان هذه القانون لم يحسّن صحة التمثيل.

عقدة أو حجة قانون الانتخاب دفعت الى التمديد لمجلس نواب 2009 لدورتين متتاليتين. أما ورشة صياغة قانون الانتخاب، فدامت لسنوات وإستحوذت على عشرات الاجتماعات ومئات الساعات وسارت على وقع الظروف السياسية والمناخات التي مرّت بها البلاد وشدّ الحبال بين الاطراف السياسية حيث كان بعضهم وفي طليعته حركة "أمل" ورئيسها رئيس مجلس النواب نبيه بري يهوّل بـ"لبنان دائرة واحدة" مرتكزاً على سلاحه الديمغرافي كلما دعت "المماحكات" السياسية أو طرحت مواضيع سيادية كسلاح "حزب الله" أو حساسة كـالزواج المدني.

بين "الاكثري" و"النسبي" و"لبنان دائرة واحدة" و"الدائرة الفردية" و"المختلط" مرت هذه السنوات. لكن رغم المراوغة والمناورة، إلا انها شهدت عملا محترفاً وجدياً مع "الهيئة الوطنية لقانون الانتخابات" برئاسة الوزير السابق فؤاد بطرس الذي تم تكليفه بهذه المهمة من قبل حكومة الرئيس فؤاد السنيورة وفق القرار الصادر عن مجلس الوزراء رقم 58 تاريخ 8/8/2005. كان من المفترض ان تجرى على أساس "قانون فؤاد بطرس" الانتخابات عام 2009، لكن هذا المشروع الذي كان جاهزاً منذ العام 2006 تمّ وضع العراقيل أمام صدوره من ساحة النجمة التي فرملت حركيتها من إستقالة الوزراء الشيعة وما رافقها من شلل سياسي وإحتلال لوسط بيروت وصولاً الى غزوة "7 أيار" وإستباحة بيروت وإنتهاء بإتفاق الدوحة.

في ظل المناخ التوافقي الذي شهدته البلاد عقب إنتخاب العماد ميشال عون رئيساً للبلاد، ولد قانون إنتخابي جديد عام 2017 عرف بـ"قانون جورج عدوان" الذي نجح بحنكته السياسية وخبرته التشريعية في إيصاله الى بحر الآمان عبر إقراره في مجلس النواب وتحويله الى قانون نافذ.

يومها أصرّ رئيس "التيار الوطني الحر" النائب جبران باسيل على حصر تمثيل المغتربين بـ 6 مقاعد وكاد يطيح بهذا القانون الذي عطّل "المحادل والبوسطات" الانتخابية ورفع من قدرة المسيحيين على إيصال نوابهم بأصواتهم الى اكثر من 50 نائباً من أصل 64 إذ ربط باسيل موافقته على القانون بإقرار بند الـ6 نواب. تمت مجاراته مع إقرار هذه المادة وتعليق العمل بها للعام 2018 بهدف تفكيك كل الألغام التي وضعت أمام هذا القانون علّ وعسى يسقط كلياً في وقت لاحق هذا البند المحجّم لتأثير المغتربين اللبنانيين والمعيق لتواصلهم الفعلي مع قراهم وبلداتهم.

عشية العام 2022، عاد باسيل الى نغمة المقاعد الستة للإغتراب. حاول طرحها في مجلس النواب فسقطت. لجأ بعدها العونيون الى الطعن أمام المجلس الدستوري وفشلوا أيضاً بعدما أصدر المجلس قراراً بـ"ألا قرار".

اليوم يحكى عن محاولة إلتفاف جديدة يسعون اليها عبر طرح إقتراح قانون معجل مكرّر يتقدم به العونيون لهذه الغاية في ظل صفقة تنسج برعاية "حزب الله" بين "التيار" و"أمل" توفر الاكثرية النيابية لإقراره وتندرج ضمن التحالف الثلاثي الإنتخابي والذي سيترجم في لوائح موحّدة في الدوائر التي تقتضيها الحاجة. كانت طلائع هذه الصفقة بدأت تتبلور حين تراجع عون عن موقفه الرافض لفتح دورة إستثنائية لمجلس النواب ووقّع على فتحها مع ترك باب جدول أعمالها مفتوحاً امامه لتمرير ما يريد.

هكذا سيناريو يعني عملياً تأجيل الانتخابات من جهة لإستحالة السير بالتعديلات في ظل المهل المعمول بها وضيق الوقت حتى 15 أيار المقبل والتمديد للمجلس الحالي وتعبيد الطريق أمامها لإنتخاب رئيس جديداً للبلاد من جهة أخرى.

يسأل بعضهم ما سر تمسك باسيل بالدائرة 16 وتمثيل الاغتراب بـ 6 نواب مع علمه ان توزيع هذه المقاعد مناصفة بين المسيحيين والمسلمين ومن ثم بين المذاهب على القارات وطبيعة إنتشار اللبنانيين وفق إنتماءاتهم الدينية غير منصف ومناقض لروحية الدستور وصحة التمثيل؟ إن كان باسيل يتخوف اليوم من تصويت الاغتراب العقابي ضده وضد تجربة عهدهم، فلماذا طرحه عام 2017 يوم كان العهد في أوجه و"التيار" يوحي عبر مهرجانات الطاقة الاغترابية انه الأقوى خلف البحار؟!

الجواب ببساطة لأن باسيل كان يدرك منذ ذاك التاريخ أن "روما من فوق ليست كروما من تحت" وأنه عبر الطاقة الاغترابية يقبض على متمولي ورجال اعمال الجاليات اللبنانية ويجتذبهم نحوه ولكن في الاغتراب قدراتهم محدودة حيث لا شراء للاصوات

في الاغتراب كما انه أدرك ان حضوره الشعبي ضعيف مقارنة بمنافسه الاول في البيئة المسيحية "القوات اللبنانية".

لذا يسعى لحصر مفاعيل الصوت الاغترابي بالمقاعد الستة وعوض جعله يؤثر بالمقاعد الـ١٢٨ على مساحة الوطن.

اليوم أي تعديل للإنتخابات يعني عملياً فتح باب الاطاحة بالقانون الحالي وهدر المكتسبات التي تحققت مع "قانون عدوان" لناحية تحسين صحة التمثيل - والتي لم تقتصر على المسيحيين بل حتى العلمانيين والمستقلين عبر معادلة "النسبية والصوت التفضيلي" وخير دليل وصول النائبة المستقيلة بولا يعقوبيان التي ما كانت لتطأ ساحة النجمة في ظل قوانين "المحادل والبوسطات" - وتعبيد طريق المجهول التي يسير عليها لبنان.

المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: