انشغل اللبنانيون في الأيام الماضية بحادثة اعتداء مرافقين للوزير السابق جبران باسيل على السيدة ياسمين المصري التي استفزها وجوده فوجهت له انتقاداً علنياً خلال حضوره في أحد مطاعم البترون، ولم ينفع الإعتذار الذي قدّمه الوالد الخائف على ابنته إلا في إطلاق موجة انتقاد جديدة لباسيل وضعته في موقف أكثر إحراجاً.
لا أدري إن كان الوزير السابق جبران باسيل يتوقع أن ينثر عليه اللبنانيون الأرزّ والورود عندما يصادفونه في مكان عام، وأن يستقبلوه استقبال الملوك والعظماء بحلقات الرقص والزغاريد، فارشين السجاد الأرجواني تحت قدميه، وكأنّه لا يعلم أن اللبنانيين يعلمون ما اقترفت يداه في السياسة اللبنانية منذ “تكرّمت عيون صهر الجنرال” فانخرط في الحكم والسلطة، وكأنّه نسيَ أنه قدّم نفسه “منقذاً” ممتطياً حصانه الأبيض، حاملاً سيفه، وبه يريد قطع رؤوس البلطجيين والمتحكمين بمفاصل الدولة منذ التسعينات، والذين لطالما اتهمهم بأنهم من أغرقوا مركب لبنان في بحر الفساد والمحسوبيات والزعرنات. وإذ به اليوم، هو نفسه يصبح شريكاً أساسياً في هذه المنظومة التي أراد كسرها، لا بل والأخطر من ذلك يساهم في تهديد كيان لبنان ووجوده، وهنا أسمح لنفسي الإستعانة بتوصيف البروفيسور فيليب سالم لسبب ما يجري اليوم في لبنان على أنه “ركوع كامل للعهد أمام حزب الله والسياسة الايرانية”.
تقارير إعلامية موثقة تظهر تورطه بفساد وزارة الطاقة، وفي أفضل الأحوال، وإن سلّمنا الجدل أن معدّي التقارير يحاولون النيل من سمعته واتهامه زوراً، وأنه نظيف الكف عفيف النفس، فلا مبرّر لمن استلم وزارة حيوية خدماتية أساسية لأكثر من عقد من الزمن، وركّب أكثر من نصف الدين العام على خزينة الدولة، أن يعتبر نفسه مظلوماً ويحتفظ لنفسه بحق مصادرة هذه الوزارة، ولبنان اليوم يغرق بعتمة 24/24، بل الأجدى به أقلّه… أن يخجل احتراماً لعقول الناس وآلامها اليومية!
ف ال “ما خلونا” الرائجة جداً عند وزراء التيار المتعاقبين على وزارة الطاقة، غامزين من قناة أن حزب “القوات اللبنانية” هو أحد أبرز الأطراف التي عرقلت خطة الكهرباء التي كان يريد التيار تنفيذها لم تعد تنطلي على أحد. فمحاضر جلسات مجلس الوزراء شاهدة، وعندما طُرحت خطة الكهرباء كان وزراء “القوات” من أول المصوتين عليها، لا بل ذهبوا أبعد من ذلك، وشاركوا مع الوزيرة ندى البستاني في تصويب الخطة وتحسين بنودها.
وهنا لا بدّ من التأكيد أن “القوات” (ومعها الأحزاب الأخرى) كان ولا يزال يعتبر أن خطة الكهرباء ممتازة، إنما المشكلة ليست في الخطة نفسها، بل وبكل بساطة، فإن وزراء التيار الوطني الحر لم يطبقوها بالشكل الذي تم بموجبه الموافقة عليها. ولمن لا يعلم من اللبنانيين فإنّ أبرز بنود الخطة كانت تركيب العدادات الذكية، تحسين الشبكة وتطويرها إذ أن الهدر التقني وغير التقني يصل إلى حوالى ال35 بالمئة، تحسين الجباية والفوترة الشهرية، تصليح الشبكات والمحولات، نزع التعديات على الشبكة (إذ تصل نسبة التعديات إلى 15%)، تعيين مجلس إدارة كهرباء لبنان والهيئة الناظمة للقطاع الكهربائي، السعي من قبل مجلس الوزراء مع الجهات الدولية لاستيفاء فواتير المخيمات السورية، إنطلاق بناء معامل الإنتاج الثابتة واستقدام البواخر كحل موقت مع البدء ببناء المعامل وإلى حين استكمالها خلال سنتين!
وفي هذا السياق، يؤكد نائب رئيس مجلس الوزراء السابق غسان حاصباني أنه وفي أول نقاش للموازنة قال بوضوح أن “القوات” توافق على الاستدامة في الخطة وبناء معامل الإنتاج وليس الاستمرار بالخطة الموقتة باستجلاب البواخر، وكان موقفهم واضحاً للوزير سيزار أبي خليل أن المناقصات المتعلقة بتنفيذ الخطة لا يمكن أن تمرّ من دون إدارة المناقصات. وبين قوسين، لا بدّ من التأكيد على أن الوزير حاصباني وبصفته نائب رئيس مجلس الوزراء، كان يسأل باستمرار ويتابع إن كانت هناك أي عراقيل تعيق الوزير المعني من تنفيذ الخطة، وذلك من أجل الدعم والمساعدة إن من داخل مجلس الوزراء، أو إعلامياً…. لكن الجواب كان دائماً أنّ الوزير ليس مضطراً أن يطلعهم على مجريات العمل كونه المسؤول في وزارته وصاحب الصلاحية في إدارة خطته وتنفيذها!
“مين يلّي بيكون ما خلّا الكهربا تجي”؟ الشعب اللبناني صار بيعرف الجواب.
بقلم نور ابي حبيب