تفاجأت الأوساط السياسية المراقبة بالقنبلة التي فجّرتها واشنطن منذ يومين بالإعلان عن مخطط إيراني لاغتيال مستشار الأمن القومي السابق جون بولت، وعن وجود مخطط للحرس الثوري باغتيال وزير الخارجية الأميركي السابق مايك بومبيو. توقيت واشنطن لهذا الإعلان يتزامن مع الوصول الى المراحل الأخيرة من الاتفاق النووي، الذي نذكّر بأن نصه النهائي على حد وصف الممثل الأعلى للسياسة الخارجية الأوروبية جوزف بوريل، موجود لدى الوفد الإيراني المفاوض، وبالتالي لدى القيادة الإيرانية التي لم تردّ عليه الى الآن.
هذه المفاجأة لا بل "القنبلة" كما يصفها المراقبون، ألزمت واشنطن بتوجيه الإتهام لأحد أفراد الحرس الثوري الإيراني بالتخطيط والضلوع في تنفيذ هاتين المحاولتين، في وقت تسعى فيه واشنطن وأوروبا مهرولتَين نحو إنجاز الإتفاق النووي مع طهران والتي، وفي سياق الجولة الأخيرة من المفاوضات، تراجعت عن شرط أساسي من شروطها برفع الحرس الثوري عن لائحة الإرهاب بعدما جوبه هذا الشرط بالرفض الغربي.
بالأمس طعن أحد المؤيدين للنظام الإيراني المدعو هادي مطر الكاتب سلمان رشدي في نيويورك، ومن المرجح أن تكون له صلة ما مع الحرس الثوري، هذا الحرس نفسه الذي حاول قتل السفير السعودي في واشنطن عادل جبير في العام 2011، لكن السلطات الأميركية أحبطت المحاولة حينذاك.
وهذه إحدى إهم النقاط الخلافية راهناً بين واشنطن وحلفائها في المنطقة، ولا سيما في الدول التي تعاني من وجود أذرع الحرس الثوري وفيلق القدس، كما في لبنان مع حزب الله وفي اليمن مع الحوثيين، بحيث لا يبدو أن الأميركيين والغربيين الذين رفضوا رفع الحرس الثوري عن لائحة الإرهاب،قد فهموا أو استوعبوا بأن رفع الحوثيين عن قائمة المنظمات الإرهابية لا يتماشى، لا بل يتناقض تناقضاً تاماً مع اعتبار الحرس الثوري إرهابياً، لأنه وبكل بساطة، فإن الحوثيين في اليمن وحزب الله في لبنان والحشد الشعبي في العراق والجهاد الإسلامي وسرايا القدس في غزة، هم جميعاً أذرع الحرس الثوري وفيلق القدس، وبالتالي فإن إبقاء الحرس الثوري على لائحة المنظمات الإرهابية يستوجب بالتبعية وضع المنظمات والميليشيات المشار اليها أعلاه على لائحة الإرهاب نفسها.
القنبلة التي فجّرتها واشنطن منذ يومين عن وجود مؤامرة من الحرس الثوري لاغتيال بولتون وبومبيو وضعت قيادة إيران أمام مأزق من إثنين : التبرؤ من الحرس الثوري وبالتالي تفجير الوضع الإيراني من الداخل على اعتبار أن الحرس هو الأداة الأساسية لاستراتيجية إيران في المنطقة، والمسؤول الوحيد عن تصدير الثورة أو تبنّي ما يقوم به، وبالتالي نسف الإتفاق النووي بمنافعه ومكاسبه لطهران، كما يمكن أن تتذرع إيران بما يُتهم به الحرس الثوري أميركياً للضغط على الأميركيين والغرب للقبول برفع الحرس عن لائحة الإرهاب من خارج جدول أعمال المفاوضات، الأمر الذي يُستبعد حصوله نظراً لضغوط الرأي العام الأميركي والغربي السلبية في مرحلة الإنتخابات النصفية في الولايات المتحدة.
الشيء الأكيد المتأتي عن هذه القنبلة الأمنية السياسية في واشنطن، ومع توجيه وزارة العدل الأميركية الإتهام للحرس الثوري بمحاولات اغتيال مسؤولين أميركيين، هو أنه يحشر إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن والديمقراطيين في زاوية وجوب الردّ على الحرس الثوري، وبالتالي إدخال تعقيدٍ جديدٍ على مسار التفاوض النهائي حول النووي، خصوصاً أن ليس بمقدور إدارة بايدن التغافل عن ما حصل في ظل تباطؤ القيادة الإيرانية في السير بالمقترح الأوروبي النهائي المعبَّر عنه في مسودّة النص النهائي المسلّم اليها.
على واشنطن والغرب أن يدركا للمرة الأخيرة بأن ما يجري بينهما وبين إيران، وفي ضوء قنبلة اتهام الحرس الثوري بمحاولة استهداف مسؤولين أميركيين، هو من طبيعة النظام الإيراني وهي طبيعة ثورية، وما قام ويقوم به الحرس الثوري ليس أعمالاً معزولةً فرديةً، بل هي تعبير عن تورط النظام الإيراني في ما يجري مع الحرس لأن طبيعة النظام ثورية وعنفية في تعامله مع الأميركيين والغرب.
ما حصل ليس حادثاً معزولاً بالتأكيد إنما قرار مركزي إيراني تعمل طهران كل يوم على تنفيذه ضد أعدائها الغربيين وفي طليعتهم الأميركيين، والإدارة الإيرانية التي تستخدم الحرس الثوري وأدواته الإقليمية لتحقيق مشروعها التوسعي والثوري منسجمة تماماً مع سياسات الحرس الثوري في الإعتداء على الغرب والدول العربية الحليفة للأميركيين والغرب.
هذا التساهل الأميركي الغربي يدفع وسيدفّع الغرب أثماناً باهظة، فمخططات الحرس الثوري لا تقتصر على الولايات المتحدة الأميركية بل تتعداها الى أوروبا، وللتذكير بشبكة الحرس الثوري الإرهابية في أوروبا مع أسد الله أسدي الذي تلبّس صفة ديبلوماسية في السفارة الإيرانية في فيينا منذ العام 2014 وكانت مهمته الإعداد لتفجير إجتماع للمعارضة الإيرانية في باريس في 30 حزيران 2018، وقد حكمت عليه محكمة بلجيكية بالسجن عشرين عاماً، ما لبث أن تم استرداده من قبل حكومته إنفاذاً لمعاهدة تبادل المحكومين بين بلجيكا وإيران.
الحرس الثوري اذاً في "عين العاصفة الدولية"، والتساهل الغربي مع إيران يقابله إمعان إيراني بالتسبّب بالأضرار والخسائر بفعل استمرار الأعمال الإرهابية ضد هذا الغرب الذي يفاوض قيادتها على ملفها النووي، فهل دخلنا في سباق مع الوقت بين توقيع اتفاق ينتقص منه كل يوم شيء من بريقه وبين استفحال المؤامرات الإرهابية للحرس الثوري الإرهابي وأذرعه في المنطقة؟
في مقالات سابقة، أشرنا الى احتمال تحوّل تخلي إيران عن الحرس الثوري في لحظة ما الى واقع، وها أن طهران قد تنازلت عن شرط رفعه عن قائمة المنظمات الإرهابية، فهل يكون ثمن إبعاد مخاطر إنقلاب الحرس على قيادته داخلياً السماح له بالتفلّت من القيود دفاعاً عن نفسه وعن حقه في الوجود وفي الإستمرار كرقم أول في المشروع الإيراني الإقليمي؟
الأكيد حتى الآن هو أن ثقة حلفاء واشنطن بها في المنطقة تسير باتجاه المزيد من التردّي، فبين المثابرة الإيرانية من جهة وعدم الثقة بواشنطن من جهة ثانية، تبقى إيران المستفيدة من فرصة أن تنجح غداً في ما تفشل به اليوم.
الحرس الثوري الإيراني لا يبدو أنه مستعد للرضوخ، وقد أُعطيت له "كلمة سر" من القيادة العليا الإيرانية بإنقاذ نفسه من الزوال مع ميليشياته، هو الذي يصنع صواريخ متوسطة المدى ويجربها في سوريا بحسب ما كشف عنه المرصد السوري لحقوق الإنسان من أن الحرس الثوري الإيراني أنهى تصنيع صواريخ متوسطة المدى بإشراف خبراء إيرانيين، وقد أجرى تجارب حية شرق دير الزور السورية.
فهل يشعل الحرس الثوري من خلال أذرعه جبهات المنطقة إثباتاً لوجوده أولاً وخدمةً للأجندة الإيرانية الثورية ثانياً فيطيح بذلك بالاتفاق النووي الذي لم يكن في الأساس موافقاً على التفاوض مع الغرب من أجله؟