همروجة التوتير العسكري جنوباً…سيناريو ملتبس وإبراء ذمّة

5032131

بانتظار أن تتبلور في الساعات المقبلة صورة أوضح لما حصلَ بين الجنوب اللبناني وإسرائيل من توتير عسكري، وفي قراءة أولية للأحداث يمكن تسجيل الآتي :

أولاً : تأكيد حزب الله أن لا علاقة له بالهجمات الصاروخية على شمال إسرائيل يرفع الغطاء الإيراني عن الجهة التي نفّذت من الجنوب اللبناني تلك الهجمات، في وقت زار رئيس حركة حماس إسماعيل هنية أمين عام حزب الله قبل ساعات من إطلاق الصواريخ باتجاه شمال إسرائيل من جنوب لبنان.
حتى حركة حماس تنصّلت من العملية معلنةً أنها لم تُطلق الصواريخ باتجاه الأراضي الفلسطينية المحتلة.
واللافت أن إسرائيل تبدو مستعدة لتصديق رواية حزب الله التي رمت مسؤولية إطلاق الصواريخ على فصائل فلسطينية، بدليل أن تل أبيب كرّرت نفس الاتهام للفصائل الفلسطينية.

ثانياً : مَن يعرف وضعية الجنوب اللبناني لناحية سيطرة حزب الله على جوه وبره وبحره، يدرك أن ما من تحرّك يمكن أن يحصل في تلك المنطقة من دون علم مسبق، إن لم يكن تنسيق مع حزب الله، فالعملية التي سُجّلت في الساعات الأخيرة لم تكن من باب التسلّل لكي يُقال باستحالة ضبط أية حدود في العالم في وجه عمليات التسلّل، بل على العكس فإن الكم الهائل من الصواريخ ولو البدائية الصنع والتركيب على حد تقرير الجيش اللبناني، والتي رُكّزت وأُطلقت من الجنوب اللبناني، يُثبت أن ثمة بنية لوجستية في الجنوب لا يمكن أن يكون حزب الله غافلاً عنها.

ثالثاً : اذا كان ثمة قيود على قوات اليونيفيل (قوات حفظ السلام في الجنوب اللبناني) في تحركاتها وصلاحياتها، وقيود على الجيش اللبناني في تحركاته وصلاحيته في بعض مناطق الجنوب، الا أن حزب الله لا قيود عليه بل هو السيّد المسيطر والحاكم بأمره في منطقة الجنوب، وبالتالي فهو القادر على متابعة وضبط أية تحرّكات عسكرية من أي نوع كانت.
إسماعيل هنية قالها بكل صراحة بضرورة تفعيل غرفة العمليات المشتركة ما بين حزب الله وحماس وفصائل فلسطينية أخرى واليوم ومع وجود قواعد صاروخية بالعشرات تُركّب وتطلق صواريخها من الجنوب اللبناني من الصعب جداً لا بل من المستحيل أن لا يكون حزب الله على علم ومعرفة بها.

رابعاً : الجهات المستفيدة مما حصل بالأمس هي بالتأكيد إسرائيل وتحديداً حكومة بنيامين نتانياهو وحزب الله : الأول لأن ما حصلَ شدّ العصب داخل إسرائيل ووحّد جميع الأطراف السياسية التي كانت تتصارع في الأسابيع القليلة الماضية وراء حكومتهم وجيشهم، لأن الهجمات إعتُبرت تهديداً لأمن وسلامة إسرائيل، فيما حزب الله استفاد من خلال منحه نوعاً من إبراء ذمّة عما حصل، إذ لم يكن متورطاً في الهجمات الصاروخية.
ففي عام ٢٠٠٦، وعلى اثر العدوان الإسرائيلي على لبنان، استفادت إسرائيل من مفاعيل عدوانها السياسية بزرع قوات دولية على حدودها، فيما حزب الله تمكّن من الارتداد الى الداخل اللبناني وإحكام قبضته على مفاصل الدولة بعد تدمير نصف لبنان يومها.
اليوم المشهد شبيه الى حد ما حيث الحكومة الإسرائيلية المتطرّفة راهناً كانت بحاجة الى تعويم، وقد أعلن زعيم المعارضة الإسرائيلية يائير لابيد أن الجميع في إسرائيل بات يقف وراء الحكومة والجيش لأن الاعتداء على إسرائيل خط أحمر، ما يثبت أن هذه العملية العسكرية ساعدت حكومة نتانياهو على تجاوز ولو مرحلياً أزمتها الداخلية .

خامساً : اذا كانت إسرائيل تحيّد حزب الله ولا تتهمه بالمسؤولية عما حصل، واذا كانت تحيّد الجيش اللبناني أيضاً فإن ردة الفعل الإسرائيلية لن تتركز الا على المنظمات والفصائل الفلسطينية في الداخل الإسرائيلي الفلسطيني ، أما اذا ردّت إسرائيل بضرب عمق المخيمات في لبنان، فإن حزب الله سيكون محرجاً بحيث اذا ردّ وتدخّل سيصبح جزءاً من المعركة، واذا لم يتدخّل فإن السؤال الكبير سيُطرح عليه حول الحاجة الى سلاحه في الدفاع عن لبنان وحمايته ضد العدو الإسرائيلي؟

من هنا، فالمتوقع أن تستثمر إسرائيل ما حدث سياسياً أفضل استثمار، وكذلك الاستثمار من جانب طهران من خلال استغلال عدم تورّط الحزب في الاعتداءات لتجنّب أية مواجه مع تل أبيب أقله في المرحلة الحالية.
تداعيات الاتفاق الايراني- السعودي تحوم فوق المنطقة ولا سيما فوق لبنان وسوريا لجهة التأثير على الميليشيات الإيرانية وعملها في الدول بالتبعية لتأمين أجواء استقرار في المنطقة، وقد تكون هناك حسابات مشتركة بين طهران وتل أبيب لرفض الاتفاق السعودي- الإيراني، وبالتالي لا يجب أن يغيب عن بالنا تقاطع مصالح ممكن رسمه بين البلدين في رفض أو عرقلة الاتفاق السعودي- الإيراني .

إن ما جرى بالأمس بين لبنان وإسرائيل يبقى محكوماً بمدى إمكانية ذهاب إسرائيل وإيران نحو المواجهة أو عدم رغبة إيرانية في تعويم حكومة اليمين المتطرف وبالتالي تهدئة الجبهات وتبريد الأجواء،
ومن هنا فإن تلك السيناريوهات الملتبسة قد يطول أمد انكشافها في الساعات والأيام القليلة المقبلة.

المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: