طرحُ رئيس مجلس النواب نبيه بري خلال إحياء ذكرى إخفاء الامام موسى الصدر في ٣١/٨/٢٠٢٣ إعتماد حوار الايام السبعة كحد أقصى في مجلس النواب على ان يليها جلسات مفتوحة لانتخاب رئيس للجمهورية أعاد إحياء "ارنب" الحوار الذي سحبه قبل أشهر.
تأييد محور الممانعة بما فيه "التيار الوطني الحر" - حليف بري اللدود - لم يكن مستغرباً، لكن الدفع لهذا الطرح أتى من تأييد نواب "الإجر بالبور والإجر بالفلاحة" ونواب "الترقيع" للخروج شكلياً من الأزمة ونواب "معارضة رفع العتب" للمنظومة. الدعم الاهم كان من عظة البطريرك الماروني الذي بمجرد طرحه إطاراً للحوار روّج له أكان عمداً أو عن غير قصد، مناقضاً عظاته السابقة التي أعطت الأولوية لإنتخاب رئيس.
طرح بري حوار ٢٠٢٣، أعادني بالذاكرة الى حوار بري ٢٠٠٦ حيث حضر على الطاولة الجميع بمن فيهم امين عام "حزب الله" السيد حسن نصرالله. حينها جرى الحديث عن إستراتيجية دفاعية وتعهد نصرالله بصيف هادئ للاستفادة من دفق السياح، فكانت حرب تموز ٢٠٠٦ أو ما عرف بحرب "لو كنت اعلم".
بالتزامن مع تلك المرحلة، كانت الزميلة دنيز رحمة فخري تغطي إحدى جلسات مجلس الوزراء في السراي وخلال رسالة مباشرة عبر الهواء قالت إن الحكومة ستتناول بعض البنود المطروحة على "طاولة الحمار"، ثم إستدركت بلباقة. إلا أن "طاولة الحمار" أصبحت الأكثر انتشارا most trending على وسائل التواصل الإجتماعي. يومها، بهضامته المعهودة، إتصل بها نائب رئيس مجلس النواب الراحل فريد مكاري قائلاً: "صدقتي يا دنيز وانا واحد من هل حمير".
أثبتت الايام ان لا جدوى من هكذا حوارات الغاية منها الالتفاء على القوانين والدستور عوض خلق مناخات مساعدة، خصوصاً مع أطراف لا تلتزم بوعودها. فمن "الوعد الصادق" بصيف هانئ عام ٢٠٠٦ مروراً ب "اتفاق الدوحة" والانقلاب عليه عام ٢٠١١ عبر الاستقالة من الحكومة وقطع one way ticket للرئيس سعد الحريري وهو في البيت الأبيض وصولا الى تنصّل رئيس كتلة "الوفاء للمقاومة" النائب محمد رعد من مقررات الحوار الذي رعاه الرئيس ميشال سليمان عام ٢٠١٢ وقوله عن "إعلان بعبدا" "بلّقوا وشربوا ميتو"، النتيجة واحدة: حوارات هدر الوقت وطنياً لكسب الوقت فئوياً ونتائج تذهب مع ريح المصالح.
امس في خطاب أيلول الشهداء، عبّر رئيس "القوات اللبنانية" وأكبر كتلة نيابية سمير جعجع عن رفضه المبادرة الحوارية للرئيس بري الذي أعلن عشية جلسة ١٤ حزيران الماضي انه أصبح طرفاً بترشيحه سليمان فرنجية لذا لم يعد بإستطاعته الدعوة للحوار أو إدارته.
فوراً، إنهمرت عليه حملات التخوين من قبل فريق "الممانعة" واعلامه و"المستكتبين" لديه وإنهالت الاتهامات ان جعجع يريد العودة بعقارب الساعة الى زمن الحرب وانه صاحب السياسات الهدامة لجسور التواصل وانه متقوقع خلف طموحاته الانعزالية…!!!
عظيم، فرضنا جدلاً ان كل هذه الاوصاف صحيحة، فهل المطلوب الذهاب الى الحوار غصباً؟! وطالما "القوات" " ما بتقدم ولا بتأخر"، لماذا لا يذهبوا الى الحوار من دونها وينتخبوا رئيسهم ويتحملوا مسؤولية الحكم؟!
لكن كل مرة وبفوقيته المعهودة، يريد محور "الممانعة" إشراك جعجع صورياً لتحميله تداعيات سياسات "الحزب" وحلفائه وممارستهم. بناء على ذاك، كان يصر عليه منذ العام ٢٠١٩ الدخول الى الحكومات وكذلك إستدراجه الى طاولات الحوار.
لذا من حق جعجع أن يقول هنيئا لهم بـ" طاولة الحمار"، "لانو حمار يلي بفوت وبفوّت البلد بالحيط واكاذيب الحوار" أكثر من مرة.