كتب نقولا ناصيف في “الأخبار”:
جنوب لبنان تحت مظلة حرب غزة في كل حال. نجاح هدنة في شهر رمضان تفضي حكماً إلى تعميمها عليه، والوصول إلى تسوية لها لا تزال افتراضية وأقرب إلى مستعصية تقوده إلى استعادة الحدود الدولية استقرارها. حتى ذلك الحين، في كلتا الحالين، هو جزء لا يتجزأ مما يدور بين إسرائيل وحماس.
ما حمله الموفد الأميركي الخاص عاموس هوكشتين إلى بيروت أخيراً هو تأكيد الانتظار الطويل المدى. محاوره الفعلي رئيس البرلمان نبيه برّي الذي يعرف أيضاً – وهو ما يفصح عنه أمام زواره – أن زائره الأميركي ضابط سابق في الجيش الإسرائيلي كعدد وافر من الإسرائيليين يحمل جنسيتين. الأولى من مسقطه. خدم في لبنان خلال الاحتلال الإسرائيلي للجنوب بين عامي 1992 و1995 وكان في مطلع عقده الثاني، قبل أن يمسي في ما بعد ضابط احتياط فيه. لا يزور بيروت وهو الآن في العقد الخامس سوى لحمل وجهة نظر وزارة الدفاع الإسرائيلية، مصدر ولائه. مع ذلك في رحلاته الثلاث إلى هنا لا يستغني هوكشتين عن مقابلة برّي، وفي الغالب هي الأولى المُعوَّل عليها حيال ما يريد أن يدلي به أمامه، لكن أيضاً ما يتعيّن أن يسمعه بنفسه. في الزيارة الثالثة تحاورا ساعة ونصف ساعة. أما مؤدى ما ناقشاه فلا يعدو إلا استمرار التواصل بين الزائر الأميركي ورئيس البرلمان مباشرة، وبينه وبين حزب الله على نحو غير مباشر من خلال برّي الذي وضع أخيراً سقفاً عالياً لمسار التفاوض الدائر بشرطيْن متلازميْن: تبدأ مهمة هوكشتين في جنوب لبنان عندما تنجز تسوية حرب غزة، ولا اتفاق إلا شاملاً ومتكاملاً.في زيارته الأخيرة لبيروت قدّم هوكشتين أمام مفاوضه الجدّي عرضاً وحيداً هو توفير سبل إعادة المستوطنين الإسرائيليين إلى مستوطناتهم مقترناً بتراجع حزب الله بين سبعة وعشرة كيلومترات إلى شمال نهر الليطاني، للحؤول دون وصول صواريخه إلى شمال إسرائيل وضمان الأمان للعائدين وراء الحدود الدولية. بحسب حجج أدلى بها أمام أكثر من طرف لبناني اجتمع به، وطأة نزوح هؤلاء من حَمَلَة جنسيات أصقاع شتى على الاقتصاد الإسرائيلي. تكلفه إقامتهم في فنادق ومنتجعات بين 30 و40 مليون دولار أميركي يومياً. في ما راح يقول به أمام مسؤولين لبنانيين وأفرقاء، ربطه بين عودة أولئك وإغراءات اقتصادية ومالية مهمة تُعطى للبنان ثمن تجاوبه مع هذا المسعى، كأن يتحدث عن تأهيل منشآت الزهراني وتشجيع شركة «توتال» على العودة إلى العمل في لبنان.
أما المهم في ما كان يضيفه عندما يحدّثه المسؤولون اللبنانيون عن تمسّكهم بحل شامل لأمن الحدود الدولية مع إسرائيل، فعبارته الآتية: «لا تحدّثوني أبداً عن مزارع شبعا». ثم يقول مجدداً: «ممنوع الإتيان على ذكرها».
ما استخلصه المسؤولون اللبنانيون تشبّث هوكشتين بمسألتين اثنتين:
1 – التوصل إلى اتفاق جزئي يقتصر على ضمان أمان جانبَي الحدود بدعوى أن الطمأنينة للمستوطنين الإسرائيليين تجلب الطمأنينة إلى السكان اللبنانيين في الجنوب.
2 ـ استمرار السعي مع برّي خصوصاً بغية بلوغ اتفاق مبدئي على هذا الشق، على أن يُصار إلى تنفيذه لاحقاً بعد تكريسه كاتفاق مبدئي. وهو ما عناه بقوله لهم: «هذا ما نريده حتى الآن. إعادة المستوطنين».
على طرف نقيض من الموقف الرسمي اللبناني، المُعبَّر عنه من خلال رئيس البرلمان باسمه وباسم حزب الله، ليس في أجندة زيارات الموفد الأميركي في الوقت الحاضر أي تفكير في البنود الأساسية للحل الشامل: لا B1، ولا تثبيت الحدود البرية، ولا بتّ الخلاف على النقاط الـ13. في كل حال ليست مزارع شبعا في أي لحظة في بنود أي اتفاق. على أن الخطوات المؤجّلة يُنظر فيها في ما بعد دونما جدول زمني لمباشرتها.
رئيس المجلس لزائره: التواصل مستمر والتفاوض بعد حرب غزة والاتفاق شامل غير جزئي
لم يُعطِ هوكشتين أجوبة حيال ما كان تبقّى من النقاط الحدودية المختلف عليها بين لبنان وإسرائيل. الربيع الفائت، في نطاق اللجنة العسكرية الثلاثية الملتئمة في الناقورة برعاية الأمم المتحدة، طلب الوفد اللبناني معاودة البحث في ست نقاط من النقاط الـ13 بعدما كان اتُّفق، مبدئياً، على معالجة سبع نقاط منها دونما أن تشقّ طريقها إلى التنفيذ. عُزي السبب آنذاك إلى ضرورة اكتمال الاتفاق على البنود الـ13 كلها. الجواب الإسرائيلي حينذاك أنه توقّف عند النقاط السبع ولم يعد جاهزاً لمتابعة البحث في النقاط الست المختلفة لتكريس الاتفاق. في حسبان هوكشتين أن الأوان لم يحن بعد للخوض في تفاصيل كهذه قبل التوصل إلى تهدئة جانبَي الحدود والتحقق من العودة الآمنة للمستوطنين تسبق التفكير في الذهاب إلى الحلول التالية المكملة.
في حصيلة ما استنتجه الزائر الأميركي من محاوره رئيس البرلمان أن عليه أن لا يتوقع أي تفاوض على وقف للنار في جنوب لبنان قبل وقف نهائي للنار في غزة.