عيسى الخوري: الصناعة اللبنانيّة أثبتت قدرتها على الصمود

joe issa

أكد وزير الصناعة جو عيسى الخوري أنّ "القطاع الصناعي اللبناني أثبت قدرة استثنائية على الصمود، في ظل الانكماش الاقتصادي والانهيار المالي"، مشيرًا إلى أنّ "عدداً من الصناعات لم يكتفِ بالاستمرار، بل حقّق نموًّا ونجاحات لافتة محليًّا وعالميًّا رغم الأزمة".

وشدّد على أنّ "الصناعة كانت تاريخيًا قطاعًا مهمشًا في لبنان، نتيجة نظرة خاطئة تعتبر البلاد ذات طابع تجاري فقط". وذكر أنّ "الفينيقيين، الذين يُستشهد بهم كتجار، كانوا في الأصل صناعيين قبل أن يكونوا تجّارًا، إذ صنعوا الأرجوان والزجاج والسفن قبل تصديرها". ولفت إلى أنّ "البنية الاجتماعية اللبنانية مليئة بالعائلات المهنية والصناعية، ما يؤكد أنّ الصناعة جزء أصيل من الهوية الاقتصادية للبلاد".

وانتقد "ضعف الدعم الرسمي لهذا القطاع"، موضحًا أنّ "وزارة الصناعة لم تكن تحصل سوى على 4 ملايين دولار سنويًّا من أصل إنفاق عام بلغ نحو 240 مليار دولار بين عامي 2000 و2019، أي ما يعادل 0.03% فقط"، معتبرًا أنّ "هذا الواقع يجب أن يتغير جذريًا".

ورأى أنّ "تطوير الصناعة ضرورة وطنية لسببين أساسيين: أولًا لأنها أكبر ربّ عمل في لبنان، وثانيًا لأنها المدخل الأساسي لمعالجة الخلل البنيوي في الاقتصاد، والمتمثل بالعجز التجاري المزمن الذي بلغ نحو 15 مليار دولار سنويًّا خلال السنوات الماضية". وأوضح أنّ "لبنان كان يستورد سنويًّا ما بين 17 و18 مليار دولار، مقابل صادرات لا تتجاوز 2 إلى 3 مليارات دولار، ما فرض الاعتماد على التحويلات والسياحة والاستدانة لسد الفجوة، وأدى في النهاية إلى أزمة مالية خانقة".

وأكد أنّ "خفض العجز التجاري يتطلّب مسارين متوازيين: إحلال الإنتاج المحلي مكان جزء من المستوردات، وزيادة الصادرات لجذب العملات الأجنبية". ومن هذا المنطلق، حدّد وزير الصناعة هدف استراتيجيته بـ"دعم القطاعات الصناعية القادرة على المنافسة".

وأشار إلى أنّ "التحدي الأكبر الذي يواجه الصناعيين هو كلفة الإنتاج، ولا سيّما كلفة الطاقة، حيث تبلغ كلفة الكيلوواط ساعة في لبنان نحو 30 سنتًا، مقارنة بـ5.4 سنتات في تركيا، و4.2 سنتات في مصر، و5.6 سنتات في السعودية". واعتبر أنّ "هذه الفجوة تخلق منافسة غير عادلة، خصوصًا أنّ الدول المنافسة تقدم دعمًا مباشرًا للطاقة والتصدير".

وفي هذا الإطار، أعلن عن "مبادرة بالتعاون مع جمعية الصناعيين ووزارة الطاقة تتيح استيراد الطاقة مباشرة، ما من شأنه خفض الكلفة بين 20 و22%". وكشف عن "العمل على مشاريع "ميني غريد" في المدن الصناعية لتأمين طاقة أقل كلفة، بانتظار الحل الجذري المرتبط بتأمين الغاز".

وفي ما يتصل بالسياسات الصناعية، أوضح أنّ "الوزارة تعتمد مقاربة "العناقيد ذات الأولوية" (Priority Clusters)، المرتكزة على تحديد القطاعات التي يملك فيها لبنان ميزات تفاضلية وقيمة مضافة عالية، ولا تتأثر كثيرًا بارتفاع كلفة الإنتاج". ولفت إلى أنّ "لبنان لا يقتصر إنتاجه على الصناعات الغذائية التقليدية، بل يضم صناعات متقدمة في التكنولوجيا، والروبوتات، والبرمجيات، والبنى التحتية للذكاء الاصطناعي، بالإضافة إلى الصناعات الهندسية والغذائية المبتكرة".

وأشار إلى "نجاح شركات لبنانية في تصدير منتجات عالية التقنية إلى عشرات الدول، والتعامل مع كبرى الشركات العالمية"، مؤكدًا أنّ "هذه النماذج تبرهن أنّ الصناعة اللبنانية مقاومة وقادرة على المنافسة العالمية".

وفي ما يخص الاتفاقيات التجارية، اعتبر أنّ "العديد من الاتفاقيات الموقّعة لا تخدم مصلحة لبنان"، كاشفًا عن "توجه لإعادة النظر بها بالتنسيق مع وزارة الاقتصاد، في ظل التحولات العالمية نحو الاتفاقات الثنائية وتراجع العولمة الاقتصادية".

وأكد أنّ "دعم الصناعة لا يعني دعمًا دائمًا، بل توفير بيئة تشريعية وتنظيمية مستقرة، وحوافز ذكية، وبنى تحتية ملائمة، بما يسمح للصناعيين بالاستثمار طويل الأمد، وخلق فرص عمل، والحد من هجرة الكفاءات"، مشدّدًا على أنّ "النهوض الاقتصادي الحقيقي يبدأ من بوابة الصناعة".

وعرض وزير الصناعة مرتكزات الاستراتيجية الصناعية الجديدة التي أعلنتها الوزارة قبل نحو شهر، مؤكّدًا أنّها "مبنية على قراءة دقيقة للتحولات العالمية في القطاع الصناعي، وعلى تشخيص واقعي للمعوقات التي يواجهها لبنان، بالإضافة إلى تحديد الميزات التفاضلية التي يملكها الاقتصاد اللبناني".

وأوضح أنّ "الاستراتيجية تنطلق من 4 اتجاهات عالمية رئيسية تؤثر في إعادة هيكلة الصناعة. أولها التحول الرقمي والثورة الصناعية الرابعة Industry 4.0، التي تفرض اعتماد المكننة والتكنولوجيا والذكاء الاصطناعي لرفع الإنتاجية وتحسين إدارة المصانع، لا سيما لدى الصناعات الكبرى. وثانيها الاقتصاد الأخضر والتصنيع الدائري، بما يشمل خفض الانبعاثات، معالجة التلوث، إعادة استعمال المياه، والانتقال من مفهوم معالجة النفايات إلى صناعة النفايات عبر إعادة التدوير والاستفادة منها في الإنتاج".

وأشار إلى أنّ "نحو 27 إلى 28% من التلوث في لبنان مصدره الصناعة، ما يستدعي تشريعات صارمة وتطبيقًا فعليًّا للمعايير البيئية، لافتًا إلى أنّ أوروبا ستفرض بدءًا من 2030 شروطًا صارمة على المنتجات المستوردة لجهة إعادة التدوير، ما يفرض على لبنان الاستعداد من الآن للحفاظ على قدرته التصديرية، خصوصًا في الصناعات الغذائية والزراعية المصنعة".

وأوضح أنّ "الاتجاه الثالث يتعلق بالتغيرات الجيوسياسية وإعادة توطين الصناعات بعد أن اكتشفت الدول الغربية مخاطر الاعتماد المفرط على آسيا"، مؤكّدًا أنّ "لبنان قادر على جذب جزء من هذه الصناعات بفضل موارده البشرية المتعلمة وقدراته في التكنولوجيا والالكترونيات والروبوتات".

أما الاتجاه الرابع، فيتمثل في "تحفيز الصناعات ذات القيمة المضافة العالية، نظرًا لارتفاع كلفة الإنتاج في لبنان".

وفي ما يتعلّق بالتنفيذ، شدّد على أنّ "الاستراتيجية ليست نظرية"، كاشفًا عن "ورش عمل كثيفة مع جمعية الصناعيين أسفرت عن تحديد أكثر من 30 عائقًا، يجري التعامل معها عبر إجراءات تقنية ومشاريع مراسيم وقوانين، بينها نحو 10 إلى 11 مشروع قانون لتسهيل عمل الصناعيين".

وعن تنظيم قطاع المصانع، أعلن "إطلاق مسح شامل للمصانع المرخصة وغير المرخصة، بهدف تحديد مواقعها ومعالجة وجود عدد كبير منها داخل مناطق سكنية". وأوضح أنّ "الخطة تقوم على تجميع هذه المصانع ضمن مناطق صناعية بالتعاون مع البلديات واتحاداتها، ما يخفض الكلفة ويحد من المخاطر البيئية، من دون اللجوء إلى إقفال المصانع في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة".

وتطرّق إلى تفعيل شعار "صنع في لبنان"، معتبرًا أنّه جزء من هوية الوزارة، مؤكّدًا أنّ "دعم الصناعة يعني أيضًا دعم التصدير". وفي هذا الإطار، أعلن "العمل على دراسات تقييم الأسواق الخارجية لفهم حجم الطلب الحقيقي وفتح فرص جديدة، لا سيّما في أفريقيا وأمريكا اللاتينية حيث تنتشر الجاليات اللبنانية".

كما شدّد على "أهمية إعادة تفعيل هيئة كوليباك لما لها من دور أساسي في تعزيز الثقة بجودة الإنتاج اللبناني وتسهيل دخوله إلى الأسواق الخارجية".

وأكد أنّ "التحوّل الرقمي يشمل أيضًا وزارة الصناعة نفسها، عبر مكننة الإدارة بدعم دولي، ما يعزّز الشفافية ويحدّ من الفساد"، مشدّدًا في الوقت نفسه على أنّ "إعادة هيكلة القطاع المصرفي وتأمين التمويل تبقى شرطًا أساسيًا لتمكين الصناعة اللبنانية من النمو والتطور".

المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: