بقلم عماد حداد
تضيف تصريحات البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي والدكتور سمير جعجع، كأعلى سلطة كنسية وأكبر حزب مسيحي في لبنان، بُعدًا حاسمًا يتناقض مع المقولة التي يروج لها البعض، والتي تفيد بأن المشكلة تكمن لدى المسيحيين الذين لا يعرفون ماذا يريدون. من خلال التعبير بصوت موحد وواضح عن توقعاتهم ومعاييرهم للرئيس المقبل، يثبت المسيحيون في لبنان أنهم ليسوا مجرد مشاركين سلبيين في العملية السياسية كما يحاول البعض تصويرهم، بل هم جزء فعال وحيوي يمتلك رؤية واضحة لمستقبل البلاد.
هذه النظرة الموحدة والمحددة تنقض بشكل قاطع تصريحات بعض المأزومين في السياسة بأن المسيحيين مشتتون أو غير قادرين على تحديد موقفهم من القضايا الوطنية الكبرى. بالعكس، تُظهر هذه المواقف أن المسيحيين، من خلال قياداتهم الدينية والسياسية، يعرفون تمامًا ما يريدون للبنان، وهم يسعون إلى رئيس يمكنه أن يوحد البلاد ويقودها نحو مستقبل مستقر ومزدهر، بعيدًا عن التأثيرات الخارجية والضغوطات التي تهدد سيادتها واستقلالها. القيادات المسيحية المؤثرة قد أدلت بدلوها بوضوح، والآن إذا كانت هناك نوابا صادقة لإنتخاب رئيس للجمهورية، فيجب على المجلس النيابي أن يفتح أبوابه إحتراما للدستور اللبناني، بدلاً من اللجوء إلى أساليب التهرب والتحايل التي تتخذ من الإجماع المسيحي ذريعة لإقصاء الدور المسيحي عن الساحة الوطنية، سواء كان ذلك بحجة الحفاظ على “مقاومة” مزعومة أو بغية فرض مرشح معين على المسيحيين ضد إرادتهم.
إن الدعوة لانتخاب رئيس يضمن استقرار لبنان ويمتلك القدرة على التصدي للتحديات الداخلية، مثل السلاح غير الشرعي، والتحديات الخارجية التي تهدد الكيان، تبرز فهم القوى المسيحية العميق للتعقيدات التي يواجهها الواقع اللبناني. هذه المطالب ترسل رسالة واضحة إلى الداخل اللبناني والمجتمع الدولي بأن المسيحيين في لبنان يحملون طموحات كبيرة ونظرة واقعية لما ينبغي أن يتحلى به القائد المستقبلي للبلاد، والذي يُفترض به أن يعزز مكانة الدولة وينفذ إصلاحات جوهرية تعيد الأمل إلى الشعب بمستقبل وطنهم. هذا يتناقض مع رغبات بعض تجار السياسة والوطنية الذين يسعون إلى تعزيز مشاريعهم الخاصة ومصالحهم الضيقة على حساب الصالح العام، مستغلين الفراغ الرئاسي لتقويض ما تبقى من مؤسسات الدولة، ومواصلة ممارساتهم الفاسدة.
تعزز هذه الرؤية المتحدة من أعلى سلطة كنسية وأكبر الأحزاب المسيحية موقفًا صلبًا يُظهر بوضوح أن المسيحيين في لبنان ليسوا عائقًا أمام التقدم، بل هم عنصر أساسي في صياغة الحلول. متسلحين بالإرادة الصلبة والرؤية الصحيحة لإعادة بناء مستقبل لبنان، واستنادهم إلى قيم السيادة، الاستقلال، والتنوع – الركائز الأساسية للهوية اللبنانية – يُثبتون أنهم محركون رئيسيون للتغيير الإيجابي. على الرغم من السعي من قبل بعض الجهات لتصوير المسيحيين كمعرقلين للعملية السياسية، الواقع يكشف عن دورهم القيادي في ترسيخ أسس الدولة ودعم مؤسساتها. إذا ما اتبعت الأطراف الأخرى في المشهد اللبناني هذا النهج نفسه من الوضوح والإخلاص في السعي لبناء وطن يحتضن الجميع، متجاوزين مصالحها الذاتية وارتباطاتهم الخارجية، لكان لبنان بألف خير.