كتب داوود رمال في صحيفة "الأنباء الكويتية":
تتواصل الاتصالات الأميركية المكثفة مع لبنان في سياق الجهود الرامية إلى تثبيت اتفاق وقف الأعمال العدائية بين لبنان وإسرائيل، والذي يشكل الإطار القائم منذ الحرب الأخيرة بموجب القرار 1701.
وبينما لايزال لبنان ملتزماً ببنود هذا الاتفاق ويحرص على احترامه، فإن إسرائيل تواصل خرقه بشكل شبه يومي من خلال الغارات الجوية والقصف المدفعي والاستهدافات المباشرة، ما يهدد بتوسيع رقعة التصعيد في أي لحظة ويقوض أسس الاستقرار في الجنوب.
في هذا السياق، تحاول واشنطن بلورة تفاهم يضمن التهدئة والاستقرار المستدام على الحدود، لكنها تصطدم بموقف إسرائيلي متعنت يرفض وقف الاعتداءات وبالتالي وقف اطلاق النار، وهذا ما دفع رئيس مجلس النواب نبيه بري إلى التشديد بوضوح على أن أي بحث في الترتيبات أو الآليات يجب أن ينطلق أولا من وقف إسرائيل لانتهاكاتها المتكررة والتزامها الكامل بوقف إطلاق النار.
وقال مصدر ديبلوماسي في بيروت: "أوضح بري أمام زواره لاسيما المبعوث الأميركي السفير توماس براك، أن لبنان ملتزم بالقرار 1701 ولم يخرج عنه ويطالب بوقف الأعمال العدائية، فيما إسرائيل تتصرف خارج أي التزام دولي. وبالتالي، لا معنى لأي نقاش حول التهدئة بينما إسرائيل تواصل عدوانها، وأن لبنان لا يمكن أن يقبل منطق التهدئة من طرف واحد".
وأشار المصدر إلى أن الموقف الأميركي يركز على "ضرورة مباشرة لبنان إجراءات عملية تتصل بحصرية السلاح بيد الدولة، لكنه لا يتضمن حتى الآن ضمانات واضحة تلزم إسرائيل بوقف عملياتها، لذا يعتبر الجانب اللبناني ان هذا الطرح منقوصاً، لأن أي تفاهم لا يقوم على التوازن في الالتزامات سيفشل في تحقيق التهدئة المطلوبة. والتشديد من جانب لبنان على أن مفتاح الحل يبدأ من الضغط على إسرائيل لوقف خروقاتها للقرار 1701، وبعدها يمكن الانتقال إلى البحث في مسائل أخرى تتعلق بتثبيت الاستقرار وتطوير آليات تنفيذ القرار 1701 بكامل مندرجاته".
وبحسب المصدر نفسه، فإن "موقف لبنان ليس من باب التحدي، بل هو دفاع عن السيادة الوطنية وعن منطق العدالة، إذ لا يمكن القبول بأن يطلب من لبنان أن يضبط النفس بينما تستهدف أراضيه وشعبه يوميًا. وأي مبادرة لا تضمن وقفاً كاملًا ومتبادلاً لإطلاق النار ستبقى غير جدية وغير قابلة للحياة".
وختم المصدر بالتأكيد على أن "لبنان لا يمانع النقاش في كل الملفات بعد وقف العدوان، وهو منفتح على التفاوض في ترتيبات التهدئة المستدامة والتنفيذ الدقيق للقرار 1701، لكنه يرفض أي مقاربة تنطلق من فرض الوقائع الإسرائيلية بالقوة أو عبر الإملاء السياسي".
الموقف اللبناني يجسد تمسكاً واضحاً بالشرعية الدولية وبالقرار 1701، الذي لم ينقض إلا من الجانب الإسرائيلي. وبالتالي، فإن المطلوب اليوم من واشنطن والمجتمع الدولي ليس مطالبة لبنان بالمزيد من الالتزام، بل إلزام إسرائيل بوقف انتهاكاتها، لأن أي حل عادل يبدأ من هنا، وكل ما عداه قابل للبحث بعد تثبيت التزام الطرفين بالاتفاق القائم.