في الوقت الذي يُطلق فيه الرئيس الفرنسي إمانويل ماكرون، منذ ليلة إعادة انتخابه لولاية ثانية، وعوده بالتجديد والتغيير وجعل ولايته الثانية مختلفة في سياستها الداخلية لجهة المواضيع الإجتماعية والبيئية والمعيشية، تتجه الأنظار الى ما ستكون عليه سياسته الخارجية الواقعة بين حدين: الإستمرارية كما في الولاية السابقة أو التغيير .
الواضح الى الآن أن أولويات الرئيس إمانويل ماكرون الدولية تنطلق من الحرب الروسية على أوكرانيا وتداعياتها السلبية على الوضعين الإقتصادي والسياسي داخل أوروبا، تحديات سيواجهها بمزيد من الدعم للرئيس والشعب الأوكراني .
ولا يغيب عن اهتمام ماكرون القلق من إنزلاق الحرب الأوكرانية باتجاه المزيد من تورط الأميركيين والغرب في الصراع ما سيؤدي الى خطر اندلاع نزاع دولي .
وما يعزّز من القلق الفرنسي سلسلة من المواقف الأخيرة الصادرة عن موسكو كما عن دول أساسية في حلف الناتو خصوصاً الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا حيث بات يُلاحظ بشكل واضح اندفاع الدولتين في مواجهة مخططات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بمزيد من التسليح النوعي والاستراتيجي للجيش الأوكراني وبتورط لندن وواشنطن في الصراع .
وقد لاحظ المراقبون كيف أن لندن وواشنطن تديران ليس فقط الحملة العسكرية الأوكرانية وتدعمانها بل وأيضا كيف تتابعان الأخبار الميدانية وتتصدران الحملات الإعلامية والمواقف السياسية الحادة والمهدّدة للرئيس بوتين، ما حدا بالأخير الى توجيه التحذيرات للبريطانيين بالأمس من مغبة تجاوز مانع التورط المباشر في الحرب، ووزير خارجيته بالتهديد باندلاع حرب عالمية ثالثة .
من هذا المنطلق، فإن ولاية الرئيس ماكرون الجديدة ستكون الى حد بعيد محكومةً أولاً وكأولوية بالوضع الأوروبي المتأزم، ما يعني أنه سيحافظ على ما تمّ إنجازه في الملفات الإقليمية الأخرى، أقله على المدى القصير والمتوسط : ففي ملف مالي والإرهاب في شمال أفريقيا سيتابع انسحاب فرنسا من المنطقة، وفي موضوع الملف النووي الإيراني سيتابع سعيه لدعم السياسة الأميركية من دون قطع التواصل مع الإيرانيين، وفي الملف اللبناني سيتابع التنسيق مع المملكة العربية السعودية ولن يُقدم على أية مبادرة جديدة في لبنان، لاقتناعه أخيراً بعدم قدرة اللبنانيين على تحييد أنفسهم عن التجاذبات الإقليمية ومحاورها .
وفي هذا السياق، فإن باريس وكافة عواصم القرار تتابع باهتمام وقلق تطور الأوضاع في لبنان عشية الإنتخابات وسط مخاوف لا يخفيها الرئيس ماكرون وفريقه من مفاجآت غير سارة يمكن أن تعيد خلط الأوراق وتعطّل الإنتخابات لاسيما وأن باريس باتت على قناعة أن الأزمة في لبنان خارجية بوجوه لبنانية، وأن لبنان بمثابة “بيضة قبان” الحسابات الإقليمية لدول المنطقة مثل إيران ودول الخليج وعلى رأسها المملكة العربية السعودية، وقد ارتاح الرئيس ماكرون لنجاح مساعيه في إعادة الإهتمام السعودي والخليجي بلبنان ولو من البوابة الإنسانية في مرحلة أولى، وسيتابع هذا الشق من المبادرة لتدعيمها إستناداً الى البيان الفرنسي- السعودي المشترك الأخير الذي كان صدر خلال زيارته للمملكة والذي كرس رؤية مشتركة لمختلف جوانب الملف اللبناني وطرق المعالجات وأهدافها.
الأسابيع المقبلة ولا سيما الأيام المئة الأولى من ولاية الرئيس ماكرون ستكون حاسمة في رسم السياسات الجديدة لماكرون داخلياً وخارجياً ودائماً على وقع التطورات الخطيرة المتسارعة في الملف الأوكراني والمواجهة الدولية المحتملة .