بعد تغريدته الأخيرة التي حمل فيها بقوة على مناورة “حزب الله” وزيارة وفد من الإكليروس لمتحف مليتا بالتنسيق مع الحزب، فتح المحلل والبروفسور الخبير في العلاقات الدولية وليد فارس، النار على “حزب الله” ولم يخف انتقاداته للمعارضة والسياديين في لبنان الذين ينتظرون من الخارج أن يدافع عن القضية اللبنانية، مع العلم أن كل الخطوط الحمر قد خرقت اليوم من إيران والحزب، وعلى بكركي اتخاذ موقف حاسم.
LebTalks سألت البروفسور فارس عن تطورات المشهد اللبناني بعد قمة جدة وتعاطي الحزب وإيران مع الإتفاق السعودي- الايراني وعن قراءته
للعرض العسكري الذي قام به “حزب الله” وهل هو رسالة إلى الداخل والخارج؟، فقال فارس إن العرض “ليس محطة جديدة منفصلة عن مختلف المحطات السابقة في برنامج الحزب للسيطرة على لبنان، فالحزب لا يعمل لترهيب اللبنانيين لأنهم “مرهوبين” أساساً منذ 1990 مع وجود الاحتلال السوري على مدى ١٥ عاماً، وبعد ذلك أكثر من ١٥ عاماً من “احتلال إيراني عملي عبر حزب الله، لذلك ما حصل بالجنوب هو جزء من المراحل التي يجتاز بها حزب الله باتجاه السيطرة الشاملة على كل لبنان، فما حصل بتقديري ليس رداً على قرارالجامعة العربية، وبالتالي ليس تحدياً للجامعة بل على العكس إذ ان تعليمات إيران لحزب الله هي “تليين” الأمور مع الجامعة العربية، لكن في الداخل اللبناني هي الآن النافذة التي يجب أن يستفيد منها حزب الله من الآن ولغاية الانتخابات الأميركية.
الحزب يستخدم الإكليروس للقول أن الكنيسة لن تعمل لتحرير لبنان
واعتبر أن “ما حصل هو رسالة داخلية من حزب الله بتوجيه إيراني لاستغلال البوابة الداخلية للاستفادة منها، لأن الدول العربية لم تعد تملك أي خطة للبنان راهناً وذلك منذ الصفقة السعودية- العربية- الإيرانية مع الرئيس بشار الأسد، لا خطة لمواجهة في لبنان لأن هذه الخطة تُسقط الاتفاقات التي حصلت، لكن اذا قام اللبنانيون بتحرك ما، سيكون هناك رد عربي و أوروبي و أميركي، وهنا يكمن الفرق، ففي لبنان هناك اعتقاد بأن كل شيء ” مخيّط” من الخارج واذا حصل تعدٍ على اللبنانيين فهذا الخارج لا عمل له سوى الرد على حزب الله وإيران، ليست هذه هي المعادلة، فالمعادلة هي لأن اللبنانيين عموماً والمسيحيين خصوصاً تأخروا عاماً كاملاً بعد أن انتجوا كتلة سيادية كبيرة جداً عبر الانتخابات البرلمانية التي جرت منذ سنة تحديداً، كنا خلالها نبعث اليهم برسائل مفادها بأن ” الأصعب آتٍ”، لكن للأسف فإن الفعاليات اللبنانية والمعارضة كانت مستندة الى أن ” شيئاً ما سوف يحصل”، وطبعاً هذا الشيء سيحصل من الخصم الآخر اذا لم تتحركوا. إذاً بتقديري موضوع هذا التحرك العسكري ليس موجّهاً الا للشعب اللبناني لترهيبه بمعنى فقدان الأمل، هم يقومون بتحرك عسكري من دون أن يتدخل الجيش ولا الحكومة تتلفظ بكلمة، وطبعاً اذا لم تتحرك الحكومة والجيش فلماذا على الدول الأخرى التحرك غصباً عن الدولة اللبنانية؟ هذا ما يحاول حزب الله إفهامه للبنانيين وخصوصاً السياديين، لذلك استخدموا جزءاً من الإكليروس المسيحي وكأنهم يقولون للبنانيين والمسيحيين خصوصاً ” هذا جزء من الاكليروس المسيحي، فأنتم “تتكوكبون” حول بكركي وهذا جزء من هذه المؤسسة وليس فقط يتواصل معنا، فالتواصل قائم أساساً منذ العام ١٩٩٠، لكن يدخل الى أهم رموز لدى الحزب أي الرموز العسكرية، وهنا الكلام عن متحف عسكري وجسور مشى عليها هؤلاء الاكليروس وكأنهم عملياً سيشرّعون حزب الله، وهذه هي الرسالة الأساسية الموجهة الى اللبنانيين ” لن تستعملوا كنيستكم لتحرير لبنان بل على العكس فالكنيسة أصبحت معنا”، كما أن الحكومة لن ترد ولن يقوم الجيش بشيء ولن يتكلم أحد لا في العالم العربي ولا في العالم بشكل عام، هذا ما يعنيه هذا العرض وما تعنيه خطابات مليتا.
ضربات إستباقية من الحزب
وأضاف فارس أن “حزب الله ومحوره هما ” وقّتا” هذا الموضوع بعد استعراضهما العسكري لهدم المعنويات، وبعد ذلك ما حدث في متحف مليتا بهدم المعنويات أكثر وهما ينتظران ردات الفعل، فإذا كانت ردات الفعل ضعيفة أو غير موجودة ستكون هنالك خطوات أكثر لحزب الله لأن هذه هي إرشادات النظام الإيراني، فقيادة حزب الله تعرف تماماً قدرات اللبنانيين السياديين، هي تعرف أن هناك خطراً عليها وهو بأن تبدأ عملية إقامة المنطقة الحرة، وهذه ضربات استباقية ضد إقامة المنطقة الحرة، وما لم تتم مناقشته كثيراً في لبنان هو سبب خوف حزب الله من المنطقة الحرة، ليس فقط على مواقعه في جبل لبنان والشمال وعلى خلاياه واستخباراته ولكن أيضاً سيطرته على المؤسسات الحكومية التي سوف تقع في المنطقة الحرة، هذه هي المعادلة الحقيقية، بمعنى أنه اذا قامت المنطقة الحرة فمعظم وزارات الدولة اللبنانية ستصبح داخل هذه المنطقة، بما فيها القصر الجمهوري ووزارات الدفاع والمالية والخارجية، وهذا ما يُلعب الآن، هو ليس تحدياً عاطفياً فقط، إنها رسالة بأن هذه المؤسسات لن تكون في منطقة حرة ولن يكون هناك منطقة حرة والأخطر من ذلك بالنسبة اليهم هو أن ٨٠% من الشاطىء اللبناني، من الحدود مع سوريا في الشمال وصولاً ربما الى صيدا وقبلها، كل هذا الخط ما عدا ٥ كيلومترات حول الضاحية من الشواطىء والمطار، كل هذا الخط سوف يكون في المنطقة الحرة، وهذا يعني أن ٨٠% من الثروة المائية بما فيها الغاز والنفط وكل ما هو موجود تحت سطح الماء في المتوسط لن يكون تحت سيطرتهم، هم يدركون خطر المنطقة الحرة عليهم أكثر من الذين يعملون لإقامتها، أي قوة المشروع الذي يعملون عليه، فالمسألة بالنسبة الى حزب الله هي استراتجية ولذلك وضع كل ثقله ومن أشهر وخصوصاً منذ أن وضع مشروع المنطقة الحرة في الكونغرس،
المعارضة تتكل كلياً على الخارج
ولفت فارس إلى أن الجزء من الاكليروس الذي زار متحف مليتا “هو جزء من المجتمع المدني، وما قاموا به من خلال استمالة هذه الشخصيات الدينية للقيام بهذا العمل غير الطبيعي على الإطلاق لا في لبنان ولا في خارجه ولا الكنيسة الكاثوليكية أو غيرها، من خلال زيارة مواقع عسكرية والإشادة بهذا العمل العسكري، هذا أمر خارج عن إطار التاريخ منذ ألفي عام وهو لم يحدث على الإطلاق، لكن حزب الله لا يعمل فقط على جزء من الكنسية بل أيضاً على السياسيين والبلديات وكل شيء، لأن هناك جبهة مفتوحة من دون دفاع عند السياديين، فالشعب يعطيهم ” ذخيرة” وهو يصوّت لهم ويعيدهم ويقيم لهم المظاهرات لكن لا حركة من قبل المعارضة التي تتكل بشكل كلي على قوى خارجية
العرب لا يملكون مخططاً للبنان والرياض تراقب عمل المعارضة
وعن الموقف العربي، أكد فارس أنها” رأت ما جرى، ولكن ماذا ننتظر منها؟ أن تأتي بالطائرات والصواريخ والإنزالات؟ الجواب هو من المؤكد كلا، لأنه عندما تمت الصفقة بين طهران والمملكة كانت الجمهورية الإسلامية قد وضعت لبنان في حساباتها، وطالما لم تكن هناك معارضة ومقاومة داخل لبنان لم تضعها الرياض في حساباتها، فالرياض تراقب طريقة عمل المعارضة في لبنان، والأخيرة رفضت إرسال مذكرة الى الدول العربية، وقد طُلب منها مراراً وتكراراً التحرك باتجاه الدول العربية، وكان الجواب دائماً فلتتحرك الدول العربية باتجاهنا، علماً أن هذه الدول حلّت أزمتها مع طهران وإن بشكل غير دائم عبر تسوية ( cease fire)، أي ستاتيكو جديد واذا تم اختراقه في لبنان، فاللبنانيين يجب أن يكونوا أول من يردون على هذا الاختراق، وبعد ذلك يطالبون بتغيير الستاتيكو، اذ لا يمكنهم مطالبة الدول العربية بتغيير الستاتيكو في لبنان فيما اللبنانيون رفضوا تغييره..
عدم فهم لبناني لطريقة العمل الأميركية
أما بالنسبة الى الولايات المتحدة الأميركية فلاحظ فارس أن “هناك عدم فهم إطلاقاً في لبنان عند معظم المهتمين بهذا الموضوع حول كيفية عمل الولايات المتحدة، وقد سبق أن قلت منذ سنتين أن جزءاً من الرأي العام اللبناني يعتبر أن موضوع التدخل الأميركي هو طبيعي جداً، والولايات المتحدة لا تقوم بشيء سوى انتظار حدوث أي اعتداء على لبنان أو جزء منه ل” تهّب”، وكأن هؤلاء لا يعيشون أجواء السياسة العالمية، على أصحاب الحق أن يطالبوا، فلا الأكراد يسألون واشنطن لمساعدتهم من دون أن يقوموا بشيء ولا جنوب السودان ولا الجيش الوطني الليبي، حتى الدول العربية التي واجهت إيران هل كانت فقط تتكل على الولايات المتحدة الأميركية؟ لا وجود لهذه الثقافة الا في لبنان وباعتقادي أنها ” بروباغاندا ” حزب الله التي تقنع اللبنانيين وخصوصاً المسيحيين بأنه طالما أميركا لم تتحرك فهي قد ” تركتكم”، وهم يصدقون ذلك، فيما الحزب يعطي الأمثلة ولكن ليس كل الأمثلة، اذ عندما اشتغل بشير الجمّيل ورفاقه ووقفوا على “أرجلهم”، وأنا كنتُ حول بشير وعشتُ معه حتى قبل الحرب، كانت الإدارات في السنوات الأولى من الحرب ضد بشير الجمّيل، وكان الأميركيون يعتبرونه متطرفاً وخارجاً عن نطاق التفاهم وذلك من العام ١٩٧٥ الى العام ١٩٨٠، بعدها بدأت تتغير السياسة الأميركية تجاه بشير الجميّل والمنطقة الشرقية والقوات والجيش اللبناني، وذلك لأن بشير أخذ المبادرة وقام بعدد من المواجهات التي لم تنجح على الأرض مثل معركة زحلة، نحن لا نقول أنه يجب أن تكون هناك مواجهة عسكرية فحينذاك كانت هناك حرب، فنحن الذين عملنا على القرار ١٩٥٩ قد اختبرنا أهمية القيام بمبادرة ليلاقيها الآخرون، يومها سئلنا اذا اصدر البيت الأبيض القرار فهل يأتي اللبنانيون ويومها قلت ” على مسؤوليتي انتم تقطعون نصف الطريق وهم يقطعون النصف الآخر، لكن للأسف هذا لم يحصل ولهذا الأمر أسبابه.
بعض النقاط التي يرفعها المدافعون عن هذا الموضوع وهي كلها نقاط ضعيفة، لأننا كلنا عشنا السنوات الثلاثين الماضية، ومن بعض هذه النقاط أن هذا الاكليروس يمثل مسيحيي الأطراف، فإذا كان هذا هو الواقع لماذا لم يقوموا بهذا التحرك قبل الآن ولماذا هذا التوقيت؟ اذا لم يزر هذا الاكليروس مليتا ولم يعلن إعلاناً شاملاً عن تحالفه مع حزب الله، وهو الذي حدث عملياً، ماذا كان سيفعل حزب الله؟ هل كان سيتوجه الى البقاع وزحلة لبدء المعارك؟ الحزب يعرف أنه اذا اعتدى في أي مكان في لبنان على أي طائفة، سواء كانت سنّية أو درزية أو مسيحية، لن يكون هذا الأمر لمصلحته، هو قد يربح بنقطتين أو ثلاث، لكن هذا يعني أن المنطقة الحرة ستقوم مباشرةً على ٧٠ الى ٧٥ % من الأراضي اللبنانية، علينا أن نعرف كيف يحلل حزب الله، فمقولة أن جزءاً من الاكليروس من مطارنة وأساقفة، وإن كانوا يقومون بواجباتهم الروحية فهم اضطروا للذهاب الى قيادة من قيادات حزب الله العسكرية ويعلنوا ولاءهم للمقاومة لحماية المسيحيين في البقاع، هذا الكلام يعني أن مسيحيي البقاع هم رهائن بيد حزب الله وهو يهدد بهم لاجبار الاكليروس الاكليروس على تغيير موقفه السياسي، وهذه أسوأ ذريعة يمكن إعطاؤها.
بالنسبة الى موضوع العمل السياسي، فنحن نعرف بأن عمل الاكليروس في كل العالم هو عمل روحي، أحياناً وتلاؤم مع شعوبهم كما حدث في بولندا وفي دول عدة حول العالم وحتى في تاريخ لبنان، اذا كان هناك هجوماً قومياً واستراتيجياً كبيراً على الشعب فالكنيسة ستقف من دون شك الى جانب شعبها، لكن لم نسمع ولو لمرة واحدة في التاريخ اللبناني أن الاكليروس يذهب الى موقع الخصم والعدو والإرهابي ويتلاحم مع مطالبه من أجل نظرية حماية شعبه، هذا ليس موجوداً في التاريخ، اذا قام السياسييون بهذه الخطوة فالأمر يُعتبر خطراً قومياً، فالاكليروس أو جزء منه لا يجب أن يذهب في الأساس الى هذا البعد. واذا كنا نقسو بهذا الكلام فلأن ما حدث غير طبيعي وغير معقول، فالمسألة ليست قضية الأمس أو ما قبله أو الأسبوع الماضي، فأجهزة حزب الله تتحرك وتحضّر وتهيىء هذه المسألة منذ سنوات، وهي تستخدمها أحياناً ، والآن إحتاجت قيادة حزب الله أن تصرف هذه ” الذخيرة” في مليتا، وهي كشفت كل الذين يتعاطون مع الحزب، فالقيادة لعبت آخر ورقة، وما سيحدث الآن هو أن الشعب اللبناني بأكثريته من السنّة والدروز وخصوصاً المسيحيين شاهدوا وعرفوا ماذا يحدث، من هنا فمن الضروري جداً أن تأخذ بكركي وغبطة البطريرك موقفاً حاسماً، لا نريد المقارنة كما يحدث الآن مع ما كان يقوم به غبطة البطريرك الراحل مار نصرالله بطرس صفير الذي كان المحرك الشعبي والروحي والقومي للانتفاضة ضد الاحتلال السوري، طبعاً كان هناك أناس تعمل يميناً ويساراً، لكن حتى الاغتراب اللبناني عندما سمع رسالة ونداء البطريرك صفير ومجلس المطارنة الموارنة ولقاء قرنة شهوان منذ العام ٢٠٠٠ وصعوداً، عندها عبّأ قدراته وبدأ العمل، ونحن كنا جزءاً من هذا العمل للوصول الى القرار ١٥٥٩، وهذه هي أهمية موقع البطريركة وهي أهمية كبرى ومعنوية، وانا اتوجه الى بكركي عبر هذا النداء أن تحسم هذا الأمر الذي لا حوار فيه فحزب الله خرق كل الخطوط الحمر، وقد سئلنا عن هذا الأمر في واشنطن وكتبتُ تغريدة بهذا الشأن.
خرق الخطوط الحمر
وأضاف:”لقد سئلنا في واشنطن حول زيارة بعض الاكليروس الى مليتا من قبل بعض العاملين في الكونغرس وليس من قبل الجهة الرسمية الحكومية،لكن من الجهة التشريعية التي تتعامل مع الجهة التنفيذية لوضع السياسة الأميركية، فقد سئلنا ماذا يعني أن يذهب جزء من الاكليروس الى إحدى قيادات حزب الله ويعلن انضمامه الى المقاومة الإسلامية؟
هناك مشكلة في واشنطن مع الفئات التي تدعم القضية اللبنانية والملف اللبناني ولبنان الحر، فإذا كان هناك عقوبات على حزب الله وعلى حلفائه وشركائه، فلا أحد يملك مسؤولية ما يصعد الى تلة مليتا للإعلان من هناك بأن سلاح حزب الله هو سلاح شريف، هذه المسألة لا يمكن الدفاع عنها لا في واشنطن ولا في غيرها، فنحن منذ أكثر من ٣٠ سنة ندافع عن القضية اللبنانية لكن هذا الموقف لا يمكن الدفاع عنه وسيؤدي الى ما سوف يؤدي اليه بإرادتنا أو من دونها، هذا أمر خطير، لقد خُرقت كل الخطوط الحمر.
