بقلم خليل مرداس
بعدما طُعنت القوات اللبنانية من قبل الفريق المسيحي الأخر أي التيار الوطني الحر، وبعد التنازل التاريخي لمصلحة "عون" والذي توج باتفاقية "معراب"، عمدت "القوات" الى تمييز نفسها عن الطبقةِ الحاكمة، خاصةً بعد إسقاط حكومة "الحريري" في الشارع.
لو عدنا للأمس القريب-البعيد، فإن القوات اللبنانية تم تأسيسها كمنظومةٍ دفاعية عن المسيحيين عام ١٩٧٦، لتتحول فيما بعد إلى حزبٍ سياسي. "سمير جعجع" الذي يرأس القوات كان قد حكم عليه سابقاً بالسجن، وخرج فيما بعد بعفو عام ٢٠٠٥. محاسبة جعجع حجبت عنه التصويت الانتخابي إلا أن الصّاعقة و القنبلة التي انفجرت بوجه الحلفاء والأخصام كانت بإنتخابات ٢٠١٨ حيث استطاع جعجع الحصول على ١٥ مقعداً من المقاعد المسيحية وتشكيل خضة قوية داخل التيار العوني.
شفافية الحزب ومع دخوله بمصالحة مع التيار الوطني الحر والتي أسفر عنها انتخاب ميشال عون رئيسا للجمهورية أعطت زخما لأسهم جعجع الشعبية، وزادت مصداقيته في الشارع اللبناني، فكل التحالفات التي قادتها القوات كانت شفافة وصادقة، ولم تكن ضمن دوائر إنتخابية ضيقة، عكس تيار المستقبل مثلاً.
دخول جعجع السجن كان ولأنه بكل بساطة معارضاً للزمرة والمافيا السّورية-اللّبنانية، حيث ان تركيب السيناريوهات السورية-اللبنانية المشتركة، وتنفيذها مخابراتياً علد أيد إجرامية أمثال ميشال سماحة وجميل السيد، إضافة إلى قسم من القضاء.. دفع بهم لعزل جعجع سياسيا.
"عون" الذي عاد من المنفى إلى بوابة الذي نفاه وطرده أي سوريا، وضع ترشيحه بيد جلاده مذلولاً، متنازلاً عن وطنيته ومبادئه، ليَنظم إلى الزمرة المسيحية المطبلة، والمهللة، والمتذللة للأسد، إضافة إلى ما رافقها من اتفاق مار مخايل، وتشكيل غطاء مسيحي كبير لحزب الله. إلا أن الخصم المسيحي الذي دفع ثمن "اللاءات" التي أطلقها بوجههم، عاد ثابتا على مواقفه، وشرساً أكثر من ذي قبل بوجه هذه العصابات المتذللة للخارج.
كانت لعبة جعجع سياسية-شعبية، فهو استطاع أن ينتقي أفضل الوزراء وأكفأهم..لماذا؟
لو راجعنا التقارير الصحافية، ونخص بالذكر هنا جرائد ومحطات ٨" أذار"، فإنه لا تستطيع أن تجد بين تقاريرهم أي اتهام يوجه إلى وزراء القوات عدا تقارير التعامل للخارج والذي بات اتهام ساقط نسبة الى تعاملاتهم هم..وبواقع الحال، فلم يأتي أحد على ذكر إسم أي وزير قواتي بأي صفقة أو سرقة أموال عامة. الأداء المتزن والشفاف للوزراء أمثال "مي شدياق"، "ملحم رياشي"، "وكميل أبو سليمان"، أعطى مصداقية للحزب وأسس له قاعدة قوية، لا بل على العكس، فقد كانوا هم في الخط الأمامي، فاضحين السّماسرة، ومهاجمين أصحاب الصّفقات، وأخذوا مبادرة المنازعة القضائية، والذهاب الى النهاية في هذه الملفات.
تراجع شعبية التيار البرتقالي بأكثر من ٤٠٪، وخوف جبران باسيل من النّهاية السّياسية الوشيكة، خاصة بعد الخلاف الكبير مع تيار المستقبل، وما يستتبعه من خسارة الأصوات التفضيلية التي كان قد حاز عليها من قبل "صديقه" السابق سعد الحريري، كل ذلك دفع بباسيل الى شن حملات مبرمجة، ومخطط لها، وقد وصفها الوزير القواتي السّابق ملحم رياشي بأنها خطط مجهزة مسبقا لعزل القوات اللبنانية، ومنفذوها يقومون بها بأدق التفاصيل. فوقوف القوات إلى جانب المواطنين، وتقاطع مبادئها مع مبادئ ثورة "١٧ تشرين" أزعج باسيل، الذي بات متأكدا سلفا بانه خسر لقب "فخامة الرئيس".
فإذاً لا فساد، ولا صفقات، ولا تحالفات مشبوهة، ولا بواخر، ولا سمسرات قد استطاع أحدٌ ان يثبتها على القوات، أدى هذا الى ارتباك عوني-باسيلي سيترجم بالمحطة الإنتخابية القادمة.
فرصة إعادة إحياء ١٤ آذار، مطلبٌ قواتي لفت نظر السّعودية، التي لم تقدم له الدعم المالي والمعنوي فحسب، إنما الدعم الإعلامي الصّريح والذي كان يتمثل باستقبال رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع على قنواتها الرسمية. علما بأن 14 آذار، هو تحالف سياسي أنشئ عقب اغتيال رئيس وزراء لبنان الأسبق رفيق الحريري في عام 2005، لمواجهة النفوذ السوري بلبنان، ويتكون من تيار المستقبل والقوات اللّبنانية وحزب الكتائب، وذلك في مواجهة "تحالف 8 آذار" والذي يضم حزب الله وحركة أمل وتيار المردة.
على كل، فإن هذا الأداء وهذه التحصينات الخارجية لحزب القوات من الطّبيعي أن تجابه بخطط لعزلهم، خاصة مع اقتراب الاستحقاق النيابي، وتأكد على أن أسهم القوات مرتفعة أكثر من ذي قبل بنسب كبيرة. فهل ستكون القوات الكتلة ذات الأغلبية المسيحية، وهل سيدفع عون وباسيل ثمن أخطائهم، وهل سيخسر حزب الله الغطاء المسيحي الأكبر، وسينظر إليه يتهاوى دون أن يُحرك ساكناً.. أسئلةٌ ستكون أجوبتها في ربيع ٢٠٢٢، تاريخ المعركة الإنتخابية القادمة.
المصدر :الشفافية نيوز