لم يكن ينقص المشهد اللبناني في هذه الظروف، المزيد من الرمزيات والدلالات المعبرة عن اختناقاته وأزماته وتحدياته، حتى جاء تزامن الذكرى الرابعة لانفجار مرفأ بيروت مع بلوغ ضرب طبول الحرب والعدّ العكسي لمواجهة حربية مخيفة يكون لبنان أحد ساحاتها الأساسية ليشكل إضافة ثقيلة على مجمل هذه الدلالات. فعلى وقع المخاوف المتصاعدة والتقديرات المتسارعة من بدء مرحلة الردّ الحربي “الجاري الإعداد” له من إيران و”حزب الله” على إسرائيل، شهدت بيروت عصر أمس إحياء ذكرى إنفجار مرفأ بيروت برفع المناداة حتى الذروة بتحقيق العدالة الممنوعة والمقموعة لكشف حقيقة جريمة العصر المخيفة التي تورّط في مؤامرة طمسها حتى الآن أكبر الرؤوس في الطبقة السياسية ومعهم أمنيون وإداريون بلوغاً الى القضاء بذاته.
ورغم اختلاط المشهد في الذكرى الرابعة لانفجار المرفأ بالقلق المتصاعد جراء تسارع مؤشرات الصدام الحربي في المنطقة، بدا رفع الصوت لأهالي الشهداء والضحايا في الانفجار، ناهيك عن أصوات المراجع الدينية والنخب الإعلامية والصحافية والمدنية والسياسية المنخرطة في دعم قضية الحق في كشف الحقيقة، وكانّه بمثابة تحذير مدوٍّ من التمادي بعد طويلاً في طمس وعرقلة اصدار القرار الاتهامي في هذا الملف من خلال تطويق متواصل لمهمة المحقق العدلي في الملف.
وقد انطلقت قرابة الخامسة عصر أمس أكثر من مسيرة ضمت آلاف المتظاهرين لتلتقي نحو تمثال المغترب قبالة المرفأ، وقد رفع المشاركون الأعلام اللبنانية وصور الشهداء واللافتات المطالبة بإحقاق العدالة وكشف الحقيقة. ونظمت الذكرى الرابعة بعنوان “الناس في وجه المجرمين، مستمرون لتحقيق العدالة”. وألقيت كلمات في المناسبة لعدد من أهالي الضحايا أجمعت على المطالبة بتحقيق العدالة والمحاسبة وإصدار القرار الاتهامي، كما اتهم متحدثون “حزب الله” بعرقلة كشف الحقيقة. ولفت المتحدث باسم أهالي الشهداء وليام نون إلى أن “وفيق صفا يقتحم قصر العدل ويقوم بإذلال القضاء بينما والد شهيد إنفجار المرفأ عندما يقوم برمي الحجر على قصر العدل يقومون بتوقيفه… بالتالي ما هذا القضاء؟”. واعلن أن “قضية إنفجار المرفأ ستصل إلى هدفها ولا يمكن لـ”حزب الله” أو أي أحد منعنا من الوصول إلى الحقيقة”.
البيطار: قبل نهاية السنة
وعلمت “النهار” أن المحقق العدلي في ملف إنفجار المرفأ القاضي طارق بيطار مصمم على السير بالتحقيق في هذه القضية قريباً، على أن يسبق إتخاذه أي خطوة على هذا الصعيد التواصل مع النائب العام التمييزي القاضي جمال الحجار ليبني على الشيء مقتضاه، بحسب مصادر قضائية مطلعة أشارت إلى أنه في ضوء التواصل مع النائب العام التمييزي إما أن يسيران معاً في ما تبقى من هذا التحقيق الذي كان قطع شوطاً بعيدا وبات على عتبة إصدار القرار الإتهامي في صدده، أو أن يسير القاضي بيطار بمفرده آخذاً على عاتقه ما تبقى من إنجاز ما هو عالق فيه تمهيداً لإصدار القرار الإتهامي قبل نهاية السنة الجارية 2024، طبقاً لما سبق أن ذُكر في وقت سابق عن توقيت صدور هذا القرار.
وسبق لـ”النهار” أن تناولت قبل حوالى شهر إنسداد الأفق في شأن إطلاق يد القاضي بيطار في تحقيقاته وتساؤل عن إتجاه أن يبادر المحقق العدلي بتوجيه إجراء عبر النيابة العامة التمييزية للتنفيذ بإعتبار أن قرار النائب العام التمييزي السابق القاضي غسان عويدات إلى الضابطة العدلية وقلم النيابة العامة التمييزية غير ملزِم للقاضي الحجار وهو موضوع طلب مكتب وكلاء الدفاع عن أهالي ضحايا إنفجار المرفأ للرجوع عن هذا القرار ولم يجرِ بته بعد.
وانضمت ممثلة الأمين العام للامم المتحدة جينين هينيس- بلاسخارت الى المعتصمين أمام مركز فوج الاطفاء، معلنة أنها تقف الى جانب اهالي ضحايا مرفأ بيروت، الذين يطالبون بموقف واضح منذ حوالى 4 سنوات، وأنها موجودة اليوم لتؤكد تضامن الأمم المتحدة معهم، وأن العدالة يجب أن تتحقق. وعن كيفية تحقيق تلك العدالة قالت: “نتحدث بهذا الأمر لاحقاً، لكنني أؤكد أن العدالة يجب أن تتحقق”.
وفي سياق المواقف التي أعلنت في الذكرى، كتب الرئيس سعد الحريري عبر منصة “إكس” قائلاً: “أربع سنوات على جريمة المرفأ، وما زال البحث جارياً عن الحقيقة”. وأضاف: “وحدها العدالة يمكن أن تنصف الشهداء الأموات والأحياء، وتعيد بعض الوهج لبيروت”.
الردّ … ورحيل الرعايا
تزامنت هذه المناسبة مع تصاعد المؤشرات حول اقتراب لحظة ردّ “حزب الله” وإيران على إسرائيل وما يستتبعه ذلك من احتقان يضع المنطقة برمتها أمام احتمال انفجار إقليمي. وفي ما يخص لبنان وحده زاد إعلان إعلام “حزب الله” عن كلمة سيلقيها أمينه العام السيد حسن نصرالله في الخامسة عصر غدٍ الثلاثاء في ذكرى أسبوع القائد العسكري في الحزب فؤاد شكر الذي اغتالته إسرائيل في الضاحية الجنوبية لبيروت، الغموض في التقديرات حيال توقيت الردّ المحتمل للحزب على اغتيال شكر، ولو أن هذه التقديرات رجحت أن تسبق كلمة نصرالله الردّ.
وفي غضون ذلك، تصاعدت “هجمة” دول عربية وغربية في توجيه دعواتها الى مواطنيها لمغادرة لبنان مع إعلان العديد من شركات الطيران الإضافية تعليق رحلاتها اليه. وفي هذا السياق، جدّدت سفارة المملكة العربية السعودية دعوة المواطنين السعوديين إلى “مغادرة الأراضي اللبنانية بشكل فوري، التزاماً بقرار منع السفر إلى لبنان”.
وأهابت وزارة الخارجية الأردنية بالمواطنين “عدم السفر إلى لبنان في الوقت الراهن، حرصاً على سلامتهم، وطلبت من رعاياها المقيمين والمتواجدين في لبنان المغادرة في أقرب وقت ممكن”. كما ناشدت السفارة الأميركية في لبنان رعاياها الراغبين بالمغادرة، “حجز أي تذكرة متاحة”، والاتصال بالسفارة في حال عدم توفر أموال لديهم للعودة إلى الولايات المتحدة.
كذلك، حضّت الحكومة البريطانية مواطنيها في لبنان على مغادرة البلاد على الفور، فيما أعلن وزير الخارجية السويدي توبياس بيلستروم تعليق عمل سفارة بلاده في بيروت، وحضّ موظفيها على المغادرة إلى قبرص. وأعلنت سفارة التشيك في بيروت عبر موقعها إغلاق القسم القنصلي موقتاً. ودعت فرنسا رعاياها إلى مغادرة لبنان وإيران. وأفادت وزارة الخارجية الفرنسية في توجيهاتها إلى المسافرين إلى لبنان أنه “في سياق أمني متقلب جداً، نلفت مجدداً انتباه الرعايا الفرنسيين إلى أنه ما زالت هناك رحلات تجارية مباشرة وغير مباشرة متوافرة إلى فرنسا، وندعوهم إلى اتخاذ تدابير الآن لمغادرة لبنان فور الإمكان”.
يشار في سياق متصل إلى أن ثلاثة مسؤولين أميركيين وإسرائيليين، توقعوا أن تهاجم إيران إسرائيل اليوم الإثنين وفق ما نقله موقع “أكسيوس”الإخباري. وأوضح المسؤولون أنهم لا يعرفون ما إذا كانت إيران و”حزب الله” سيشنان هجومًا منسقًا أو سيعملان بشكل منفصل. ويعتقدون أن إيران و”حزب الله” ما زالا يعملان على وضع اللمسات النهائية على خططهما العسكرية وإقرارها على المستوى السياسي. كما يتوقعون أن يكون انتقام إيران من قواعد الهجوم نفسه الذي شنته إيران في 13 نيسان (أبريل) الماضي، والذي استهدفت طهران فيه جنوب إسرائيل وخاصة قاعدة سلاح الجو “بنيفاتيم”، ولكن من المحتمل أن يكون أكبر في نطاقه، كما يمكن أن يشمل أيضاً “حزب الله” في لبنان.
وذكر وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت أمس أن “قوات الجيش الإسرائيلي مستعدة للرد على أي هجوم براً وجوا”. وأضاف: “إذا قرر “حزب الله” وإيران الهجوم سيدفعان ثمناً باهظا”. وتابع: “قواتنا جاهزة للتحرك بسرعة إذا تعرضت إسرائيل لأي هجوم”.