تستمر الذاكرة بإحتوائها للماضي الاليم والمخاطر التي عايشتها، انه تاريخ لا ينتسى… 13نيسان من كل عام، يعيدنا الى المآسي القابلة للتجدّد عند كل مفترق خطر. ضحايا وجرحى والى ما هنالك من معوقين ومفقودين ومعتقلين، ودمار وخراب وويلات يرسمون مشاهد ذلك اليوم، الذي ما زال يتكرّر في النفوس منذ 48 عاماً…
الصورة لم تتغير سوى بالمتاريس التي تحولت من عسكرية الى سياسية، كل شيء بقي على حاله، شحن طائفي- مذهبي، انقسامات وخلافات لا تعّد ولا تحصى، أمراء الحرب تولّوا المناصب الرفيعة، وحدهم الضحايا لم يتغيّروا لانهم دفعوا الثمن، من دون ان ننسى الجريح الاكبر لبنان، الذي دمّر وحطّم ونزف بفضل مخططات جهنمية ارادت إنهاءه، لكن في النهاية كلمة واحدة فقط يجب ان تسود يومياً، وهي الترّحم على كل الشهداء الى أي طائفة او مذهب إنتموا …
الكلمات تترّدد كل عام في هذا التاريخ المأساوي، 13 نيسان، “تنذكر وما تنعاد”، وما يجري اليوم لا ينطبق على هذه المقولة، لان الوطن مهدّد بإمكانية إعادة إحياء هذه الذكرى الاليمة على ارض الواقع، فكل شيء عاد منقسماً، فالشرقية والغربية موجودتان في النفوس اولاَ، وخصوصاً بين أمراء الحرب والحكومة والمجلس النيابي واللبنانيين عموماً، وما جرى منذ فترة وجيزة يؤكد ما نقوله ونتخوف منه…
اليوم نسترجع الذاكرة مرغمين، من بوسطة عين الرمانة الى معركة تل الزعتر، الى تهجير الدامور البلدة التي عانت الامرّين في مطلع الحرب، الى بيروت المنقسمة ومتحفها الشاهد على الحرب، فبات القاسم المشترك الوحيد والخط الفاصل للحقد المذهبي، ولحروب الاخرين على ارضنا، والى المجازر وعمليات الخطف والتهجير من عدد كبير من المناطق المختلطة، والى معركة زحلة التي صادف ذكراها مطلع الشهر الجاري، وحرب الجبل المدمّرة التي هجرّت المسيحيين من ارضهم ، والى الاجتياحات الاسرائيلية المتكررة للبنان، والمعارك المسيحية مع الجيش السوري، والى كل اشكال المؤامرات التي حلّت على لبنان وشعبه، ومنها مؤامرة جعل لبنان ارضاً فلسطينية كبديل عن وطنهم المسلوب، بهدف إراحة اسرائيل والفلسطينيين، وإرسال المسيحيين اللبنانيين المعارضين لما يجري، الى كندا واميركا بالبواخر. شريط تلك المشاهد يمرّ من دون ان يستطيع احد ان يقبعه بقوة من ذاكرته.
مع الامل بأن يتلاقى اللبنانيون على عبارة ” لبنان وطن الجميع” على إختلاف إنتماءاتهم وتوجهاتهم ، فتؤخذ كل تلك العبر وتنطلق نحو حوار جدّي، يطرح حقيقة الخلافات ويبحث عن السبل لدرء الاخطار عن لبنان، وحمايته من التجاذبات الإقليمية والدولية التي تنعكس سلبياً على وحدته ، والابتعاد عن أي رهانات خاطئة دفعنا جميعا ثمنها.
