بقلم جورج أبو صعب
بانتظار الردّ الأميركي على هجوم قاعدة "الأزرق" الأخير الذي قتلَ 3 جنود أميركيين وجرحَ 35 آخرين، لأول مرة منذ بدء مسلسل الهجمات من الفصائل والميليشيات الإيرانية في كلٍ من العراق وسوريا أكثر التوقّعات والتحليلات حول المدى الذي يمكن أن يصل إليه الردّ الأميركي العسكري على الضربة الأخيرة.
ثلاث سيناريوهات محتملة للردّ الأميركي
ثمة 3 سيناريوهات يمكن وضعها على الطاولة بالنسبة للردّ الأميركي يبدأ باغتيالات نوعية لشخصيات من الحرس الثوري الإيراني ولا ينتهي بقصف مواقع داخل إيران مع استبعاد هذه الفرضية، مروراً بضرب مواقع الحرس الثوري والميليشيات الإيرانية في سوريا والعراق، مع أن أكثر الاحتمالات للردّ الأميركي تتركّز على سوريا.
الواقع أنه، مهما كان الشكل الذي سيأخذه الردّ الأميركي وطبيعة ومدى الردّ، ثمة حقيقة واضحة مفادها أن مَن سيسقط من الردّ الأميركي ليس إيرانيين بل شباب عربي مغرّر بهم من دير الزور والبوكمال والعراق وسواهم، بحيث تقوم إيران بتسليحهم والسماح لهم بالمتاجرة بالممنوعات ليتحولوا الى وقود لمعارك إيران في مواجهة التحالف الدولي.
لا أمان للأردن من دون منطقة أمنية
واشنطن في موضوع ردّها على هجوم الأزرق تجد نفسها أمام خيارين لا ثالث لهما، أولهما ربط المنطقة الشرقية في سوريا من الشمال الشرقي الى الجنوب، الأمر الذي يتطلّب عملية عسكرية برّية كبيرة تساهم فيها القوات الأردنية وقوات عراقية توالي الأميركيين وقسد (قوات سوريا الديمقراطية) وعشائر عربية وأهالي السويداء وجنوب سوريا وذلك بالتفاهم والتنسيق مع الأردن، علماً أن السويداء هي من أكثر المناطق تضرّراً من فوضى التهريب والمخدِّرات والسلاح والفلتان الأمني بالاتجاهين بين الفصائل الإيرانية والقوات الأردنية.
في هذا السياق، وفي قراءة عكسية لأحداث القاعدة الأميركية قد يبدو أن إيران باعتداءاتها على القوات الأميركية بالواسطة، وكأنها تعطي لواشنطن مبرّرات كما للأردن لاقتطاع الجنوب السوري على اعتبار أن لا أمن ولا أمان للأردن من دون إنشاء منطقة أمنية في الجنوب السوري، الأمر الذي تنادي به وسائل الإعلام الأردنية أخيراً داعيةً حكومة جلالة الملك لدخول الجنوب السوري بعمق ٥٠ كيلومتراً، من دون ذلك لا حل لضمان أمن الأردن إذ لا يستطيع النظام السوري إبعاد الإيراني وفصائله، ولا وقف تجارة الممنوعات والتهريب الى داخل الأردن ومنع الفوضى في الجنوب السوري والذي يهدد باستمرار الأمن القومي الأردني.
من هنا، فإن المطروح قيام الأردن بالتوغّل داخل أراضي جنوب سوريا بعمقٍ يصل الى ٥٠ كيلومتراً، وبدعم خليجي وملاقاة القوات الأميركية المسيطرة على التنف والبوكمال شرق سوريا، ما يؤدي الى خلق منطقة مترابطة من شرق الفرات شمالاً الى القنيطرة جنوباً بين الأميركيين والتحالف الدولي والجيش الأردني جنوباً.
من فوائد هذا المخطط حماية السويداء ووقف التعدّيات على أهالي المحافظة ومنع الاعتداء على أهالي درعا والأردن وقسد، ويساعد قوات التحالف على ضمان أمنهم وقواعدهم لا سيما وأن المخطط سيضمن عمقين سوري وعراقي كل واحد بمسافة 50 كيلومتر داخل الأراضي.
الحل الثاني قد يكون باكتفاء واشنطن بضربات لقطع الذراع الإيرانية في سوريا أو بضربات متفرّقة على مواقع إيرانية لفصائل وميليشيات إيران، فالضربات المتفرّقة توجِع لكن لا تحسم، ليس كما لو تركّزت الضربات على تدمير القواعد الإيرانية والميليشياوية في سوريا كاملةً.
مخططُ الإطباق على كامل منطقة شرق سوريا
وفق رأينا، لا مفرّ من تنفيذ المخطط في الاحتمال الأول والإطباق على كامل منطقة شرق سوريا من شمال شرق الفرات وصولاً الى الجنوب السوري لإخراج هذه المنطقة التي تعتَبر ثلث أراضي سوريا من سلطة نظام بشار الأسد والإيرانيين ربطاً للشريان السوري شرقاً وإجبار الإيرانيين والأتراك على التفاوض مع قسد، وقد فشلت أنقرة في فرض معادلة الأخوان المسلمين لحكم سوريا، فيما فشلت إيران جزئياً باستثناء مناطق النظام في الهيمنة على سوريا شيعياً وطائفياً وفارسياً، في حين أن واشنطن التي لا تنوي البقاء طويلاً في سوريا بإمكانها الدفع باتجاه تفاهمات سياسية في سوريا تُنقذُ الشعب السوري والدولة السورية من الانهيار الكبير الذي يُسجّل حالياً في البلاد.
الهجوم على الأزرق ضربٌ لاستقرار الأردن وسيادته
الضربة الأخيرة على القاعدة الأميركية في الأردن هي ضربٌ لاستقرار وسيادة الأردن بالدرجة الأولى، وثمة احتمال كبير أن تكون روسيا ضالعة في مكان ما في تسهيل ومساعدة الإيرانيين على تحقيق الهجوم على قاعدة الأزرق، وقد تقاطعت بعض المعطيات عن مثل هذا الدور الروسي لا سيما وأن من مصلحة موسكو توجيه ضربات للقوات الأميركية والتحالف في سوريا لزعزعة وجودهم وسيطرتهم على الشرق السوري .
واشنطن، بقرارٍ من الرئيس جو بايدن، أدرجت كل الميليشيات الموالية لإيران في عداد المنظمات الإرهابية، ما يعني تشريع استهداف كافة أذرع إيران في المنطقة، بالإضافة الى الحوثي بما فيها حزب الله اللبناني في أي ردّ أميركي على هجوم قاعدة الأزرق، وما يعني أيضاً بأن واشنطن تجرّد إيران من مشروعية إقليمية أكسبتها أياها يوم تماهت معها واحتدمت معها في سياساتها في المنطقة.
روسيا وفشل حماية النظام السوري
روسيا من جهتها، فشلت في حماية مصالح النظام السوري في الجنوب كفشل إيران في تثبيت سلطتها وسلطة فصائلها في شرق سوريا،
فالعين بعد الهجوم الإيراني الدموي على قاعدة الأزرق الأميركية على الأمن القومي الأردني، ومن خلاله على أمن المملكة العربية السعودية الذين يحاولون محاصرتها جنوباً بالحوثي وغرباً بخلق بؤرة تهديد أمني كبير عليها في الأردن إن سقطَ في الفوضى لا سمح الله.