بيان أستانا الأخير  وترتيبات البيت السوري “المزغول”

FzIuH78WYAEnVVk

انعقدت منذ أيام في العاصمة الكازاخستانية أستانا الجولة الـ21 من اجتماعات “مسار أستانا” بشأن الملف السوري، بمشاركة وفود من الدول الضامنة: تركيا، روسيا وإيران، بالإضافة إلى ممثلي النظام والمعارضة السوريَين.

توقيت الانسحاب التركي من الشمال السوري

بيان الجولة ال21 أكد ما ذهبنا اليه في آخر مقالاتنا لجهة عودة اللاجئين الى سوريا وخفض المواجهات والتصعيد في إدلب وإعادة مناطق الشمال الى الدولة السورية وفق بروتوكول أستانا وسوتشي، وضمان الحكومة السورية لتركيا بعدم وصول قوات وعناصر كردية إنفصالية الى الحدود التركية، ما يعني بسط نظام دمشق لسلطته حتى الحدود الشمالية مع تركيا، وهو البند المتّفق عليه منذ العام ٢٠١٩،
وبقي التوقيت حول انسحاب تركيا من الشمال السوري لإحلال قوات النظام مكانها.

اردوغان يرغبُ بلقاء الأسد والأخير يُماطل

عندما عرضَ الرئيس التركي رجب طيب اردوغان منذ فترة على بشار الأسد استلام الشمال السوري كان جواب الأخير أن “ليس لديه ما يكفي من قوات وعناصر عسكرية”، فكان اقتراح إيران وروسيا تأمين العدد المطلوب من الميليشيات والقوى العسكرية المعارِضة لوضعها تحت أمرة النظام لتولّي الأمن شمالاً، وقد تأمنت رواتب تلك القوى عن طريق روسيا وتركيا،
فالرئيس اردوغان سبقَ له مراراً وتكراراً أن أبدى رغبته بلقاء بشار الأسد، لكن الأخير لطالما كان يماطل ويسوّف في القبول باللقاء، تارةً بحجة عدم تحقيق الأتراك للشروط المطلوبة وتطوراً باشتراط انسحاب الجيش التركي قبل التفاوض، الى ما هنالك من مسبّبات كان يتحجّج بها الأسد.

الضعف التركي عَكسَ قوة بشار الأسد

تركيا، وعلى لسان وزير خارجيتها حقان فيدان، أعلنت أن لا مصلحة لها بالبقاء في سوريا، مبدياً استعداد بلاده بإرجاع المعارضة الى النظام وتخفيف التصعيد ومنع أي اقتتال لتهدئة الأجواء وخلق ظروف تفاهم بين النظام والمعارضة لتنفيس الأحقاد.
كل هذا تجسّد في اجتماع أستانا الأخير للتعبير عن ضعف تركي أعطى صورةَ قوةٍ لبشار الأسد، إذ إن الوزير فيدان كان سبقَ أن أعلن الأسبوع الماضي عن الرغبة بتسليم الشمال السوري للنظام ومصالحة المعارضة معه كجزء من الإعداد لمؤتمر أستانا منذ أيام، والذي شهدَ تلاقي و مصافحات وتبادل قُبلٍ ولقطات ودّية بين الطرفين السوري والتركي.

تشدّد سوري وتراجع تركي وتمويل إيراني

جدولة الانسحاب التركي من الشمال السوري وتسريعه أتيا ثمرة التشدّد الأسدي والتراجع التركي، فالنسبة الى الجدولة فقد أتت انطلاقاً من “رغبة أسدية” بعدم الانسحاب التركي الواسع والفوري من عفرين وتل رفعت وتل أبيض إلا وفق إمكانيات النظام السوري وبالتدرّج.
إيران دعمت الأسد ومعها الروس اللذين أخذا على عاتقهما تمويل القوى الموضوعة تحت سلطة النظام لبسط سيطرته شمالاً، ومن المرجّح عقد لقاء بين الأسد واردوغان في الربيع المقبل تتويجاً للانسحاب التركي من سوريا.

لا معارضة ولا مَن يحزنون

في المقابل، من الواضح أن واشنطن لن تخلي شرقي الفرات خلافاً لكل الشائعات والأخبار المتداوَلة لأن واشنطن تقوّي “قسد” وحلفاء الأميركيين والعشائر للإبقاء على نفوذها لديهم ومنع تمدّد إيران والنظام إليها، أما المعارضة السورية التي تحالفت مع الأتراك فتجد نفسها اليوم في قمة الخيبة وهي مجردة من كافة إنجازاتها مع تسليم الأتراك نظام بشار الأسد شمال سوريا على مراحل، والمعارضة نفسها تدفع اليوم ثمن تسييسها وتحوّلها الى فصائل دينية متطرّفة ركبت سلمية ومدنية الثورة السورية عام ٢٠١١ لتفشلها وينتهي بها المطاف وفقاً لخطة أستانا في أحضان الأسد مجدّداً،
في الوقت الذي تريد فيه تركيا المصالحة مع الأسد الى حدّ أنها أرغمت وتُرغم المعارضة السورية الموالية لها على قبول التصالح مع نظام دمشق، وبالتالي لم يعد هناك ثمة معارضة سورية ولا مَن يحزنون.

المعارضة فشلت لكن الأسد لم ينتصر

دعونا نؤكد أن الأسد لم ينتصر، لكن المعارضة السورية المبعثرة والمشتّة والمخروقة من المتطرّفين والإسلام السياسي هي التي التي فشلت … فالأسد أمامه جولات مصيرية تنتظره في محطات لاحقة قريبة سيأتي تحديد مصيره عبرها، أما المعارضة السورية التي حرّفت وشوّهت سلمية ووطنية انتفاضة ٢٠١١ فهي التي جنت على نفسها ووطنها، وهذا هو مصيرها اليوم : الإعداد للعودة الى كنف الأسد المجرم والفاتك.

بيان أستانا وخاتمة المعارضة السورية

بيان أستانا وضع الخاتمة على فصل ما سُمّي يوماً بالمعارضة السورية وجنّب إدلب حمام دماء وأنعش الورقتين الإيرانية والروسية في سوريا وأنقذ تركيا وعمق تبعية الأسد لإيران.
هي وصفة موقتة “مزغولة ” لتقطيع مرحلة حيث الاستحقاقات المصيرية في سوريا “آتية آتية” ولو بعد عام من الآن.

المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: