نقلت أوساط ديبلوماسية غربية مراقِبة للملفَين اللبناني والسوري معلومات حول زيارة وزير الخارجية الإيراني الأخيرة لكلٍ من بيروت ودمشق، حيث أفادت تلك المعلومات عن وجود تسوية توصّلَ اليها الجانبان الإيراني والأميركي، بدعم ووساطة من دول عربية خليجية ودور فرنسي خصوصاً في الملف اللبناني.
مفاوضات إيرانية- أميركية تحت الطاولة
المعلومات المتقاطعة تُفيد أن عبد اللهيان في خلال زيارته الى لبنان، أبلغ الجانب اللبناني الرسمي كما قيادة حزب الله بأن تطورات إيجابية حصلت في الأسابيع القليلة الأخيرة بين واشنطن وطهران من خلال المحادثات المكثّفة التي جرت بالواسطة وبالمباشر بينهما في سلطنة عُمان، والتي تناولت في الشق اللبناني التوتّر العسكري في الجنوب اللبناني مع إسرائيل، وقد وافقت طهران على تطبيق القرار 1701 بانسحاب حزب الله مع صواريخه ومسيّراته وأسلحته الثقيلة الى عمق 10 كيلومترات وفق المقترح الأوروبي، وبخاصة الفرنسي والبريطاني الى شمال الليطاني، ونشر الجيش اللبناني بقوة كبيرة تبلغ 12 ألف جندي، وتوسيع نطاق وجود وعمليات قوات الطوارىء الدولية، مع مشاركة دول عربية في إنتاج تلك التسوية بناءً للطلب الفرنسي كمصر وقطر يطمئن لها حزب الله لمراقبة تنفيذ التسوية مستقبلاً ووقف التصعيد والتسليح في آن واحد،
واللافت في كل هذا أن مفاوضات ومناقشات إيرانية- أميركية تجري تحت الطاولة، فيما المنطقة في وضع متفجّر نتيجة "طوفان الأقصى" والحرب مرشّحة للتوسّع في الوقت الذي لا يبدي فيه الإيراني قلقاً، وهو يُفاوض الأميركي على البيع والشراء على ظهر ميليشياته ووكلائه الإقليميين.
وساطة فرنسية في العملية التفاوضية
طهران وهاجس الخرق الأمني
وسيط أوروبا هو فرنسا التي دخلت في عملية التفاوض بين الإيراني والأميركي الى أن انتقل المجهود لسلطنة عُمان، فيما دولة قطر سعت خلال الأسابيع الماضية لجمع الإيرانيين مع الأميركيين في إطار تسوية شاملة،
أما في سوريا، فإن وزير الخارجية الإيراني عبد الأمير اللهيان الذي زار دمشق بعد بيروت، شملَ جدول أعماله ثلاثة مواضيع أهمها الخرق الأمني والإستخباري الذي تشكّ به طهران، وتعتبر النظام ومقرّبين منه متورّطين في تسريب معلومات للإسرائيلي، ما أتاح للأخير استهداف كبار القادة الإيرانيين وفي الحرس الثوري في دمشق، واللافت أن الاغتيالات التي استهدفت في لبنان قيادات في حزب الله ناتجةٌ أيضاً عن تسريب معلومات من داخل بيئة الحزب كما من داخل النظام السوري.
من هنا تأتي زيارة عبد الأمير اللهيان لدمشق غداة إعادة تموضعٍ إيراني في سوريا رافقتها سلسلة إجراءات وتعيينات وإعفاءات شاملة نفّذها بشار الأسد في الأجهزة العسكرية والاستخباراتية مؤخراً.
ديموقراطيو الكونغرس والسعي لإراحة نظام الملالي
إيران نقلت خبراءها وغيّرت خططها في سوريا بالتنسيق مع النظام السوري،
فالزيارة هدفت الى إعادة تقييم الوجود الإيراني في سوريا فضلاً عن ملف الحدود الأردنية، خصوصاً أن إيران تودّ التصدّي للفلتان الأمني هناك، علماً أن تهريب السلاح عبر الحدود الأردنية الى الضفة الغربية يصل الى حركة الجهاد الإسلامي التي تدعمها إيران.
التغيير الأمني في القيادات الأمنية السورية وإعادة التموضع الإيراني بعد عملية البرج ٢٢ يؤشران بوضوح الى تغييرات في التوجّه الإيراني في سوريا في ظل رغبة إيرانية واضحة موجودة بمنع وصول الجمهوريين الى البيت الأبيض، الأمر الذي يدفعهم الى تسهيل مهام الرئيس جو بايدن وإدارته قطعاً للطريق أمام الجمهوريين،
من هنا الدور الإيراني المتوقَّع في هذه المرحلة والمساعِد لإدارة الرئيس جو بايدن في لملمة الوضع الإقليمي ومنع اتساع الحرب ووقف النزاع ووضع ترتيبات إقليمية لتسويات كبرى ولو على حساب دعم الفصائل الفلسطينية في الضفة الغربية، لأن طهران لا تريد استفزاز نتيناهو في هذه المرحلة وتسعى لضبط النفس وإلزام وكلائها بضبط النفس هذا ولو هاجمَ الإسرائيلي، كل هذا في سبيل المعركة الرئاسية في الولايات المتحدة ودعماً للديمقراطيين الذين يريحون النظام الإيراني.
التفاوض بالنار من دون التوسّع بالحرب
إيران تسعى الى تأمين أقصى مكتسبات من الأميركيين
حزب الله اذاً طلبَ ضبط النفس لإكساب الإيرانيين مزيداً من الأوراق التفاوضية وبشار الأسد أيّده مطالِباً بجردة حساب وهو موضع لوم إيراني كبير، فيما عبد اللهيان ونظامه يسعيان للتوصّل الى تسويات مع الأميركي ما يقلب المعادلات السابقة ويجعل منها خادمة لحسابات الديمقراطيين في واشنطن، ولا بأس من المفاوضة بالنار لكن من دون التوسّع في الحرب ومن دون مواجهة إسرائيل والولايات المتحدة.
ويبقى أن كل همّ إيران في هذه المرحلة هو تأمين أقصى مكتسبات لها من الأميركيين، والحفاظ على الموجود منها وعدم الانجرار الى حرب شاملة تُفقدها الكثير من قوتها وتأثيرها الإقليمي خصوصاً في ظل الانشغال الروسي في أوكرانيا، وللتذكير قبل "طوفان الأقصى" بأيام كان هناك سعي إيراني- سوري للهجوم على إدلب وريف حلب، لكن طوفان الأقصى أوقفه دلالة على الرغبة الإيرانية الدائمة في توسيع رقعة نفوذه.
حماس لن تسمح لإيران بقطف ثمار سياسية من ورقة غزة
حزب الله من جهته وفي الشق اللبناني، يطمح بالحصول هو بدوره على صفقة تضمن له رئاسة الجمهورية بانتخاب سليمان فرنجية، ظناً منه أن موازين القوى في المنطقة لصالحه، وسعياً للاستفادة من التسويات التي يجريها معلمه الأكبر في طهران مع الأميركيين، فيما
ايران تحتاج الى مكتسبات مالية ورفع العقوبات عنها، ولذا تسعى إيران الى تحقيق معادلة تهدئة الساحات وصمتها في مقابل مكتسبات من الأميركيين، فهي
تريد مساعدة الديمقراطيين في البيت الأبيض على البقاء تماهياً معهم منذ عهد الرئيس باراك أوباما لأنها تُدرك أنه في ظل الحكم الديمقراطي، تستطيع تحقيق مكاسب وضمان وجود نظامها ونفوذه في المنطقة،
لكن يبقى أن ما دون كل هذه السيناريوهات صعوبات وعقبات كثيرة ليس أقلها ما يمكن أن يكون عليه موقف حماس التي من المتوقّع أن لا تسمح للإيراني بقطف الثمار السياسية حول ما حصل في غزة وقطع الطريق أمام طهران للسيطرة على القرار الفلسطيني في ظل إمكانية انضمام "حماس" كحزبٍ سياسي مقاوم لهيكلية منظّمة التحرير بعد نفضها وتجديد دمائها، وإن لم تفعل ذلك، فتكون حماس قد أعطت إيران ورقة إضافية.
انتصار الديمقراطيين سيقوّي إيران في المنطقة
في لبنان، ثمة معارضة الى حدّ ما متماسكة ومؤثّرة الى الآن لوصول سليمان فرنجية الى بعبدا، والاتصالات مع اللجنة الخُماسية تصبّ في هذا الإطار، فيما
انتصار الديمقراطيين في واشنطن لولاية ثانية سيقوي إيران في المنطقة وسيزيد من عدم الاستقرار الداخلي في الدول المحتلة، منها ما يُتوقّع معه حصول تحرّكات شعبية وانتفاضات سياسية داخلية في المنطقة تقلب مجدّداً المشهدية العامة وتخلط الأوراق من جديد على طول المساحة الجيو سياسية للإقليم.
بشار الأسد يعلم أنه أضعف مما كان عليه عند اندلاع الثورة في بلاده، كما يعلم أنه عندما "يركب" deal إقليمي يشمل سوريا فسيكون أول ضحاياه.
المنطقة في سياق التصعيد والتسويات وإدارة بايدن بأمس الحاجة لكسب أوراق فاصلة ومؤثّرة في حملته.