مذكرة الاعتراض السوري على الأبراج الحدودية …مخالفةٌ للقانون الدولي وتدخّلٌ في الشأن اللبناني السيادي

abraj -

بقلم جورج أبو صعب

ليس مفاجئاً أن يلجأ النظام في سوريا الى التضييق بين الفينة والأخرى على لبنان وسيادته، وآخر تجلّياته مذكرة وزارة الخارجية السورية التي تبلّغتها رسمياً وزارة الخارجية اللبنانية بالاعتراض على أبراج المراقبة الحدودية للجيش اللبناني باعتبارها تجسسّية لصالح البريطانيين وبالتالي لصالح إسرائيل.

زحمة أقمار صناعية فوق المتوسط

ردّاً على هذا التجنّي والافتئات على السيادة اللبنانية والاستهتار بالعقول نورد الإتي:

– أولا: نلفت انتباه الجانب السوري الى أن المنطقة من المحيط الى الخليج ملأ بالأقمار الصناعية وأجهزة التنصّت والقواعد العسكرية الأميركية والبريطانية والأطلسية، فضلاً عن أن أهمها على مقرُبة من لبنان وسوريا القواعد العسكرية، لا بل قيادة العمليات الغربية في البحر المتوسط والشرق الأوسط المتمركزة في قبرص، وبالتالي لا الأميركي ولا البريطاني ولا الأطلسي بحاجة الى الجيش اللبناني وأبراج المراقبة التابعة له للتنصّت والتجسّس ونقل المعلومات الى الإسرائيليين عن الداخل السوري.

أبراجٌ لدعم الجيش اللبناني حامي السيادة والحدود

ثانياً: نلفت انتباه وزارة الخارجية السورية الى أن أبراج المراقبة، وإن أهدتها بريطانيا للجيش اللبناني، إنما أهدتها دعماً للجيش الوطني اللبناني حامي السيادة والحدود اللبنانية، بينما النظام السوري وأعوانه وأتباعه وعملاؤه في الداخل اللبناني وعلى مرّ التاريخ الحديث لطالما عملوا على إضعاف الجيش اللبناني وضرب سيادته واستقلاله وقوته الذاتية، فشتان بين مَن يدعم ويقوي الجيش والقوى المسلحة الشرعية اللبنانية ويعزّزها، وبين من دأب على الدوام على إضعاف الجيش وتقسيمه وإسقاط القوى الشرعية اللبنانية على الدوام، فإن كان من أخطار أو أضرار على سوريا من التجسّس والتنصّت فليبحث نظام الأسد مع كل تلك القواعد العسكرية وتكنولوجياتها العسكرية المتقدّمة حول كيفية تجنّبها لسوريا وعدم تجسّسها واستحصالها على معلومات سرية من الداخل السوري.

سيادة الدولة اللبنانية بين مبدأ المساواة بين الدول وعدم وعدم التدخّل في شؤونها

 ثالثاً: لبنان دولة سيّدة ومستقلّة وفق الدستور والقانون الدولي، وبموجب النظرية العامة لقواعد الاختصاص في القانون الدولي، ثمة قاعدة قانونية دولية لكل دولة تُعرَف بقاعدة تحديد الاختصاص للدول وأبرز دعائمها الآتي:

 أ- مبدأ المساواة بين الدول والذي يشكّل مبدأ قانونياً مهماً وتأسيسياً في العلاقات الدولية تماماً كما مساواة الأفراد العاديين أمام القانون، فلكل دولةٍ نفس الحقوق والامتيازات ولا يصحّ أبدأ من الناحية القانونية جعل دولة أقل مساواة من أخرى في معرض ممارستها اختصاصاتها، وبالتالي ما يُطبّق من حقوق وامتيازات لدولة ما  يُطبّق نفسه للدولة الأخرى، فكما لسوريا الحق بسيادتها وعليها البحث حالياً عن كيفية استعادة سيادتها واستقلالها وقد باتت رازحة تحت 4 احتلالات دولية وإقليمية، كذلك للبنان الحق بسيادته وهو الذي يعاني في جزء مهمٍ من أزماته الداخلية من تداعيات أزمات النظام السوري منذ عقود .

ب – مبدأ الامتناع أو عدم التدخّل، إذ إن كل دولة ملزمة بتجنّب التدخّل في القضايا الداخلية لدولة أخرى، ما يعني إلزام النظام السوري وحكومته بعدم التدخّل في ممارسة دولة لبنان وجيش لبنان والقوى الشرعية اللبنانية لاختصاصاتهم السيادية على أرضهم وضمن حدودهم، وبما لا يشكّلُ أي نوع من أنواع الخطر أو التهديد للداخل السوري أو الدولة السورية، فالدولة اللبنانية هي وحدها التي تُقرّر كيف تنظّم أمنها على الحدود خصوصاً الحدود المتفلّتة كالحدود بين لبنان وسوريا … والدولة اللبنانية وحدها تُقرّر كيف ترى حماية نفسها من التهريب والمهرّبين من الداخل السوري الى الداخل اللبناني، وقد عانى لبنان ولا يزال وباتجاه واحد من تسريب الأسلحة والمخدِّرات وسيطرة ميليشيا حزب الله على الممرّات الحدودية غير الشرعية، فإن كان ثمة حاجة لأبراج فهذا أضعفُ الإيمان لحماية ما يمكن حمايته ومكافحة ومنع ما ومَن يمكن منعه عبر الحدود … في ظل الفوضى الحدودية الشاملة والتي يتضرّر لبنان منها وليس سوريا.

قرار حماية أمن الدولة هو قرار سيادي إستقلالي

رابعاً: دائماً في إطار القانون الدولي، فإن أهم عامل من عوامل الاستقلال لدولة ما هو الاستئثار بممارسة الاختصاص، فلا تمارس الاختصاص الدولي في إقليم ما إلا دولة واحدة، وبالتالي فإن قرار أمنها وكيفية ضبطه وحمايته هو قرار سيادي إستقلالي للدولة التي تحكمُ الإقليم المحدّد بحدود دولية معترفٍ بها في الدستور وفي القانون الدولي وفق آليات الاعتراف القانونية والشرعية.

من هنا، فإن مفهوم الاستئثار بممارسة الاختصاص ينطوي قانوناً على احتكار الاختصاص القسري (أي السلطة الأمنية والعسكرية للدولة) الى جانب احتكار ممارسة الاختصاص القضائي والسلطة القضائية واحتكار تنظيم المرافق العامة، واللافت أنه في القانون الدولي يُعتبرُ الاختصاص القمعي أعلاه الوحيد المطلق، بينما هو نسبي في الحالتين الآخريين.

وقد دعم الاجتهاد القضائي الدولي هذا الاختصاص الاحتكاري تثبيت للحق السيادي للدولة في أمنها وأمانها حيث لاستئثار الدولة باختصاصها القمعية الصفة المطلقة لتعلّقها القسري وفقاً للقانون الدولي، ونذكر في هذا السياق قضية ( شنبيله ) بين ألمانيا وفرنسا بتاريخ 20 نيسان 1887 وحادثة البنطير بين ألمانيا والبرازيل بتاريخ 26 تشرين الثاني 1905 وقضية إيخمن في سنة 1960 بين الأرجنتين وإسرائيل، كذلك القرار التحكيمي الصادر بتاريخ 24 شباط 1911 في قضية سفركار من محكمة التحكيم الدائمة بين فرنسا وبريطانيا العظمى، فضلاً عن  أحكام قضائية فرنسية كحكم محكمة دوه بتاريخ 15 نيسان 1981 ومحكمة جنح أفان بتاريخ 22 تموز 1933 … كلها اجتهادات قضائية دولية تؤكد على احتكار وحصرية واستئثار الدولة بسلطتها القمعية واتخاذها التدابير المطلقة لحماية أمنها واستقرارها وحماية شعبها وأراضيها وسيادتها من أية تهديدات.

خامساً: بعد عنصر الاستقلال، يقرُّ القانون الدولي لكل دولة بمبدأ آخر أكثر أهمية ألا وهو مبدأ الحرية في ممارسة الاختصاصات حيث ينصّ أنه لا يكفي الدولة المستقلة أن تتصرّف من تلقاء نفسها فحسب بل يجب عليها لكي يكون استقلالها حقيقياً أن تتصرّف حسبما ترتأي ومن دون أن تخضع لتوجيهات وأوامر تفرضها عليها دولة أخرى …فحرية ممارسة الاختصاصات  القمعية لدولة هي حرية التقرير في اختصاص معين، وهي المظهر الإيجابي للاستقلال وتتضمن هذه الحرية بالنسبة لأجهزة الدولة اختصاصاً استنسابياً أي سلطة واسعة في تقدير الوقت المناسب والكيفية المناسبة في إصدار القرارات الواجب اتخاذها وفي كيفية تطبيقها، وقد أقرّ القانون الدولي هذه الحرية في الفقرة 8 من المادة 15 من عهد عصبة الأمم وفي الفقرة 7 من المادة 2 من ميثاق الأمم المتحدة.

سادساً: وبعد عنصري الاستقلال والحرية، كرّس القانون الدولي مبدأ الاختصاص الشامل ومقتضاه أن اختصاص الدولة يُعتبرُ شاملاً غير محدود، فالدولة، أي دولة، تكون حرّة في تحديد مدى اختصاصها المادي خلافاً لاختصاصات الهيئات العامة الأخرى حيث تُحدّد الاختصاصات بالأهداف المرسومة لها، وبالتالي واستخلاصاً لمعطيات القانون الدولي، فإن اعتراض الحكومة السورية على أبراج مراقبة الجيش اللبناني على طول الحدود مع سوريا هو اعتراضٌ يمكن قبوله في الشكل لكنه مرفوض بالمضمون لعدم قانونيته باعتباره يتضمّن انتهاكاً لقواعد القانون الدولي التي تضمن لكل دولة كلبنان في مجال الاختصاص القمعي الحق في الاستقلال والحرية و ممارسة الاختصاص الشامل ضمن أراضيها الشرعية من دون أي حقٍ لأي دولة أخرى بالاعتراض أو التحفّظ لكون ذلك يُعتبرُ تدخلاً في الشأن الداخلي السيادي للبنان الدولة والجيش وقواه المسلّحة الشرعية، فالمذكرة السورية غير قانونية وهي تدخلٌ في الشأن اللبناني الداخلي يقع تحت طائلة القانون الدولي، فحذاري التراخي والخنوع والخضوع كما اعتدنا من جانب الحكومة اللبنانية ووزير خارجيتها، فإن كان من حق الدول الاعتراض لكن ليس من حقها التدخّل في شؤون اختصاصات الأمن الداخلي والسلطة القمعية لدولة أخرى .

المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: