حرب أوكرانيا أمام ساعة الحقيقة... والسعودية تسعى لتشبيك خيوط التفاوض

ukraine ksa

أثار تصريح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الأخير تلويحه باحتمال إرسال جنودٍ الى أوكرانيا لمواجهة روسيا عاصفةً من ردود الفعل التي بدأت من حلفاء فرنسا في الاتحاد الأوروبي، ولم تنتهِ بروسيا حيث تحفظت الدول الأوروبية على هذا التصريح، رافضةً مبدأ التورّط المباشر والموت من أجل أوكرانيا، في الوقت الذي سارعَ فيه البيت الأبيض الى استبعادٍ كلي لهذا الخيار، وقد هدّد بالأمس الناطق بإسم الكرملين ديمتري بيسكوف فرنسا وإعتبر تصريح ماكرون بمثابة تكريس للعداء الفرنسي لروسيا، فيما هبّت عاصفة داخلية فرنسية على الموقف تركّزت بخاصةٍ في اليمين واليمين المتطرّف واليسار بقيادة جان لوك ميلانشون.

قلق فرنسا حيال الواقع الميداني في أوكرانيا لم يأتِ من فراغ

موقف الرئيس الفرنسي، الذي استدعى الى الاليزيه في اليومين الماضيين رؤوساء الجمهورية السابقين فرانسوا هولند ونيكولا ساركوزي ورؤساء الأحزاب السياسية كافةً، للتشاور معهم حول الوضع في أوكرانيا والموقف الواجب على فرنسا التي وقّعت مؤخراً إتفاقية تعاونٍ عسكري مع كييف خلال زيارة الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلنسكي الى باريس، أن تتّخذه حيال التطوّرات الميدانية على الجبهات الأوكرانية المستعِرة، حيث تحقّق موسكو انتصارات عسكرية لافتة في الآونة الأخيرة، وبالتالي فإن هذا الموقف لم يأتِ من فراغٍ، وإن عكسَ التزاماً فرنسياً و أوروبياً بمساعدة أوكرانيا، لأن هذا الموقف للرئيس ماكرون يعكسُ عمق المأزق والحراجة التي وصلتها الحرب هناك .

فكما لا يريد الرئيس فلاديمير بوتين الانهزام وهو المستعدّ للذهاب في المواجهة الى الآخر مهدِّداً باستخدام النووي، كذلك ليس مسموحاً أوروبياً وأميركياً وغربياً بانهزام الرئيس زيلينسكي وحكومته، وبالتالي في حين يزداد الوضع الميداني حراجةً ضد الأوكرانيين تزدادُ الحاجة الى عمل غربي سريع لدعم الجيش الأوكراني عبر إرسال مزيدٍ من الأسلحة والذخائر والمال لتعزيز موقف كييف.

مشروع تمويل إضافي لأوكرانيا موضع نقاش في الكونغرس الأميركي

هذا الأمر يبدو متراجعاً أميركياً مع دخول الرئيس جو بايدن مرحلة الحملات الانتخابية الرئاسية وتحقيق منافسه الجمهوري الرئيس السابق دونالد ترامب انتصاراً شبه ساحقٍ على كافة منافسيه الجمهوريين وآخرهم المرشّحة نيكي هالي، التي ما لبثت أن انسحبت من سباق منافسة ترامب لفقدان التمويل، ما أثّر ويؤثر على الاستمرار بنفس الوتيرة القوية في دعم كييف، رغم أن في الكونغرس حالياً مشروع قانون تمويل إضافي لأوكرانيا لا يزال موضع نقاش.

إستكمال الطوق الأطلسي حول روسيا مع انضمام السويد الى الناتو

 من الجهة الأوروبية، التردّدُ سيّد الموقف خصوصاً من جهة الألمان الذين لا يريدون التورّط مباشرةً في الحرب وبعث رسائل تهديد لموسكو، كذلك بولندا وإيطاليا وسواها من دول الاتحاد، خصوصاً بعد جرعة التهديد الإضافية التي مثّلها انضمام السويد رسمياً  الى حلف الناتو وبالتالي تخلّيها عن حياديتها، ما يستكمل  الطوق الأطلسي على طول حدود روسيا الاتحادية شمالاً.

وحدها فرنسا تملكُ "الزرّ الأحمر" المدمِّر في أوروبا

"فرنسا ماكرون" تلقّفت المأزق، ونرى في تصريح الرئيس الفرنسي الأخير أمراً من إثنين : إما زلّةُ لسان ينبغي توضيحها، وإما استخدام لورقة ما يُسمّى ديبلوماسياً بالتهديد الاستراتيجي، خصوصاً أن الرئيس بوتين الذي لطالما استخدمَ في مواقفه الأخيرة التهديد النووي كوسيلة ضغط استراتيجي على كييف وحلفائها الغربيين لم يتوانَ عن تحريكها، والمعلوم أن فرنسا هي الدولة النووية الوحيدة أوروبياً، فيما تمتلك بريطانيا أيضاً خارج أوروبا هذا الزرّ الأحمر المدمِّر .

هل اقتربت ساعة الجلوس على طاولة التفاوض؟

اذاً الوضع حالياً في حرب أوكرانيا أمام مأزقٍ قد ينجمُ عنه أشياء إيجابية قد يكون أبرزها إدراك الجميع أن ساعة الجلوس على طاولة التفاوض قد اقتربت، وهذا ما بدأت بعض العواصم الأوروبية تشيرُ إليه تلميحاً، خصوصاً في ظل تصاعد المعارضات الداخلية في كل دولة أوروبية من مغبّة التورّط أكثر وإرسال جنودٍ يموتون من أجل الأوكرانيين، فيما كييف أيضاً لا تقبل بهذا الخيار، بل كل ما تريده المزيد من السلاح والمال.

الحرب الروسية- الأوكرانية والفشل الممنوع للطرفين

ممنوع فشل بوتين، وممنوع فشل زيلينسكي: الأول لأن فشله سيعني قلب موازين كبرى داخل روسيا وصولاً الى إنهاء نظامه، والمعروف أن النظام الروسي دكتاتوري فعلياً ويدّعي الديمقراطية ظاهراً، فيما فشل الرئيس زيلينسكي سيعني فشل أوروبا والأميركيين والغرب بقيمه وديمقراطيته ومثال حياة ومنظومة دولية يُحتذى بها، من هنا نرى أن أفضل مخرجٍ هو العودة الى الضغط الديبلوماسي والعمل الجاهد لجلوس الجميع على طاولة الحوار والتفاوض، لأن النهاية شبه معروفة وقد استخدمت كييف آخر أوراقها العسكرية بما سُمّي بالهجوم المضاد، ولم تفلح في تحقيق النتائج المرّجوة لأسباب وعوامل عدة لا مجال لتفصيلها الآن.

الشعب الأوكراني يدفع فواتير حروب وتصفية حسابات

 من هنا، نعود الى الإشارة الى دورّ سعودي مساعد ودافعٍ في اتجاه طاولة سلام روسية- أوكرانية في ظل المعطيات والأوراق المؤثِرة التي تمتلكها الرياض، وأهمها ثقة الطرفَين المتنازعَين بها وثقة الأوروبيين وحتى الأميركيين بنجاعة سياسة القيادة السعودية الحكيمة والطويلة الأناة، من هنا فإن

أمراً أكيداً بات راسخاً أمام الجميع، ولا سيما المعسكر الغربي الأوروبي المؤيد لكييف: فترة أشهرٍ حتى تشرين الثاني المقبل لحسم دعمهم لأوكرانيا فعلياً، وإلا التسليم بمبدأ التفاوض والجلوس على طاولة، فكفى تدفيع الشعب الأوكراني فواتير حروب وتصفية حسابات لم تعد تراعي مصلحة أوكرانيا والأوكرانيين، من دون أن ننسى أن احتمال عودة الرئيس دونالد ترامب الى البيت الأبيض مرتفع جداً مع ما سيعنيه ذلك من انعطافةٍ مصيرية للحرب بما لا يشتهيه حلفاء كييف الحاليين في أوروبا والولايات المتحدة الأميركية.

للأسف نقول إننا في زمن لم يعد للقانون الدولي من قيمة فعلية في حلّ النزاعات مع عودة سيطرة منطق القوة والغلبة للقوي، ومن أبرز ما يمكن أن يصلح نموذجاً لهذه الحقيقة الوصول الى تقطيع أوكرانيا وإعطاء الرئيس بوتين ما يريده على حساب وحدة أراضي أوكرانيا وسيادتها.

المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: