“وبَينَما هُم سائرون، دَخَلَ قَريَةً فَأَضافَتهُ امَرَأَةٌ اسمُها مَرتا. وكانَ لَها أُختٌ تُدعى مَريم، جَلَسَت عِندَ قَدَمَي الرَّبِّ تَستَمِعُ إِلى كَلامِه. وكانَت مَرتا مَشغولَةً بِأُمورٍ كَثيرَةٍ مِنَ الخِدمَة، فأَقبلَت وقالت: «يا ربّ، أَما تُبالي أَنَّ أُختي تَرَكَتني أَخدُمُ وَحْدي؟ فمُرها أَن تُساعِدَني» فأَجابَها الرَبُّ: «مَرتا، مَرتا، إِنَّكِ في هَمٍّ وارتِباكٍ بِأُمورٍ كَثيرَة، مع أَنَّ الحاجَةَ إِلى أَمرٍ واحِد. فَقدِ اختارَت مَريمُ النَّصيبَ الأّفضَل، ولَن يُنزَعَ مِنها”
الكتاب المقدس انجيل لوقا 10: 38-42
كم تشبه قصة وأداء مرتا في الكتاب المقدّس قصص وأداء الكثير من السياسيين والمحللين والأحزاب والتيارات والقطاعات في مقارباتهم وطروحاتهم وحلولهم للمشاكل والأزمات التي عصفت وما زالت تعصف ببلدهم.
هناك من اعتبر ويعتبر بأن المشكلة تكمن بالنظام الطائفي وبالنصوص التي ترعاه واعتبر ويعتبر بأنه بمجرد الغاء هذا النظام تحل كل المعضلات متجاهلا ما في النفوس المفعمة بالعصبية الطائفية والمذهبية وأخطرها تجليا ما يحمله “الحزب الأقوى” الطائفي المذهبي العقائدي من مشاريع تتخطى الأوطان، وما يحمله “الحزب” من سلاح لفرض مشاريعه بالقوة والملفت ان الحزب نفسه وحليفته “الحركة” من “أعتى” المنادين بإلغاء الطائفية وطبعا لأهدافهم الخاصة الطائفية-المذهبية.
هناك من اعتبر ويعتبر ايضا بأن المشكلة تكمن في النظام الاقتصادي وفي المشاكل الاجتماعية التي نتجت وتنتج عنه وانه بمجرد اصلاح هذا النظام تحل الفوارق الاجتماعية وبالتالي يعود الاستقرار والطمأنينة والرفاهية والازدهار متجاهلا ان ما كبّل وما زال يكبّل اي اصلاح او تغيير او تطوير هو وهج السلاح في حماية الفساد والتهريب على انواعه بالتكافل والتضامن مع احزاب وتيارات وشخصيات “المصلحة والأطماع الشخصية” تماما كما كان حاصلا ومعمولا به تحت اشراف الاحتلال السوري وغطاء عملائه اللبنانيين من تبادل خدماتي يصب في مصلحة ذاك الاحتلال واستمرار سيطرته ولو على انقاض السيادة والحرية والاستقلال.
ان كل المبادرات والدعوات وخاصة الأخيرة تبقى قاصرة عن الحلول الناجعة والمستدامة ان لم تَلُج عميقا في مسألة السيادة وتَلّج عليها اذ هي ما زالت عبر الدهور علة وجود الدولة والحكومة والكيان هكذا كانت امام الاحتلالات المتلاحقة على لبنان وهكذا هي في الاحتلال بالوكالة عبر سلاح ما يسميها الحزب “مقاومة اسلامية” نشأت على أنقاض ودماء “المقاومات” التي سبقتها لتتسلم لاحقا شعلة ومهام الاحتلال السوري.
عن هذا التسلّم “غير السَلِس” يقول الرئيس السابق العماد ميشال عون أمام اللجنة الفرعية للعلاقات الدولية في مجلس النواب الأميركي في 18 أيلول 2003:”إنه لأمر معقول جدّاً أن يترك النظام السوري وراءه في لبنان بعد انسحابه منه، العديد من أدواته للإرهاب والتدمير، وأيضاً العديد من أدواته العسكرية والاستخباراتية… بناءً عليه، إنه لأمر إلزامي وملّح، أن يترافق الانسحاب السوري، مع تجريد كامل من السلاح لكل العناصر
المسلّحة…”ليؤكد حزب الله في 18 حزيران من العام 2005، ما توقعه حليفه لاحقاً ميشال عون، إذ أعلن النائب نواف الموسوي يومها بتصريح نشرته الـ”دايلي ستار” أن “الحزب اتخّذ قراره بملء الفراغ الناجم عن الانسحاب السوري ووضع حدّ لقوى الغرب، لا سيما الولايات المتحدة وفرنسا من ممارسة تأثيرها على الشؤون الداخلية اللبنانية”.وليكشف لاحقا نائب الأمين العام ل”حزب الله” كيفية تسلّم الحزب لشعلة ومهمة الاحتلال السوري بمقابلة مع وكالة رويترز نقلتها صحيفة “السفير” في 17 آب 2005 بقوله:“إن الحزب اتخذ قراراً لا رجوع عنه يقضي بعدم إشراكه بالحكومة طالما أن السوريين موجودون في لبنان، إذ ان وجودَهم يمنح حزب الله الحماية السياسية. كما ان التوجّه العام في لبنان، والتنسيق السوري ـ اللبناني ساعدا في تأمين هذه الحماية”.
لتأتي الممارسة على الارض في السياسة والرئاسة والأمن والقضاء والسلم والحرب لتؤكد هذا المسار ولتُظهر استئثار الاحتلال “الجديد” بمصير اللبنانيين بتأثير وسطوة سلاحه.
كما بدأنا نختم مع الكتاب المقدس ولكن من انجيل لوقا 48:6 لنقول لأصحاب المبادرات والدعوات ان من يجترح الحلول من عمق واساس المشكلة “يُشْبِهُ إِنْسَانًا بَنَى بَيْتًا، وَحَفَرَ وَعَمَّقَ وَوَضَعَ الأَسَاسَ عَلَى الصَّخْرِ. فَلَمَّا حَدَثَ سَيْلٌ صَدَمَ النَّهْرُ ذلِكَ الْبَيْتَ، فَلَمْ يَقْدِرْ أَنْ يُزَعْزِعَهُ، لأَنَّهُ كَانَ مُؤَسَّسًا عَلَى الصَّخْرِ.”