كتب نبيل بومنصف:
لعل لا مغالاة في التأكيد على ان رجع صدى الخبر الصادم وتردداته في جريمة الاغتيال الموصوفة والوحشية التي أودت بحياة منسق حزب "القوات اللبنانية" في جبيل باسكال سليمان دوّت بقوة مضاعفة لدى منتديات اللبنانيين المقيمين والمنتشرين في الولايات المتحدة، والأرجح في سائر المغتربات، نظراً الى العامل المباغت الصاعق الذي انقضّ على مشاعر "لبنانيي اميركا" حيال تعاقب الأحداث المنذرة لبنان بشرور مستطيرة متلاحقة. لم ينبرِ كثر من اللبنانيين الاميركيين بعد للمعركة الرئاسية الأميركية، رغم تصاعدها المتدرج، وانخراطهم المعروف أساساً في الحياة السياسية الأميركية، لا لشيء إلا لأن أنباء الوطن الأم لا تبقي قديما من يوم رحل فكيف إذا كان حجم الحدث ينذر بذاك الشيء الذي يخشاه الجميع، والذي أعاد دفعة واحدة قبل اقل من أسبوع، ذكرى تفجير لبنان بفتنة فلسطينية - لبنانية في 13 نيسان 1975، تحولت مع تعفّن القتال وتداخل التداخلات الخارجية وحروب الآخرين والمؤامرات والتهاوي التام في المناعة الوطنية الى حرب أهلية طائفية.
كانت أيدي اللبنانيين في هذه النواحي الاغترابية على القلوب قبل أيام لئلا ينفجر لبنان بعتوّ ربطه القسري بحرب غزة في ظل تصاعد القلق الأميركي الواضح من انفجار إقليمي كبير يحدثه تمدد الحرب الى لبنان. الخشية من غزو إسرائيلي للبنان لا تفارق أحداً، لا في لبنان ولا في انحاء الانتشار الاغترابي، وخصوصا في الولايات المتحدة، ولا تزال الخشية تتعاظم ولا تتراجع. مع ذلك حلّ الأسوأ فعلاً انطباقاً مع ما عنونته "النهار" غداة حادث الخطف المشؤوم لباسكال سليمان وقبل ان يُكتشف شهيداً لأيدي الإجرام "صعوبة فوق الصعاب"، فاذا بها تتحول بعد أقل من يوم الى فائض كارثي ينذر بما لا يفوت أحد في لبنان الآن ان يخشاه.
تتدفق الاجتهادات حيال حادث شديد الالتباس في ظروفه ووقائعه المعروف منها والمجهول والمكتوم، على أمل ألا يُكتم ويجهّل ويحجب قصداً وعمداً العامل الأساسي الذي يتعين كشفه وإلا ذهب لبنان الى الجحيم. أخطر الاخطار في العوامل الجدية الكامنة في حادث المطاردة والخطف والتصفية والهروب الى سوريا، ان تسقط فوراً ارهاصات المزاعم بافتعال أسباب تافهة لم تعد اساليبها تمرّ في دول الطغاة والديكتاتوريات حيث يصفّى الخصوم على وقْع إجرام ونفاق الانظمة والحكام الطغاة في رمي التفاهات التبريرية للمجتمع المسحوق. وحتى في مزاعم الحادث الاجرامي الأخير الذي أعاد نبش ذاكرة متوهجة لدى مناصري "القوات اللبنانية" بحادث خطف واغتيال رمزي عيراني، فان أخطر الحقائق حتى الساعة تمثلت في هوية ما وُصف أولا بانها عصابة سورية لسرقة السيارات… وكفى.
عصابة سرقة "تهندس" لفتنة هي ذروة الفتن لأنها أولا تعبث ببرميل بارود محتقن لدى المسيحيين، وثانيا توقد النار تحت برميل بارود لبناني - سوري متوهج ينتظر مَن يشعل الفتائل لحرب فتنوية عنصرية فتاكة؟ عصابة سرقة تمتلك كل هذا الوقت لاختيار قلب جبيل والانقضاض منه على "وجدان مسيحي" يعتمل غضباً وسخطاً، كما تختار الشجن المسيحي لإشعال مطالع حرب كلامية عنيفة بين القوى المسيحية و"حزب الله"؟ عصابة سرقة سيارات تقيم على مخطط "استراتيجي" لما يمكن ان يكون "الفتنة المثالية" المركّبة، فهي في وجه فتنة طائفية لبنانية وهي في الوجه الآخر فتنة لبنانية - سورية؟
كل هذا لن توقفه حكمة "القوات اللبنانية" المقترنة بحزم الغاضب المنتظر الأجهزة الأمنية الرسمية والعسكرية لئلا يكون يوم آخر ما لم تكشف حقيقة هؤلاء المرتزقة ومن يقف وراء تشغيلهم في "كار" إشعال فتن لبنان. يقف البلد على شبكة براميل بارود تمتد من العمق السياسي والإعتمال والاحتقان لدى فئة فقدت مواقعها الكبيرة وتمر باحتقان طارئ متدحرج منذ ستة اشهر هي عمر توريط الجنوب اللبناني في بدعة وحدة الساحات الإقليمية وحرب غزة. وتتواتر في الغضون المفاعيل المتفجرة للانتشار الاجتياحي للنازحين السوريين وما يرافقه من تفاقم الجرائم والاهتزازات الاجتماعية الشديدة الخطورة. قبل ان تجفّ دماء لبناني في الأشرفية الأسبوع الماضي جاء الاغتيال الموصوف البارحة ليضع لبنان برمّته، وليس جبيل وكسروان ومناطق الثقل المسيحي في الجبل وسواه وحدها، في عين التحدي القاتل وفي مواجهة محترفي فتن وإجرام يريدون إشعال لبنان لألف مصلحة ودافع … ومَن قال إن لائحة المستفيدين المفترضين محدودة؟ إنها أطول بكثير مما يظن كثيرون، وما لم تنقلب تلك اللعنة المستدامة التي تجهّل الفاعل أبدياً في كوارث لبنان فان الخوف الكبير والكبير جدا هو ان يكون لبنان اقترب مع تصفية باسكال سليمان اقرب ما يكون من اشتعال براميل البارود التي لا مصلحة فيها اطلاقا لأي فريق أو فئة أو جهة أو جماعة في لبنان ولو تضاربت كل الدوافع لدى هؤلاء جميعا واشتبكت الأنماط والسياسات والسلوكيات على غرار ما رافق الانزلاق الخطير في كلام قيل البارحة فيما كان الاغتيال يُكتشف بصدمة هائلة وخطورة فائقة. مرت أحداث سابقة باحتواء الحد الأدنى وبالكاد مر لبنان من خروم الشبك والجنون والتفلت. الخوف الآن انها التجربة الأشد توغلاً في الخطورة، ولن تكفي أجراس الإنذار المبكر والمتقدم متى صارت عصابة مرتزقة تمسك بإجرامها بخناق لبنان. فاكشفوا "المحرّك" الخفيّ وإلا…