أدهى ما يُسجّل في الساعات الأخيرة هذا الكمّ الهائل من الجهل والتحامل على المنطق لدى “السكرانين” بمحور المقاومة والممانعة، لا بل المقاولة والمماتعة، وهذه الفيديوهات والمقاﻻت والمداخلات المحتفِلة بانتصار لا وجود له على إسرائيل والمعظِّمة من شأن إيران وردّها على إسرائيل، وقد بلغَ الجهل و”الفحش” لدى هؤلاء حدّاً بتنا نسأل فيه أنفسنا إن كنا فعلاً نسمعُ ما نسمعه ونرى ما نراه من فقدان الحد الأدنى من المنطق وترك الذات تنقاد نحو الأهواء والتمنّيات والبلطجة الفكرية والدعاية الرخيصة.
إيران والردّ القاسي بالصواريخ غير المذخّرة
إيران التي إدّعت الردّ القاسي على إسرائيل نراها وكأنها أرسلت اليها مفرقعاتٍ وصواريخ كارتونية ومُسيّرات من فئة ألعاب الأوﻻد، ومع ذلك فالقيادة الإيرانية تدّعي أنها نفّذت ردّها اﻻنتقامي وانتهى الموضوع، فأي ردٍّ وأي انتقامٍ هذا الذي يسبقه إعطاء الوقت الكافي للبلد المستهدَف بما يسمح له بالاستعداد والتهيئة ويبلّغ تلك الدولة بموعد الردّ عبر دولة وسيطة ليتبيّن لاحقاً أن الصواريخ المرسلَة غير مذخّرة والمُسيّرات يتمّ اقتناصها “كالعصافير في الفضاء”، فأي ردٍّ هذا وأي انتصارٍ وقد أُسقطت 98% من مجموع المقذوفات الموجِّهة للضربة.
عندما تستأذن طهران واشنطن للردّ الانتقامي
هذا الردّ الهزلي كشفَ مرةً جديدة انطلاء الكذبة على الجاهلين والمبهورين بإيران وليس الشعوب العربية، فإيران لم تردّ فعلياً على إسرائيل بل كل ما أرادته حفظ ماء وجهها، وقد نالت الإذن من الوﻻيات المتحدة الأميركية والتزمت بحدود الردّ.
إيران عندما تضرب إسرائيل تسهر على عدم إلحاق الأذى بها، لكن عندما تضرب الشعوب العربية التي تحتلها من خلال ميليشياتها وحكمها في الدول التي تحتلها وحيث تبطش بالشعوب العربية بلا رحمةٍ ولا هوادة لأن الهدف النهائي لإيران ونظام الملالي هو التغطية على إسرائيل لضرب العرب، فمشروع إيران ليس غزّة ولا القضية الفلسطينية ولا إسرائيل ولا الأميركيين في المنطقة، وفق ما يُقال ويُشاع بل اﻻستمرار في زعزعة أمن واستقرار العرب والشعوب العربية وحكامها، فما تريده إيران احتلال دولنا وسرقة خيراتنا، ونذكر في هذا الصدد كلام المندوب الإيراني لدى مجلس الأمن بالأمس عندما أدان “حماس والجهاد الإسلامي” في عملية طوفان الأقصى بحيث أشار الى أن إيران لم تستهدف مدنيين في ردّها كما تفعل سائر الميليشيات المسلّحة في إشارة واضحة ناقضة ومنتقدة ضمنياً لتصرفات حماس وطوفان الأقصى .
إسرائيل وتهديد التوازن الاستراتيجي
إيران التي تدّعي دعم “حماس” والقضية الفلسطينية أدانت 7 تشرين الأول، فيما
إسرائيل من جهتها، ولا سيما حكومة الحرب لم تستسغ كيف أن الرئيس الأميركي جو بايدن سمحَ لإيران بتوجيه صواريخ ومُسيّرات نحو إسرائيل، الأمر الذي اعتبرته الأخيرة تهديداً للتوازن اﻻستراتيجي أو توازن الردع، ومن هنا ومن ضمن خيارات الإسرائيليين قطع الكهرباء عن طهران مثلاً وإسرائيل قادرة تكنولوجياً وعسكرياً على قطع الكهرباء عن كامل طهران ما يشلّ العاصمة ويحوّل نهارها ليلاً، لاسيما وأن لا أحداً من محور الممانعة يمكنه الوقوف مثلاً في وجه المقاتلات المتطوّرة مثل F35 وطائرات الشبح وسواها من إمكانيات عسكرية متطوّرة تملكها إسرائيل ولا قدرة للإيرانيين ومحورهم على التصدّي لها.
* مهزلة الردّ الإيراني وضمانة العم سام
بالتوازي، فإن ردّ إسرائيل خلافاً للإيرانيين لا يُعلن عنه مسبقاً، فأسرائيل لا تُخطر أحداً بالردّ أو بأي عملية ضد أي دولة، ولا يُعرف توقيت الردّ ولا معالمه ولا أي تسريب، فيما الإيرانيون يعلنون مسبقاً وينفّذون مسبقاً ويصلون الى اﻻستنتاجات ويطبّلون ويزمّرون ويضخّمون قبل إتمام الرد، ليعلم القاصي والداني بالردّ،
إنها المهزلة الإيرانية التي تتوالى فصولاً، ومع ذلك تجد مَن يُسوّق لتلك المهزلة ويرفعها الى مستوى الإنجاز التاريخي، وطهران بنظام ملاليها وحرس ثورتها لم تكن لتجرؤ على رمي وردة باتجاه إسرائيل لولا ضمانة العم سام الحكم والمحكم.
يبقى أن نشير الى أن ثمة مغالطة شائعة في الساعات والأيام القليلة الماضية حول انتظار ردّ إسرائيل وكأن لم يسبق لها أن شنّت أو تشنّ غارات واغتيالات ضد إيران وأهدافها ومصالحها ووجود ميليشياتها، وبالتالي لا تنتظر تل أبيب الضربة الإيرانية كي تسلك أسلوب المواجهات العسكرية واﻻستخبارية والأمنية، فماذا سيزيد حالياً عما انتهجته دوماً تل أبيب مع إيران واليليشيات الإيرانية من عمليات بلغت حتى الداخل الإيراني واللائحة طويلة.
مهزلة ومسرحية لا تُقنع إلا أصحاب العقول المريضة، والأقلام المأجورة، فيما أولويات نظام إيران في مكان آخر، في المال والمصالح الحيوية والتسويات والصفقات و”بعد “حماري ما ينبت حشيش”.