منذ يومين، إنبرى أحد أتباع نظام بشار الأسد في سوريا وإسمه بشار برهوم، وملقّب بـ”أبو أسعد”، وهو معروف كرجلٍ مخابراتي للنظام السوري، يهاجم بقوة الإيرانيين الذين وصفهم بالفرس مطالباً بطردهم من سوريا، وقد اتهم هذا الأخير الإيرانيين بأنهم نهبوا سوريا وغيّروا وجهها الديمغرافي لدرجة أنه تلفّظ بفكرة أن إسرائيل أرحم منهم، ووصل به الحال في كلامه الى حدّ الإشارة الى أن العداء مع إسرائيل ينتهي من اللحظة التي تستردُّ فيها سوريا الجولان من الإسرائيليين.
إستياءٌ سوري من الوجود الإيراني في الشام
شخصٌ مثلُ هذا “الأبو أسعد” التابع للنظام السوري لم يكن ليتفوّه بمثل هذه المواقف الحادة تجاه حلفاء نظامه الإيرانيين لولا وصول الشعور العام لدى أتباع نظام الأسد بوجود خللٍ كبير في العلاقة بين النظام والإيرانيين، فأبو أسعد هذا مدعومٌ من المخابرات ولم يكن بإمكانه اتخاذ مثل هذه المواقف العلنية ضد حلفاء نظامه “الفرس” لولا “قبة باط” من مخابرات النظام وتعبير عن استياء الأخير في مكان ما من الوجود الإيراني في سوريا وممارسات الإيرانيين فيها، ومن كلام أبو أسعد، تبدأ الصورة بالاتضاح في سوريا ولا سيما في العلاقة التي بدأت تتوتّر، إن لم تكن متوتّرة حالياً بين الطرفين.
الأسد باعَ سوريا الى إيران ثم روسيا
سبقَ لنا أن أشرنا في مقالات سابقة الى أن رأس النظام السوري بشار الأسد باعَ الإيرانيين المرافق والموانىء وجزءاً كبيراً من ثروات سوريا والشعب السوري واستكمل البيع لاحقاً للروس، وبالتالي فإن هذا التصرّف من قبل الأسد جعلنا نعتقد أن ساعة المحاسبة الإيرانية له من أجل دفع فاتورة دعمه وإبقائه على كرسي الحكم في سوريا قد حانت، وهي بالفعل وضعت الأسد وبطانيته في وضع غير مريح لا بل مزرٍ، من هنا يمكن ربط الخيوط ببعضها: فعندما واجهَ بشار الأسد العرب في القمّة العربية التي دُعي اليها في الرياض مؤخراً أفهمَ الزعماء العرب في كواليس الأحاديث أنه لا يستطيع التخلّي عن الإيرانيين، فكان الردّ العربي وتحديداً الخليجي والأكثر تحديداً الإماراتي لبشار الأسد بأنه بترابطه مع الإيرانيين بات في مرمى الاستهداف الإسرائيلي وحتى الشخصي، فعندما أيقن الأخير أن وضعه بات دقيقاً وخطيراً عمدَ من خلال جماعاته ومخابراته الى محاولة الخروج من قوقعته الإيرانية من خلال تسريب معلومات وإحداثيات الى إسرائيل لاستهداف قادة وضباط الحرس الثوري الإيراني في سوريا، فكانت موجة الاغتيالات التي انتهت باستهداف قياديين إيرانيين عسكريين كبار في دمشق في الأول من الشهر الحالي، ما أدّى الى حدوث شرخٍ في العلاقة بين الإيرانيين وبشار الأسد انطلاقاً من الشكوك الإيرانية من حصول تسريب للمعلومات والإحداثيات الى إسرائيل من خلال جماعة النظام، فيما أصرَّ الأخير بأبواقه وإعلامه على النكران ورفض الاتهام بالتعامل مع إسرائيل، إلا أن الحقائق تبقى أقوى من أي نكرانٍ أو رفضٍ أو تهرّبٍ.
كل هذه الخيوط المترابطة منطقياً وواقعياً تقودنا الى استخلاص الآتي :
- أولاً: كلام أبو أسعد السوري وبما يمثّله، خالفَ كل أدبيات وخطاب الممانعة والتطبيل لفلسطين وذلك من خلال اختصار الموقف السوري أو موقف الرأي العام السوري الموالي للنظام، وقد عبّر علناً عمّا بدأ يعيشه مجتمع الموالين للأسد من ضيق صدر وعدم ثقة بالإيرانيين (الفرس) بعدما رأوا كيف أنهم يضغطون على نظامهم ويفرضون عليه بيع سوريا ثمناً لتحالفهم معه.
- ثانياً: عندما اعتُقلت الصحافية الموالية للأسد منذ أشهر إثر فيديو نشرته وتعرّضت فيه للإيرانيين ولتجاوزاتهم في سوريا تمَّ اعتقالها في حينه بتهمة الإساءة الى حليف، بينما اليوم أبو أسعد الذي يتعرّض للإيرانيين أيضا لم يتمّ توقيفه ولا اتهامه، إذ ربما لم يكن الاستياء الأسدي من أدوار الفرس في سوريا قد نضج بعد بحيث تكلمت الصحافية في لحظة غير مهيأة لمثل هذا الهجوم على الحليف الإيراني.
- ثالثاً: أصوات النظام السوري بدأت تعلو في بيئته الحاضنة مطالبةً بطرد الإيرانيين من سوريا، وهذا إن دلَّ على شيء فعلى وصول العلاقة بين الطرفين حدّ الضغط والاستياء المتبادَل وصولاً الى التخوين.
وفي هذا السياق، يمكن فهم إشارات تبرئ بشار الأسد وجماعته في سوريا من الإيرانيين ومن أي دور له أو لنظامه في تسريب المعلومات والإحداثيات للعدو الإسرائيلي في وقت سرّب تلك المعلومات والإحداثيات لإيصال رسالة الى الأميركيين والإسرائيليين تقيه الاستهداف الإسرائيلي لنظامه وكرسي حكمه.
- رابعاً: مَن يراقب ويتابع ما فعله ويفعله “الفرس” في سوريا ولاسيما حملات التشيّع التي يقودها هؤلاء بين صفوف الشعب السوري، من دير الزور الى البوكمال الى ريف دمشق فدمشق نفسها، وصولاً الى حمص وحلب وسواها من مدنٍ لإحداث التغيير الديمغرافي القاتل للنسيج السوري الأصلي، سرعان ما يفهم سرّ انتفاضة الغضب والاستياء لدى الموالين للنظام .
- خامساً: بشار الأسد انتقل من مرحلة القبول بأي ثمن بالحماية والدعم الإيرانيين الى مرحلة التعبير ولو غير المباشر (أو من خلال رجال أو أبواق محسوبين على نظامه) عن استيائه من تعاظم النفوذ الإيراني في سوريا، وقد تغلغلَ الإيرانيون في كافة مجالات الحياة اليومية والمؤسسات، وهو بذلك (أي الأسد) يهدف الى إيصال رسالة واضحة للعرب الذين “انتهروه ” في القمّة العربية الأخيرة لفكّ ارتباطه بالإيرانيين، مفادها أنه يحاول تبييض صفحته مع العرب والخليجيين من تحت الطاولة لتمكين الإماراتيين بشكل خاص من تلقّف ” الباس ” الأسدي لتوظيفه في علاقات أبو ظبي مع الأميركيين والإسرائيليين لا سيما عشية قمة عربية أخرى ستُعقد الشهر المقبل في البحرين، ما يُفسح في المجال عبر انتفاضة الرأي العام السوري ضد الإيرانيين الى تسليفهم موقفاً أو بداية انتفاضة ضد الإيراني في سوريا توسّلاً لفتح خزائن الإمارات ودول الخليج المالية له.
هذه المحاولة الأسدية ليست مضمونة النتائج لا سيما أن الوجود الإيراني في سوريا محكومٌ بحسابات إقليمية ودولية تتجاوز بكثير مساحة سوريا ومصالحها تماماً كما الروسي، وبالتالي فإن الأيام والأسابيع المقبلة ستكون حبلى بالمواقف السورية الموالية التصعيدية ضد الإيرانيين والتي قد تصل، إذا ما استمرت بنفس الوتيرة، الى تحريك كافة الشوارع السورية بوجه الإيرانيين خصوصاً أن مناطق المعارضة الأساسية في حالة تأهب واستنفار من شرقي الفرات وصولاً الى السويداء جنوباً فدرعا فالقنيطرة.
معادلة الإبقاء على الوجود الإيراني في سوريا مقابل إنهاء المقاومة فيها وفي لبنان
في المعلومات، أن القيادة الإيرانية أصدرت منذ أيام أيضاً تشكيلات جديدة لكبار قيادييها في كلٍ من لبنان وسوريا، فسحبت بموجب هذه التشكيلات جميع القياديين الكبار الى إيران خصوصاً بعد الضربة الانتقامية التي نفّذتها إيران على إسرائيل مؤخراً وتوقّع ردٍّ إسرائيلي كبير، وقد عرضَ الإيرانيون عبر وسطاء عرب منذ أيام الإبقاء على وجودهم في سوريا والعراق مقابل إنهاء المقاومة في سوريا ولبنان، إلا أن الجواب الإسرائيلي عبر قنوات الوساطة كان واضحاً ومضمونه: رفض استمرار الوجود الإيراني في سوريا ولبنان.
التطبيع السعودي – الإسرائيلييُفضي الى إنشاء دولة فلسطينية
على خط متوازٍ، وفي المعلومات المسرّبة أيضاً، عُقد منذ أيام اجتماع سعودي- أميركي- إسرائيلي للتقدّم في المباحثات من أجل تحقيق مشروع “الناتو العربي” ووضع خرائط سياسية جديدة للمنطقة في ظل أجواء توحي أن السلام بين الرياض وتل أبيب بات قاب قوسين أو أدنى من أن يتتابع ويصل الى خواتيمه في المدى الزمني المنظور.
والمعلوم أن التطبيع السعودي مع إسرائيل لا يمكن إلا أن يُفضي الى إنشاء دولة فلسطينية طلبت العضوية في الأمم المتحدة، إلا أن الفيتو الأميركي كان بالمرصاد لرفض هذه العضوية.
والمخطط الذي تمَّ التوافق عليه بخصوص فلسطين مبنّي على ما يلي : إعلان دولة فلسطينية، عودة الغزاويين الى القطاع، طرد حماسو إعادة تشكيل سلطة فلسطينية جديدة.
إيران وسياسة ” حافة الهاوية”
إيران تُدرك تمام الإدراك ما يُحاك حالياً في الكواليس الإقليمية من مباحثات وتفاوض غير معلن، ولذا اعتمدت مجدّداً سياسة “حافة الهاوية” ما تلبث أن تتراجع عنها عند عودة التفاوض على الادأثمان الإقليمية معها، والمخطط يلحظ أيضاً القضاء على حزب الله في لبنان وتشكيل “ناتو شرق أوسطي” وبناء تحالفات دولية في المنطقة مع إسرائيل في مقابل حل القضية الفلسطينية.
الأكيد أن المسألة الفلسطينية بالمفهوم الكلاسيكي في السبعينيات والثمانينيات انتهت، ورحيل بشار الأسد عن سوريا يتحقّق بعد استعادة النظام لشمال سوريا من الأتراك، لذا فإن المفارقة هي بأن رحيله الآن مضرٌّ للسوريين في نفس الوقت الذي يضرُّ بالوجودَين الروسي والإيراني في سوريا، لذا لا بدَّ من تهيئة البديل وهذا البديل ليس جاهزاً الى الآن.
والأكيد أيضاً أن المملكة العربية السعودية تحديداً ستعود لقيادة مرحلة إنهاء القضية الفلسطينية عبر إنشاء دولة للفلسطينيين شاء اليمين الإسرائيلي المتطرّف أم أبى….