المسودّة الإفتراضية لسيجورنيه: مَن يملك هو من يُعطي

ستيفان سيجورنيه

كتب نقولا ناصيف:

الى لقائه برئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي ووزير الخارجية عبدالله بوحبيب، المحور الفعلي لمحادثات وزير الخارجية الفرنسي ستيفان سيجورنيه اجتماعه برئيس البرلمان نبيه برّي بصفة دوريْه المرجعيَين، كرئيس للمجلس وكمفاوض عن حزب الله: ما سيسمعه برّي وبما سيجيب؟المعطى الرئيسي المعلوم عن النسخة الجديدة لاقتراحات الترتيبات الامنية في الجنوب انها ناجمة عن حصيلة اجتماع ميقاتي بالرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون في الاليزيه قبل اسبوع، في 19 نيسان. لكن المعطى الحتمي الغامض هو موقف حزب الله مما سيحمله الوزير الزائر. في الظاهر، لم يبُن الحزب الى الآن انه شريك علني في مناقشة الترتيبات المقصورة على رئيس الحكومة وقائد الجيش العماد جوزف عون في اجتماع 19 نيسان. لكنه كذلك من اجل تمكين الوثيقة الفرنسية من ابصار النور جدياً، وفصل ما يجري في جنوب لبنان عما يرافق حرب غزة. ليس الاعلان عن الخوض فيها، بالصيغة المعدلة، سوى اظهار باريس اعتقادها ان في وسعها المجازفة في اقناع حزب الله بذاك الفصل، او على الاقل الحصول على «حسن نية» في الموافقة عليه.

بعض الملاحظات المستمدة مما يصل الى المسؤولين اللبنانيين حيال الزيارة الثانية لسيجورنيه لبيروت بعد اولى في 6 شباط الفائت، الآتي:

1 – رغم معرفة باريس بالموقف القاطع لحزب الله بعدم فك اشتباكه باسرائيل ما لم يصر الى وقف حرب غزة، يتوخى وزيرها الزائر من الجولة الجديدة من محادثاته التوصل الى «مسودة افتراضية» للترتيبات الامنية التي اقترحتها حكومته، بأن يصير الى الاتفاق عليها على الورق في مدى قريب، على ان تُطبّق على الارض في الأوان المناسب، وهو مرحلة ما بعد وقف النار في غزة. وجهة النظر المعاكسة له، عند حزب الله في احسن الاحوال، ان احداً لا يسعه التكهّن سلفاً بمآل حرب غزة ووضع اقليمي متفجر يطرأ عليه يومياً تطور جديد وعامل اضافي.

2 – تقارب باريس اقتراحها الترتيبات الامنية على نحو مشابه لما كانت شاركت في وضعه في «تفاهم نيسان» المعلن في 26 نيسان 1996. للمفارقة ان ذكرى موعده تصادف عشية زيارة سيجورنيه لبيروت امس. أُرسي «تفاهم نيسان» على وقف الاعمال العسكرية بين حزب الله واسرائيل ومنع استهداف المدنيين والانخراط في لجنة لمراقبة تنفيذه ضمت آنذاك – الى طرفيْ الاشتباك – لبنان والولايات المتحدة وفرنسا ناهيك بسوريا الموجودة في ذلك الحين على الاراضي اللبنانية والشريك الاساسي في مفاوضات التفاهم. ما تعوّل عليه الترتيبات الفرنسية الجديدة مطابقة تفاهم 1996 مع التفاهم الجديد المزمع حصوله اذا ابصر النور عبر ثلاثي اجتماعات الناقورة (لبنان واسرائيل والامم المتحدة). من ثم في حال وافق الطرفان المتقاتلان تأليف لجنة مراقبة خماسية تضم اعضاء لجنة 1996 باستثناء سوريا التي فقدت دورها السابق. على غرار تفاهم 1996 يراد ان يكون تفاهم 2024 عسكرياً فحسب.

3 – ما لم يُثر في تفاهم 1996 يضعه حزب الله منذ ما قبل حرب غزة، ثم اتت هذه الحرب كي تجعل منه حتمياً في اي تسوية لاحقة، مصير النقاط الحدودية العالقة بين لبنان واسرائيل، لا سيما النقاط السبع المتبقية بما فيها B1، وتثيبت الحدود البرية وصولاً الى مزارع شبعا. منذ اطلاعه على النسخة الفرنسية الاولى، يتفادى حزب الله في انتظار الوقت المناسب اتخاذ اي موقف معلن منها، ما خلا ابداء عدم استعداده الخوض في ترتيبات امنية تستثني الشق الرئيسي غير المنفذ في القرار 1701. لا يقتصر قرار مجلس الامن على منطقة امنية عازلة خالية من السلاح جنوب نهر الليطاني وانتشار الجيش اللبناني والقوة الدولية المعززة، بل كذلك الانتهاكات الاسرائيلية وانهاء اسرائيل ما تبقى من اراض تحتلها في الجنوب.
في فحوى ملاحظة الحزب هذه ان اقتصار النسخة الفرنسية، الاولى ثم المعدلة، على فصل المراحل زمنياً واجرائياً، يحمله على رفض البحث في الصفقة برمّتها. لا ضمانات قاطعة للمرحلة التالية للاولى وهي وقف النار، بالذهاب الى المرحلة الثالثة المتروكة لعامل الوقت للخوض فيها. ذلك ما حدث ايضاً عند تطبيق القرار 1701. اولى مراحله وقف الاعمال العدائية قبل الانتقال الى المراحل التالية، فإذا تطبيقه بين عامي 2006 و2024 يقتصر على وقف الاعمال العدائية.

4 – ما يبدو حزب الله جاداً فيه ان العودة الى عشية 8 تشرين الاول 2023 مستحيلة في حسبانه، بحصر ما تنادي به المسودة الافتراضية بانسحابه عشرة كيلومترات شمالاً الى وراء نهر الليطاني. تالياً ليس ترابط المراحل وحده ما ينشده، بل كذلك الوصول الى تسوية سياسية في جانب في طياتها. ذلك ما رافق تفاهم نيسان 1996 الذي انتهى الى الاعتراف بشرعية المقاومة في تحرير الاراضي اللبنانية. ما يدركه حزب الله، في مقاربة تفاهم نيسان 1996 بذاك المزمع الوصول اليه، انه كان هو الطرف المفاوض الفعلي دونما ان يكون جالساً الى الطاولة، فشغل محله باسمه ونيابة عنه رئيس الحكومة آنذاك رفيق الحريري. لأنه كان كذلك، ابصر تفاهم نيسان النور. ولأنه كذلك كان الطرف الرئيسي في توقيع اتفاق الترسيم البحري بين لبنان واسرائيل عام 2022.
خلافاً لحكومة ميقاتي التي تعطي ما لا تملك، يملك حزب الله ما يعطيه.

المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: