ثمة موقف قانوني واضح لا لبس فيه وهو أن لبنان متحرر من أي التزامات تجاه اللاجئين في البلد. فماذا يعني عملياً هذا الكلام؟ وما أسباب هذا التحرر، أو بالأحرى مفاعيله على المجتمع اللبناني، ككيان ودولة؟ ولمَ الترجمة أتت معاكسة تماماً لهذا السند القانوني؟
هذا الموقف برز من خلال الاجتماع الأخير للجنة حقوق الإنسان النيابية، وهو تسلّح بمبررات قانونية موجودة ويمكن الارتكاز عليها، لعلّها تساعد لبنان في محنته.
يشرح رئيس اللجنة النائب ميشال موسى منطلق هذا الكلام، ويقول لـ”النهار”: “لبنان ليس طرفاً في اتفاق اللاجئين العالمي الموقع في عام 1951، وبالتالي هو ليس معنيّاً، قانونياً، بالبروتوكول التابع للاتفاق الذي صدر عام 1967. ببساطة، لبنان غير موقع على الاتفاق والبروتوكول الدوليين، من هنا، هو متحرّر تماماً من مفاعيلهما أو المترتبات التي ينصّ عليهما”.
المنحى العملي
عملياً، المعادلة معاكسة تماماً. فلبنان لا يزال يتحمّل منذ بدء الحرب السورية، كرة اللاجئين التي كبرت عاماً بعد عام، وباتت لها آثار سلبية وانعكاسات “مدّمرة” من النواحي الاقتصادية – الاجتماعية، وحتى السياسية – الأمنية. فأيّ ازدواجية تلك بين الشقين القانوني والعملي؟
يعلق موسى: ” يا للأسف. هذا الكلام صحيح. لبنان قانوناً هو غير ملزم بأيّ بند من بنود الاتفاق العالمي، بمعنى أنه يمكنه ألا يتعامل معهم كلاجئين، لكن في الشق العملي – العملاني، لم يكن أمام لبنان إلا أن يستقبل هؤلاء، ولا سيما أنه تعاطى سابقاً مع اللاجئين الفلسطينيين على نحو مماثل. وبالتالي، لا يستطيع لبنان أن يطبق مبدأ الهجرة أو العودة القسرية لهؤلاء، لأنه لو طبّق الاتفاق والتزمه، لكانت الارتدادات عليه أكبر وأخطر، من الناحية السياسية وحتى الأمنية”.
من هنا، علق لبنان بين سندان الاتفاق ومطرقة الاوضاع التي تفرضها علاقات الجوار مع سوريا، فكان ما كان من انعكاسات على اقتصاده، وأمنه وبنيته. وأضيفت الى أزماته غير المسبوقة منذ عام 2019، أزمة اللاجئين. أما ما زاد الطين بلة، فتمثل بغياب الموقف الرسمي الموحد والحلول العملية عبر ضبط الحدود والمعابر، ما أدى الى تضاعف النتائج الكارثية.
يشير موسى الى أن “لبنان غير المعنيّ قانوناً بالاتفاق الدولي ليس لديه أيضاً أي قانون داخلي مطبق على اللاجئين، لذلك، كان موقفنا واضحاً تجاه أنه متحرر من أي التزامات قانونية، إلا أنه، في الوقت نفسه، بقي ملتزماً ضمان الحفاظ على كرامتهم وحقوقهم الإنسانية، لأنه يعي تماماً حجم الأخطار إن لم يفعل ما فعله”.
ولكن، هل يمكن الارتكاز على هذه النقطة لتقوية الموقف اللبناني الرسمي، ولا سيما قبل التوجه الى مؤتمر بروكسل، لعلّ المجتمع الدولي يساعد لبنان أو يقتنع بموقفه أكثر؟
“بالطبع”. لذلك، لم يكن “موقف لجنة حقوق الإنسان عابراً”، وفق موسى، بل “كان ثمة تقصّد في إعلان هذا الموقف، عشيّة مؤتمر بروكسل، ولا سيما أن لبنان الرسمي يحاول هذه المرة الاستفادة أكثر من المؤتمرات الدولية، و”استغلال” هذه النافذة القانونية والتركيز على مبدأ “وجود مناطق آمنة” في سوريا، للتخفيف قدر الإمكان عنه”.
يرى موسى أن “موقف لجنة حقوق الإنسان كان لهدف مزدوج. أردنا توجيه رسالة الى المجتمع الدولي، بأن لبنان لا يستطيع تحمّل مزيد من الأعباء، والى الداخل اللبناني أيضاً لتوحيد موقف واضح وعلني للخروج من هذه الدوامة. إن ما يحصل لا يهدّد فقط اقتصاد لبنان أو يزيد من الأعباء على بناه التحتية وصورته الديموغرافية، بل إن الحوادث الأخيرة التي تحصل يمكن أن تهدّد السلم الأهلي والاستقرار العام. ولا بد من تدارك الأخطار”.
اتفاق دولي
إذن، المجتمع الدولي يمكن أن يساعد لبنان في هذا الاتجاه، لا بل هذه مسؤولياته. يتدارك موسى: “كلجنة حقوق إنسان، نشدد على أن الحق الأساسي للاجئين هو عودتهم الى بلدهم ووطنهم، وتأمين حياة كريمة لهم هناك. هذه هي خشبة الخلاص لهم وللبنان. والآن، يمكن للدول المعنية فعل ذلك. من هنا، أشرنا الى هذا الشق القانوني المهم الذي يشكل سلاحاً قوياً للبنان”.
والسؤال: على ماذا ينصّ الاتفاق الدولي للاجئين؟
هو اتفاق وُقّع عام 1951 ويختصّ بوضع اللاجئ، ووضع له بروتوكول عام 1967. هو يعرّف مصطلح “اللاجئ” ويحدد حقوقه، فضلاً عن الالتزامات القانونية للدول الموقعة عليه، بتوفير الحماية لهم.
ويتمثل المبدأ الأساسي في الاتفاق في “عدم الإعادة القسرية، بمعنى أنه لا ينبغي إعادة اللاجئ إلى بلد يمكن أن يواجه فيه تهديداً خطيراً لحياته أو حريته. ويُعدّ ذلك الآن قاعدة من قواعد القانون الدولي”.
كان يمكن للبنان، قانوناً، أن يقفل الحدود في وجه اللاجئين، أو أن يطبق “الإعادة القسرية” أو أن يرحّل أي داخل إليه. إلا أنه لم يفعل ذلك. لكنه، بالمقابل، تخطى مبدأ “كرمه” الأخلاقي – الإنساني، الى درجة التسرّب والفلتان في المعابر والحدود، فأي حلول بعد يمكن أن تنقذه؟