إيران بعد الاغتيال: تغيّرٌ في التكتيك لا الاستراتيجيا

إيران

من المُسلّم به أن التطوّر الدراماتيكي الخطير الذي تعرّضت له الجمهورية الإسلامية في إيران باغتيال الرئيس إبراهيم رئيسي ووزير خارجيته حسين أمير عبد اللهيان من شأنه خلط الكثير من الأوراق الداخلية والخارجية في إيران.

  • أدوارٌ رئيسية للرئيس الراحل تحت عباءة المرشد

دعونا بدايةً نذكر بأن الرئيس الراحل ووزير خارجيته وإن كانا قد لعِبا أدواراً أساسية في السياسة الخارجية الإيرانية إلا أن تلك الأدوار بقيت تحت سقف عمامة المرشد الأعلى علي خامنئي، ضابط إيقاعات الجمهورية وصاحب الإرشادات والتوجيهات التي كانت الحكومة تتولّى تنفيذها، وقد اتّبع الرئيس الإيراني الراحل سياسة خارجية تمزجُ بين العقيدة والواقعية السياسية، وهذا ما تجلّى في مواقفه خصوصاً في مجال الدفاع عن هوية إيران الخارجية، واستدامة التوتّر مع الولايات المتحدة الأميركية، ووضع الملف النووي جانباً، والذهاب الى مراحل تفاوضية مختلفة، وارتفاع نسبة التوتّر والمواجهة مع إسرائيل، وصولاً الى تعزيز العلاقات التحالفية مع روسيا والصين والتركيز على الديبلوماسية الاقتصادية، وكذلك من خلال التركيز على العلاقات مع دول الخليج وفي طليعتها المملكة العربية السعودية انطلاقاً من اتفاقية بكين وإعادة العلاقات الديبلوماسية على خط طهران- الرياض، الى ما هنالك من توجهات أضفت على السياسة الخارجية لطهران ألواناً متعدّدة وخيارات وأوراقاً تمكّن الرئيس الراحل من الإمساك بها والعمل على تحقيقها.

  • غياب رئيسي واللهيان مرادفٌ لغياب الدينامية والحراك المتميّز

من هنا، فإن رحيل الرئيس رئيسي قد يكون له تأثيرات مهمة في الأسلوب والنهج لا في الثوابت والمبادئ التي يرعاها ويوجهها المرشد الأعلى، وبخاصة في سياق ملف إيران في سياساتها الخارجية، إذ إنه لم يُسجِّل تاريخ إيران، منذ الثورة عام ١٩٧٩، وصول رئيس للجمهورية استطاع اتّباع نهجٍ مخالفٍ لتوجهات المرشد الأعلى، إذ سرعان ما يواجه تقويضاً لنظامه أو الإقصاء أو التهميش من الجناحَين الإصلاحي والمحافظ على السواء.

فالعقيدة باقية أساساً صلباً في أي نهجٍ أو أسلوب أو رؤية يأتي بها أي خلف لرئيسي، لكن مما لا شك فيه أن غياب الرجل ووزير خارجيته يعني انتهاء حقبةٍ من التعاطي المؤثّر بملفات المنطقة والعلاقات الدولية، بحيث طَبَعا الى حدٍّ كبير زمنهما بحركية ودينامية متميّزة في أسلوبها وتواصلها وقراراتها، كما يجب أن لا يغيب عن بالنا ما كان لحسين أمير عيد اللهيان كوزير خارجية من خاصية قربه الفاعل من محور المقاومة، وقد أنهى حياته الديبلوماسية بتحذيرٍ وجّهه لواشنطن من مغبّة مهاجمة حزب الله الذي اعتبره خطاً أحمر لطهران مع جنوب لبنان.

  • إيران في خضمّ مرحلة انتقالية ووقت مستقطع

المرحلة الحالية في إيران حساسةٌ جداً وخطيرةٌ خارجياً لاسيما وأن البرنامج النووي باتَ على المحكّ والعيون الدولية مفتوحة عليه، فضلاً عن المواجهات الإقليمية الراهنة بين إيران وإسرائيل والولايات المتحدة وأوروبا على خلفية أحداث غزّة وتطوراتها، بالإضافة الى مشهدية الشرق الأوسط التي كان يوليها الرئيس ووزير خارجيته الاهتمام الأقصى، من هنا فإن رحيلهما بلا أدنى شكّ سيُسبّب ارتباكاً في السياسات وليس في القيادة التي ستبقى في يد المرشد الأعلى الى حين إعادة النظام انتاج مؤسسات جديدة تعتمدُ خطةً أو توجهاً أو استراتيجيةً جديدةً.

إيران إذاً في مرحلة آنتقالية يتولّاها نائب الرئيس محمد مخبر مكان رئيسي لمدة ٥٠ يوماً الى حين اختيار رئيس جديد للبلاد بحسب الدستور، وفي هذه المرحلة الانتقالية سيتوجّه اهتمام القيادات الإيرانية الى الداخل الإيراني أكثر منه الى الخارج، ما سيتركُ الأبواب مشرّعةً في المنطقة لأي تطورٍ يمكن أن يأتي من ضفتي الصراع الإقليمي خلال هذه الفترة لتحسين الأوراق وتجميع أكبر قدر منها لدى كل طرفٍ من أطراف مقرّري مستقبل المنطقة، مع ما يمكن أن يحصل من تطورات كبيرة تستغل الوقت المستقطَع إيرانياً لتحقيق إنجازات ميدانية أو سياسية نوعية سواء في غزّة أو في جنوب لبنان أو في سوريا .

  • نائب الرئيس بين ترتيب البيت الداخلي ومتابعة الملفات الخارجية

المعلوم في هذا الإطار، أن نائب الرئيس محمد مخبر لديه توجهات إقتصادية وأولوية إعادة ترتيب البيت الداخلي أكثر مما لديه توجّهاً خارجياً، وقد يتمُّ توكيل مجلس الأمن القومي والحرس الثوري لمتابعة الملفات الخارجية خلال تلك الفترة، الأمر الذي إن حصل سينعكسُ أكثر راديكاليةً وتطرّفاً لناحية التعاطي بالملفات الإقليمية والخارجية.

كما أن البرلمان الإيراني متشدّدٌ وبالتالي مهما كانت الخيارات والآليات الدستورية فإن المرحلة ستُطبَع بالتشدّد والراديكالية، وبالتالي لن تتخلى إيران عن استراتيجية الوكلاء الإقليميين أي ميليشياتها في المنطقة أو ما يُعرف بـ"محور المقاومة"، ما سيؤدي الى ازدياد قدرة تحكّم الحرس الثوري بالملفات الخارجية سواء الإقليمية أو الدولية، وقد يأتي وزير خارجية جديد من صفّ الحرس الثوري قد يكون ديبلوماسياً متشدّداً يضمنُ استمرار نهج الممانعة والمقاومة تماماً كما كان يفعل عبد اللهيان.

من الواضح أن الخسارة التي ألمّت بإيران هي تكتيكية أكثر منها استراتيجية، وبالتالي فإن المنطقة أكثر من أي يومٍ مضى تدخلُ مدار المجهول أقله للأشهر الثلاثة المقبلة، والى حين وضوح الرؤية وإعادة خلط الأوراق الإقليمية، لكن بالانتظار، فإن لغة التصعيد الميداني مستمرةٌ وقد تتصاعدُ وتيرتها بشكل كبير وخطير مع تسجيل تطورات أمنية وعسكرية نوعية اذا ما احتاج أي طرفٍ إقليمي تحسين موقعه التفاوضي أو مستقبله السياسي.

المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: