كشفت قضيّة السوري فايز العبد الذي نجح في الفرار من سجن دائرة التحقيق والإجراء التّابع للمديريّة العامّة للأمن العام في 10 أيّار الماضي، حجم الفساد المستشري داخل السجون التي تُعامل القوى الأمنية فيها السجناء، بين “سجين بسمنة وسجين بزيت”. هكذا تُصبح القاعدة في التعاطي مع الموقوفين وفتح أبواب الزنازين أمامهم، حسب قدرتهم على تأمين “العملة الخضراء”. أما للفقراء فيكون السجن، كما العادة، “4 حيطان” وتشديداً أمنياً.
فايز العبد، المتهم بتجارة المخدّرات، لم يكن موقوفاً عادياً، بل كان العناصر المولجون بحراسته والموقوفون الآخرون “بخدمته” متى شاء. هذا ما يبدو واضحاً من خلال حريّة التنقّل التي كانت ممنوحة له. أبواب زنزانته تبقى مفتوحة ليلاً وبإمكانه التنقّل في ردهة السجن، وحتّى الدّخول إلى مكاتب الضبّاط المسؤولين. علاقته اللصيقة بالعناصر الأمنيّين مهّدت له الطريق للتواطؤ مع العقيد أ. الأسعد، والملازم أول س. رويل (الموقوفيْن مسلكياً وعدلياً) لتسهيل هروبه من السجن.
الرشوة الأولى تلقّاها هؤلاء بعدما أخفوا برقية تطلب نقل الموقوف من مقر توقيفه في سجن الأمن العام إلى سجن القبّة، ثم تسهيل عمليّة إخلاء سبيله، ولمّا فشلوا في ذلك، خطّطوا معه لهروبه من السجن. رسم العناصر الأمنيون على “الورقة والقلم” خريطة السجن في اجتماعاتٍ كانت تُعقد ليلاً في مكتب رويل، قبل أن يتسلّم العبد جميع مفاتيح السجن التي تمكّنه من الهروب بعد ترك أبواب النظارة مفتوحة ليلاً.
أكثر من ذلك، أمّن الضابطان “رحلة آمنة” للعبد إلى خارج لبنان (تشير المعلومات إلى أنّه غادر الأراضي اللبنانية نحو تركيا) بعدما تواصل الأسعد مع أحد أقربائه في مطار بيروت، وهو المفتش الأوّل ح. الأسعد (موقوف مسلكياً وعدلياً) الذي نجح في تسهيل هروبه خارج الأراضي اللبنانيّة عبر التلاعب بالمستندات الرسميّة، بعد تلقّيه رشوة مالية.
كلّ هذه التفاصيل كشفها مفوّض الحكومة لدى المحكمة العسكريّة القاضي فادي عقيقي، بعد تحقيقات تمّت بناءً على طلب إدارة الأمن العام، وادّعى عقيقي على الضابطين والعسكري (الموقوفين) والسجين الفار (متوارٍ عن الأنظار) بجرم تلقّي الرشوة ومخالفة التعليمات العسكرية وإساءة استعمال السلطة والتحريض على الفرار، إضافة إلى الادّعاء على آخرين من عناصر الأمن العام الذين كانوا مولجين بحراسة سجن دائرة التحقيق والإجراء بجرم “إهمال القيام بواجباتهم الوظيفيّة وترك النظارة الرقم 1 مفتوحة ليلاً والسماح للسجين العبد، بالخروج والدخول إليها ليلاً خلافاً لباقي الموقوفين، مخالفين بذلك التعليمات العسكرية”.
واستند عقيقي في ورقة الطلب التي أصدرها الخميس الماضي، إلى محضر المديرية العامّة للأمن العام والذي تضمّن دراسات فنيّة ودراسات هواتف وتسجيلات كاميرات المراقبة. وطلب توقيف العقيد أ. الأسعد، والملازم أول س. رويل والمفتش الأوّل ح. الأسعد، وإصدار مذكّرات بحق المُدّعى عليهم الآخرين بحسب ما يقتضيه التحقيق.
وشمل ادّعاء عقيقي في الملف 26 من ضباط ومفتشي الأمن العام، بينهم ضابط برتبة عقيد وضابط برتبة ملازم أول وثلاثة ضباط برتبة ملازم و7 برتبة مفتش أول و6 برتبة مفتش مؤهل و6 برتبة مفتش أول ممتاز وواحد برتبة مفتش ثانٍ إضافة إلى العبد.
كما طلب عقيقي استدعاء المدير العام السابق للأمن العام اللواء عباس إبراهيم ورئيس مكتب الشؤون الإدارية في المديرية العامة للأمن العام العميد بسام فرح، لسماعهما على سبيل المعلومات حول كل ما يتعلّق بمخالفة الأنظمة المتعلقة بأصول التوقيف، إضافة إلى التواصل مع رئيس محكمة الجنايات في الشمال.
تجدر الإشارة إلى أنّ شكوك المحقّقين تدور حول تورّط شقيق أحد العسكريين في عملية تسهيل الهروب، ما دفعهم إلى مسح “داتا” هاتفه واستجوابه من أجل التأكد ما إن كان متورّطاً في الملف.