على الخط السياسي حرصٌ فاتيكاني على لبنان، عبّر عنه امين سر دولة الفاتيكان الكاردينال بيترو بارولين، الذي نقلَ “قلق البابا من عدم انتخاب رئيس للجمهورية، داعياً السياسيين الى ان يقوموا بواجبهم لانتخاب رئيس جديد”، وفي موازاة ذلك، زيارة لوفد جامعة الدول العربية لاستطلاع الوضعين الامني والرئاسي، والتعبير عن التضامن مع لبنان.
امّا على الخط الامني، فلا يختلف اثنان على انّ المناخ حربي، وانّ المواجهات الدائرة بين “حزب الله” والجيش الاسرائيلية في المنطقة الحدودية، هي حرب حقيقية ما زالت حتى الآن تحت سقف الضوابط، حيث انها تحافظ منذ الثامن من تشرين الأول من العام الماضي على وتيرة من الصعود والهبوط، وفق قواعد اشتباك ضمن نطاق محدود في محاذاة خط الحدود.
واذا كانت التقديرات السياسية والعسكرية الداخلية والخارجية ما زالت تضع احتمال التفجير والتصعيد وتوسيع نطاق الحرب على مسافة واحدة مع احتمال التهدئة والتبريد وبلورة حل سياسي يُنهي الحرب، الا انّ ذلك لا يلغي حقيقة انّ الوضع مقلق، خصوصاً أنّ طريق الحل السياسي ما زال محفوفاً بموانع وعثرات تفاقمها التهديدات الاسرائيلية بعمل عدواني ضد لبنان، التي تدرّجت في موازاتها المواجهات والعمليات الحربية في الايام الاخيرة الى تصعيد أشد عنفاً مما كانت عليه.
في هذه الاجواء المشتعلة، من الصعب تحديد وجهة الميدان، حيث ان الوقائع المتسارعة والمتمددة من جبهة غزة الى جبهة الجنوب اللبناني، تَشي بأنّ شعرة فاصلة بين التوجه الى حل سياسي وبين السقوط في محظور حرب واسعة يستهولها العالم بأسره، وعلى وجه الخصوص الولايات المتحدة الاميركية التي استنفرت ديبلوماسيتها للضغط في كل الاتجاهات لاحتواء التصعيد وتجنّب الانزلاق الى حرب متعددة الساحات والجبهات، لن يكون أيّ من أطرافها بمنأى عما وصفتها التحذيرات الأميركية للجانبين اللبناني والإسرائيلي بالنتائج الكارثية على الجميع.
معلومات موثوقة من ديبلوماسيين غربيين تؤكّد “انّ واشنطن ابلغت أطراف الصراع، وعلى وجه التحديد الجانب الاسرائيلي تصميمها على منع حرب واسعة مدمّرة للبنان وكارثية على اسرائيل، وتلحق الضرر الكبير بمصالح الجميع وخصوصا مصالح الولايات المتحدة في المنطقة”. وقد كررت واشنطن أمس دعوتها الى التهدئة، حيث اعلن البيت الابيض “اننا نعمل جاهدين من اجل تهدئة الوضع على الحدود الشمالية لإسرائيل عبر السبل الديبلوماسية”.
وفي سياق تصميمها على انهاء الحرب وتغليب الحل السياسي، كما يقول الديبلوماسيون، “كثفت واشنطن ضغوطها في هذا الاتجاه، في موازاة التهديدات الاسرائيلية بالحرب وما يقابلها من استعدادات لهذه الحرب من جانب “حزب الله”، ونجحت في إبقاء المواجهات على الحدود الجنوبية للبنان، ضمن حدودها الحالية، وفرضت ما بَدا انه التزام غير معلن من قبل الاطراف بذلك، عكسته التسريبات من مسؤولين اميركيين وكبريات الصحف والوكالات الاميركية بأنّ واشنطن تلقّت عبر قنوات مختلفة، إشارات صريحة من قبل إسرائيل و”حزب الله” بأنّهما لا يريدان توسيع نطاق الحرب”.
على ان هؤلاء الديبلوماسيين يخلصون الى تقييم لافت في مضمونه، يرجّح فرضية الحل الديبلوماسي، “فتجنّب الحرب الذي تصمم واشنطن على فَرضِه، كمقدمةٍ لحل سياسي، تؤكد عليه ايران ايضا، التي اكدت عبر رسائل مباشرة او غير مباشرة انها لا تريد هذه الحرب. والجديّة الايرانية في هذا التوجه، عكسها وزير الخارجية الاميركية انتوني بلينكن قبل ايام قليلة بقوله ان “لا اسرائيل ولا ايران ولا “حزب الله” تريد الحرب”، وكلام وزير الخارجية الاميركية هذا ليس نابعاً من فراغ”.
تجدر الاشارة في هذا السياق الى أنباء ترددت عن محادثات أمنية اميركية ايرانية عقدت في الفترة بصورة مباشرة او غير مباشرة، في دولة عربية يرجّح انها دولة عُمان، خلصت الى استبعاد خيار الحرب. الا انّ ايّ تأكيد او نفي لهذه الانباء، لم يرد لا من الجانب الاميركي ولا من الجانب الايراني.
الى ذلك، وعلى ما تكشف مصادر سياسية مواكبة للمسعى الاميركي فإنّ الضغط الاميركي لحصر المواجهات في الجنوب في حدود وضمن نطاقها الحالي، وليس الى وقف لإطلاق النار فيها، مردّه الى انّ واشنطن مُدركة أن الحل السياسي في جنوب لبنان، هو النتيجة الطبيعية لانتهاء الحرب في قطاع غزة، وعلى هذا الاساس فإنّ حراكا اميركيا سيتكثّف في المدى المنظور على أكثر من خط في المنطقة لتمرير مبادرة الرئيس الاميركي جو بايدن، وذلك بعد أن انتزعت واشنطن موافقة رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو على هذه المبادرة، والاميركيون يتحدثون عن ان الوقت بات ضيقا جدا. ويوازي ذلك حراك مرتقب قطري مصري مع حركة “حماس”.
ورداً على سؤال عما اذا كانت ثمّة تعديلات طرأت على المبادرة، من شأنها أن تزيل الاعتراضات من طريقها، وما اذا كان تطبيقها سيقترن بإعلان إسرائيلي بوقف اطلاق النار، فضّلت المصادر عدم الدخول في تفاصيل، واكتفت بالقول: واشنطن تريد للمبادرة ان تطبّق، وقد ألزمت بنيامين نتنياهو بها، وتريد ان توافق “حماس” عليها، وما يمكن قوله في هذا السياق هو انّ امام مبادرة الرئيس الاميركي اسبوعين او ثلاثة حاسمة.