تنحو كل التحليلات والتصريحات والمعلومات نحو اتجاهٍ واحدٍ يتبنّى في الواقع حقيقة تعرّض ملعب رياضي في مجدل شمس لقصفٍ صاروخي، بحيث يتّهم البعض حزب الله به والبعض الآخر يتّهم إسرائيل.
- حادثة مجدل شمس بداية تشرينية ثانية
دعونا في هذه الفسحة نخرج مما يتمُّ التداول به في الإعلام والسياسة، ونطرح إحتمالية أن يكون الذي حصل في مجدل شمس بدايةً ل"7 تشرين أول" ثانٍ،
واليكم تفاصيل هذه الإحتمالية :
انطلاقاً من التشابك الإقليمي المتوتّر حالياً والمواجهة القائمة بين إسرائيل وحزب الله اللبناني في جنوب لبنان، وانطلاقاً من الإحراجات الكبيرة التي تواجهها طهران في هذه المرحلة، خصوصاً تجاه المعسكر الديمقراطي الأميركي في ظل احتدام المعركة الرئاسية وتقلّبات الوضع داخل الديمقراطيين الذين يبقون الأقرب الى النظام الإيراني في سياساتهم الإقليمية، والتي تجعل نظام الملالي المتوجّس من وصول ترامب والجمهوريين الى البيت الأبيض بحاجة الى إظهار قوته وقدرته على تحريك الساحات، فماذا لو كان هناك ثمة احتمال بأن يكون قصف مجدل شمس مقدِّمة لهجوم ميليشيات إيران وعلى رأسها حزب الله من لبنان وسوريا على إسرائيل، تماماً كما في سيناريو هجوم 7 تشرين الأول وعملية "طوفان الأقصى" ؟
- إسرائيل بين الردّ الدفاعي واستعطاف الرأي العام الدولي
ما يمكن أن يؤيد هذه النظرية هو التأخير في الردّ الإسرائيلي على قصف مجدل شمس بحيث أن القيادة الإسرائيلية تستعدُّ ربما لردٍّ دفاعي يستعطف أكثر الرأي العام المحلي والدولي، فحزب الله قد يكون مستعدّاً للهجوم على الجولان وعلى الجليل في آن اذا ما اضطُر الى تثبيت أوراق تفاوضية مع طهران، مدعوماً بذلك من ميليشيات إيران كالفاطميين والزينبيين والأفغان وسواهم من خليط ميليشياوي إيراني، وذلك انطلاقاً من معادلة تثبيت وحدة الساحات في مواجهة الكيان الصهيوني وإكساب النظام الإيراني أوراقاً ضاغطة على الأميركيين الجمهوريين إن هم وصلوا الى البيت الأبيض.
لكن السؤال الذي يُطرح في هذا السياق : ماذا يمكن أن يكون عليه موقف الديمقراطيين من مثل هذا السيناريو ؟
- قوطبة إيرانية لمنع وصول ترامب الى البيت الأبيض
للأسباب نفسها التي تحمل إدارة الديمقراطيين الحالية والمرشحة كاملا هاريس على الضغط على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لضبط ردات فعله العسكرية وضرباته على لبنان، ستحمل الإدارة نفسها على ممارستها على النظام الإيراني انطلاقاً من ضرورة عدم الانجرار الى حربٍ شاملةٍ لا يريدها الإيراني كما الأميركي كما الإسرائيلي، وبالتالي لا نعتقد أن مثل هذا الاحتمال يمكن أن يكون وارداً في الظروف الحالية، علماً أن طهران لم تتوانَ عن إعداد العدّة العسكرية اللازمة استعداداً لحربٍ مقبلةٍ بحيث تُبقي كافة أوراقها في حال من الجهوزية إقليمياً.
وبالمقابل، وفي حال حصول اتفاق أميركي- إيراني خلال المئة يوم المقبلة، مضمونه العودة الى النووي قبل تشرين الثاني المقبل فهذه العودة هذه المرة ستأتي متناغمةً مع الاتفاق السعودي- الإيراني برعاية الصين، وبالتالي لن يقف العرب في وجهه لا سيما وأن الولوج في مثل هذا الاتفاق سيُلزم إيران بالتخلّي عن سوريا ولبنان، أي حزب الله وميليشيات إيران في العراق، ما سيعني حتماً فوز كامالا هاريس بالوصول الى البيت الأبيض لا دونالد ترامب … ومن هنا، فإن أي سيناريو هجوم على الجولان والجليل سيكون بمثابة " قوطبة " إيرانية على دونالد ترامب في المنطقة تقطع الطريق أمام وصوله الى البيت الأبيض وتشكّل نوعاً آخر من أنواع اغتياله بعد محاولة اغتياله في بنسيلفانيا مؤخراً.
- ورقتا باكستان وأفغانستان في يد نظام الملالي
في المقلب الآخر، وبحسب المعطيات الجيو سياسية والاستراتيجية الأساسية، فإنه من الواضح أن فوز كمالا هاريس في الانتخابات الرئاسية سيعني توجّه واشنطن الى جنوب شرق آسيا، وبالتالي إقفال ملف غرب آسيا أي الشرق الأوسط بإطالة عمر النظام الإيراني لاستخدامه وتوظيفه في المنطقة المقابلة من أجل التفرّغ لجنوب شرق آسيا، ومن هنا يمكن فهم ما يحصل بين إيران وباكستان ربما في سياق الإعداد لهذا السيناريو.
أما العراق وفي سياق مثل هذا السيناريو، فقد يشهدُ انقلاباً داخلياً من قبل ميليشيات إيران ضد رئيس الوزراء العراقي محمد شيّاع السوداني، وقد يكون موعد هذا الانقلاب متزامناً مع "أربعين من محرّم" المقبل، فيما سيشكّل الباكستانيون والأفغان أوراقاً جديدةً بيد نظام الملالي والحرس الثوري لتهديد أمن المملكة العربية السعودية والكويت بهدف السيطرة على مكّة المكرّمة وآبار النفط المشتركة كحقل الدرّة.
- تركيا والمناورة السياسية الإقليمية
هكذا قد تجدُ طهران نفسها في المستقبل القريب أمام خياراتٍ صعبة : مكاسب في شرق وجنوب آسيا مقابل تنازل عن ميليشياتها في غرب آسيا أي في لبنان والعراق وسوريا واليمن، وبالتالي إعطاء الضوء الأخضر لإسرائيل للقضاء على تلك الميليشيات بتغطيةٍ أميركيةٍ ودعمٍ عربي خليجي أوروبي، ما قد ينتج عن ذلك وضع غرب آسيا تحت سيطرة مشتركة أميركية- خليجية- إسرائيلية .
ومن هنا، قد يُفهم موقف الرئيس التركي رجب طيب اردوغان الإعلامي الأخير بتهديد إسرائيل بالهجوم عليها انطلاقاً من شعور الأتراك بأن لعبة تقاسم النفوذ على الشرق الأوسط بعد انكفاء إيران يجب أن يتمّ التحضير للاشتراك فيها من الآن، فالكل يعلمُ أن أمام الرئيس التركي، لو قصدَ فعلاً إعلان الحرب على إسرائيل، إجراءات وخطوات ليس أقلها سحب السفير التركي في إسرائيل وسحب جنسية 4000 تركي في الجيش الإسرائيلي ووقف بيع الخضار والفواكه والمواد الغذائية والملابس للجيش الإسرائيلي ووقف العمل باتفاقية التصنيع المشتركة لمقاتِلة F15 والعديد من الأسلحة، ووقف المناورات المشتركة مع إسرائيل، وتخفيض الميزان التجاري البالغ 9 مليارات دولار بين أنقرة وتل أبيب، وعدم تجديد إقامات ل60 ألف يهودي عالقين في تركيا ولا يمكنهم العودة الى إسرائيل، وإيقاف الشركة التركية عن أعمال تشييد مبنى السفارة الأميركية في تل أبيب … من دون أن ننسى انسحاب تركيا من حلف شمال الأطلسي إن أمكنها ذلك … وبالتالي فإن الموقف التركي المستجدّ هو مناورة سياسية ليس إلا تهدف الى حفظ مقعدٍ لتركيا عندما يحين موعد تقاسم الشرق الأوسط بعد توجه إيران نحو الشرق .
طبعاً كل هذه السيناريوهات قد تبدو مستبعدة أو ربما ممكنة …لكن الأساس يبقى، وفق تقرير أولبرايت – هادلي للعام 2016 بأن المنطقة، عشية الانفجار الكبير لتغيير وجهها وإعادة تشكّل كل من لبنان والعراق وسوريا المحتلّين من إيران بانتظار الأثمان بعد الانتهاء من ميليشيات إيران، بحيث وبعد تفكيك هذه الدول سيُعاد تركيبها وفق معادلاتٍ جديدة تفرزها تطورات المنطقة من الآن وحتى تشرين الثاني المقبل .