حرب الجنوب تُخرج الفتور في علاقة “الاشتراكي” و”القوات” إلى العلن

geagea

تطغى حالة من الفتور على العلاقة بين حزبي القوات اللبنانية والتقدمي الاشتراكي، أدت إلى انقطاع التواصل بينهما، واستعيض عنه باتصال بين النائبين وائل أبو فاعور وملحم رياشي، انتهى إلى وقف تبادل الحملات الإعلامية والسياسية التي بلغت ذروتها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، من دون أن ترتد سلباً على مصالحة الجبل التي رعاها البطريرك الماروني الراحل نصرالله بطرس صفير، كونهما يصران على تحصينها وتوفير الحماية السياسية لها.

فتور العلاقة بين الحزبين لم يظهر للعلن وبقي صامتاً، إلى حين تعمّق الخلاف بينهما في مقاربتهما للتداعيات السياسية والأمنية المترتبة على اشتعال الوضع في جنوب لبنان، في ضوء القرار الذي اتخذه حزب الله بإسناده لحركة حماس في قطاع غزة، مع أن مصدراً بارزاً في حزب “القوات” حاول التخفيف من وطأته باتهام جهات لم يسمّها تتعمد ضرب العلاقة بين الحزبين، من دون أن يقلل من الخلاف حول دعوة رئيس المجلس النيابي نبيه بري النواب للحوار والتشاور كأساس لدعوتهم لجلسات متعددة بدورات متتالية لانتخاب رئيس للجمهورية.

في المقابل، يؤكد مصدر في “التقدمي” أنه يحق لرئيسه السابق وليد جنبلاط أن يحتفظ لنفسه بمساحة سياسية في مقاربته للقضية الفلسطينية والصراع مع إسرائيل دفاعاً عن حق الشعب الفلسطيني بإقامة دولته المستقلة، ويقول إنه “لا يحق لأي طرف التصرف مع جنبلاط وكأنه ملحق بسياسته بخلاف قناعاته، على الرغم من أنه كان أول من نصح الحزب بعدم توفير الذرائع لإسرائيل لاستدراجه نحو توسعة الحرب في جنوب لبنان، وبضرورة التنسيق مع الحكومة بكل ما يتعلق بالجهود لإعادة التهدئة إلى جنوب لبنان”.

ويلفت المصدر إلى أن “التقدمي” تجنّب الدخول في سجال مع الحزب بعد أن قرر مساندة “حماس” طالما أنه يتصدى لإسرائيل، على الرغم من الظروف الصعبة التي يمر بها لبنان، ويقول إنه لا يزال في ربط نزاع معه من موقع الاختلاف في مقاربتهما للملف الداخلي، من دون الانجرار إلى صدام يؤدي إلى تطييف الخلاف أو الدخول في رهانات تؤدي إلى تعميق الهوة بين اللبنانيين بدلاً من العمل ما أمكن على ردمها.

ويعترف المصدر نفسه أن دعوة بري للحوار والتشاور شكّلت مادة خلافية مع المعارضة، وإن كان “التقدمي” ليس مع الحوار بمن حضر، وهذا ما أجمع هو وبري عليه لتفادي تكرار ما حصل عندما قررت الحركة الوطنية، فور اندلاع الحرب الأهلية في لبنان، عزل حزب “الكتائب” الذي أكسبه تأييداً مسيحياً غير مسبوق.

ويؤكد أن “التقدمي” يحرص على “استحالة انتخاب رئيس من دون أن يقترن بتأييد أحد أبرز المكوّنات في الشارع المسيحي، أي القوات والتيار الوطني الحر، ويقول إن بري يشاركه في الرأي، ويؤكد أن تأييده للحوار أمر لا بد منه لأن هناك صعوبة بانتخاب الرئيس من دون التوصل إلى تسوية معه بغياب التواصل بين المعارضة والحزب”.

ويؤيد “التقدمي”، بحسب المصدر، الحوار بلا شروط، ولا يمكن الطلب من بري أن يسحب تأييد ترشيحه للنائب السابق سليمان فرنجية للرئاسة كشرط للتشاور، ويقول إن ما يهمه، أي بري، انتخاب الرئيس اليوم قبل الغد، ويسأل: من قال إنه يقفل الباب أمام التوصل إلى تسوية رئاسية؟ مضيفاً: علينا أن نجرّبه بدعوته للحوار للتأكد مما إذا كان يقفل الأبواب في وجه مثل هذه التسوية.

ويضيف أن “التقدمي” يتموضع حالياً في الوسط، وأن “اللقاء الديموقراطي” برئاسة تيمور وليد جنبلاط، كان ولا يزال مع انتخاب رئيس يكون على مسافة واحدة من الجميع، وأن ما يشاع عن استعداده للانقلاب على موقفه يأتي في سياق “الحرتقات” في محاولة للتأليب عليه من قبل المعارضة، وأن هناك ضرورة لتبيان موقفه ووالده للعودة إلى ما أبلغه لسفراء اللجنة “الخماسية” أنه لا تسوية رئاسية بلا ترجيح للخيار الرئاسي الثالث على غيره من الخيارات.

ويستحضر المصدر نفسه ما آلت إليه اجتماعات “اللقاء الديمقراطي” برئيس “التيار” النائب جبران باسيل، ويقول: لم نتفق معه على تشكيل قوة نيابية وسطية تضمه وكتلة الاعتدال النيابي، نظراً لأننا الأقدر على التواصل مع الجميع، وكنا طرحنا مبادرة أساسها الدعوة للتوافق على تسوية رئاسية، وهذا ما يجمعنا مع كتلة الاعتدال التي لم تظهر حماسة حيال ما طرحه عليها، ويؤكد أنه لا مجال لانتخاب الرئيس إلا بالتوافق على تسوية رئاسية.

بدوره، لا ينفي المصدر البارز في “القوات” وجود تباين مع “التقدمي”، وهذا أمر طبيعي بين حزبين، لكنه لم يصل إلى حد الخلاف في العمق الذي يستعجل الطلاق السياسي بينهما، على الرغم من أن بعض الجهات تتعمد الدخول على خط التباين، لأنه لا مصلحة لها في تقاطعهما على عدد من القضايا المطروحة، وأبرزها رئاسة الجمهورية، بترجيحهما الخيار الرئاسي الثالث، ويعترف بأن دعوة بري للحوار واحدة من نقاط التباين، ويقول إن “القوات” تقدمت بالأسباب الموجبة لرفضها الدعوة، كونها تشكل خرقاً للدستور وسابقة يمكن أن تتكرر مع أي استحقاق رئاسي أو حكومي من دون أن تتنكر لدوره في التوصل إلى تسوية رئاسية.

ويلفت المصدر إلى عدم وجود خلاف مع “التقدمي” في “مقاربتنا لانتخاب الرئيس”، ويقول إننا “اتفقنا على دعم ترشيح النائب ميشال معوض، وأيدناه في أكثر من جلسة انتخابية، ثم تقاطعنا وإياه بالتفاهم مع التيار الوطني الحر على ترجيح الوزير السابق جهاد أزعور الذي كان أحد المرشحين، والذي أدرج وليد جنبلاط اسمه إلى جانب قائد الجيش العماد جوزف عون والنائب السابق صلاح حنين، وقوبل ترشيحه برفض من محور الممانعة الذي لا يزال يتمسك بفرنجية”.

ويؤكد أن “ما يجمعنا أيضاً عدم مقاطعة جلسات الانتخاب، ونتمسك بتقاطعنا على ترشيح أزعور إلى أن يتم التوصل إلى تسوية رئاسية”، ويقول إن “مساندة حزب الله لغزة أوجدت حالة من التباين، ولكل منا أدبياته في التعبير عن موقفه، لكن ما يجمعنا تأييدنا لجنبلاط الذي كان السبّاق بالدعوة للتمسك باتفاقية الهدنة وضرورة تنفيذ كل مندرجاتها كأساس لعودة الهدوء إلى الجنوب، كما نلتزم وإياه بتطبيق القرار 1701”.

ويجزم المصدر أنه لا علاقة لـ”القوات” بالحملة التي استهدفت جنبلاط عبر مواقع التواصل الاجتماعي، و”نحن نلتزم بالتهدئة لأن ما يجمعنا يدعونا للحفاظ عليه من موقع التباين حول الحوار، وفي مقاربتنا للوضع في الجنوب وربطه بغزة بقرار منفرد من (حزب الله)”، نافياً اتهام “القوات” بالرهان على ما ستؤول إليه المواجهة المشتعلة جنوباً، مبدياً تفهمه لمواقف جنبلاط من الجنوب.

ويؤكد أن “ما يعنينا أن تبقى قنوات التواصل والعلاقة قائمة مع (التقدمي) ولا تعكرها التباينات ولا التشويش عليها من هنا وهناك”، ويقول إن هناك ضرورة للحزبين للحفاظ على المساحات السياسية المشتركة التي أوجدتها انتفاضة “ثورة الأرز” في 14 آذار بإعطاء الأولوية لمشروع الدولة، وللبنان أولاً، للوصول إلى ما هو منشود لإعادة الانتظام للمؤسسات الدستورية بانتخاب رئيس للجمهورية، ليكون في وسعنا الانتقال به تدريجياً إلى مرحلة التعافي من الأزمات المتراكمة التي يتخبط فيها”.

المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: