المعادلة الإيرانية الحوثية كجزءٍ من معادلة إقليمية ودولية وأفريقية أكبر

houthi

كتب جورج أبو صعب:

مَن ينظرُ الى وجود ودور جماعة “أنصار الله” أو مَن يعرفون بالحوثيين في اليمن الشمالي، والى المهمات التي توكل اليهم من إيران ولا سيما متابعة أعمال القرصنة البحرية تحت حجة منع وصول الإمدادات الى إسرائيل، في حين لا تكادُ عمليةُ قرصنةٍ واحدةٍ تطالُ سفينةً أميركية أو غربية أطلسية في باب المندب أو البحر الأحمر أو خليج عدن، يدركُ بأن الدور أو العامل الحوثي هو جزءٌ لا يتجزأ من مخطط إيراني للسيطرة على قسمٍ من رقعة الشطرنج التي تشكّلها سواحل أفريقيا الشرقية، وفي طليعتها القرن الإفريقي الذي يُحكى عنه كثيراً في الآونة الأخيرة، وذلك على خلفية التوترات السائدة في تلك المنطقة بين القوى الإقليمية والقوى العظمى على مساحة الدول الأربع الأساسية التي تؤلفه، وهي: أثيوبيا،اريتريا، الصومال ودجيبوتي، مضافاً اليها الدول التي تتأثرُ مباشرةً بتطورات تلك الدول، وهي: كينيا، السودان الجنوبي، السودان الشمالي وأوغاندا بحكم المواقع الجغرافية والتقاطع في المصالح بينها.

هذه المعادلة الشرق أفريقية تؤدي الى الاعتقاد بأن الساحة المقبلة للمواجهة الإقليمية والدولية و الجيو سياسية والاستراتيجية قد تكون أفريقيا لاسيما شرق القرن، خصوصاً اذا قرّرت الدول الكبرى المعنيّة نقل المبارزة الدولية من منطقة الشرق الأوسط (أو غرب آسيا) الى شرقها أو وسطها لاحقاً.

ما يحصلُ اذاً في شرق أفريقيا راهناً هو استعدادٌ جماعي لتقاسم المنطقة بثرواتها ومواقعها الاستراتيجية، وإيران هي من الدول التي يهمّها جداً أن يكون لها مكانٌ في هذه المنطقة بمعادلاتها وحساباتها وتحالفاتها، 

والأهمية بالنسبة اليها أن القرن الأفريقي يطّلُ على الخليج العربي وخليج عدن وباب المندب، وعبرَه يمرُّ الخط الوحيد الرابط بين المحيط الهندي والبحر الأبيض المتوسط.

من هنا، رؤية إيران للأهمية الاستراتيجية والجيو سياسية لهذه المنطقة من العالم انطلاقاً من النظرة الإيرانية الفارسية الإمبراطورية المبنّية على ضرورة أن يكون لإيران موطىء قدمٍ في تلك المنطقة الغنية والحساسة من العالم،

فالتداخل الاقتصادي والسياسي والاستراتيجي بين القرن الأفريقي ومنطقة الخليج والبحر الأحمر يخدمُ إيران وجماعاتها، ويساهمُ في بسط نفوذٍ ما على جزءٍ حساسٍ وأساسي من التجارة العالمية والتبادلات، فضلاً عن الوجود العسكري الاستراتيجي المؤثِر.

انطلاقاً من هذا الموقع الذي يتحكّمُ بالمنافذ البحرية، سواء البحر الأحمر أو خليج عدن أو البحر الهندي، تجدُ طهران إمكانية تحكّمٍ كبيرة بالتجارة الدولية، وبالتالي مجالاً كبيراً لفرض مصالحها على طاولة الشركاء الإقليميين والدول الكبرى.

الجدير ذكره أن القرن الأفريقي- شرق أفريقيا يُعتبرُ أهم منفذٍ تجاري على مستوى العالم، وهو طريق شحن نفط الخليج الى العالم، فضلاً عن شحن البضائع والسلع من جنوب آسيا الى أوروبا عبر ممر السويس المصري … من هنا فإن التحكّم بهذا الممر هو جزءٌ من نظرة إيران التاريخية للسيطرة والنفوذ.

أما الأهم من التجارة الدولية والنفط والغاز فهو أن منطقة القرن الأفريقي هي المتحكّمة والمسيطِرة على التحرّكات العسكرية في المنطقة والبحار الاستراتيجية الموازية كبحر الصين، كذلك اتصالها بمنطقة حوض النيل المصري ومنابعه في أثيوبيا، واتصالها بالتالي بدول الشرق الأوسط، من هنا لا نغالي إن قلنا بإن منطقة القرن الأفريقي تلعبُ دوراً كبيراً في إحداث استقرارٍ وتوازنٍ عالميَين نظراً لتك الخصائص الاقتصادية والمالية والعسكرية والاستراتيجية المهمة.

عمليات القرصنة التي قام بها مؤخراً الحوثيون بإيعاز إيراني لزيادة الضغط على واشنطن من أجل حملها على مفاوضة الإيرانيين على سلّة من الامتيازات الإقليمية زادت بالمقابل من استنفار وتعبئة الدول الكبرى وفي طليعتها الولايات المتحدة للدفاع عن مصالحها وحماية إحدى أهم طرق التجارة العالمية، ومن هنا كان تركيز القوى العظمى على القرن الأفريقي نظراً لموقعه الجيو سياسي وتأثيراته المباشرة على سلامة الممرات وأمنها واستقرارها.

انطلاقاً من كل ذلك، برزَ الدور الكبير الذي تلعبه تلك المنطقة، والتي تحوّلت رويداً رويداً الى منطقة نفوذٍ وتنافسٍ إقليمي ودولي، فأثيوبيا التي تنازعُ مصر اليوم على النيل باتت إحدى أكثر دول القرن قوةً  ناهضةً وهي تمتلكُ أكبر قدرات عسكرية ( زوّدتها إسرائيل عبر وساطة مغربية بأنظمة دفاعٍ جوي متطوّرة بالأمس القريب) وتعتبرُ القرن الأفريقي مجالها الحيوي وامتدادها البحري، في وقتٍ تتنافس فيه القوى الدولية للهيمنة السياسية على البلاد، أما  أثيوبيا فتعمل جاهدة على ضمان حيازتها للصومال ومحاربة أي وجودٍ عسكري منافس لها في ذلك البلد.

تلك المنطقة التي تسعى اليها إيران وتنوي تعزيز نفوذها فيها، وجدت الأخيرة موطىء قدمٍ مهمٍ لها في الصومال، حيث قرّرت طهران ل

أن يكون لها نفوذٌ كبير فيه عبر الحوثيين في اليمن وعصابات يمنية منظّمة تساهم في مدّ نفوذ الإيرانيين الى القرن الأفريقي من خلال إحكام السيطرة على باب المندب، تمهيداً لمحاصرة دول الخليج العربي ومحيطيها.

لكن بسطُ نفوذ إيران على باب المندب دونه صعوبات تجعلُ من سابع المستحيلات تمكّنها من السيطرة على تلك النقطة الحساسة من المنطقة.

وما يزيد من صعوبة تفرّد إيران بفرض سيطرتها على المنطقة تعدّدُ المهيمنين الدوليين الذين يريدون تقاسم النفوذ والثروات والمواقع الاستراتيجية : فالصين مثلاً تخوضُ حرباً غير معلَنة على الولايات المتحدة الأميركية التي تسعى لوقف نفوذ الصين ومحاصرته، الأمر الذي لم يمنع الصينيين من التغلغل في أثيوبيا والصومال ودجيبوتي أيضاً.

 الصين لديها اليوم قاعدة عسكرية في دجيبوتي انشأتها بكين منذ العام 2016، وهي أول قاعدةٍ عسكرية صينية خارج الصين (في مقابل ما يقاربُ 800 قاعدة عسكرية أميركية على سطح الكرة الأرضية) وتتوّلى القاعدة الصينية تزويد السفن بالمؤن والوقود،

فيما واشنطن تمتلكُ في منطقة القرن أهم القواعد الحربية وأكبرها، ففي دجيبوتي قاعدة لأربعة الآف جندي، وفي كينيا قاعدتان، واحدة في مباسا وأخرى في نابلوك، وفي أثيوبيا قاعدة أربا الجوية للطائرات من دون طيار، كما أن لفرنسا وجودٌ مهم في دجيبوتي منذ العام 1850 وحتى يومنا هذا وقاعدتها العسكرية تضم 900 جندي.

تركيا من جهتها تحاول استعادة جزءٍ من أمجاد تراثها الإمبراطوري العثماني من خلال إثبات قوتها في منطقة القرن الأفريقي، وقد أنشأت قاعدةً لها في الصومال، وهي بصدد السعي لعلاقات عسكرية وسياسية مع كل من دجيبوتي وأثيوبيا.

أما أنقرة فهي تُكثفُ عبر الصومال تدخلاتها الاقتصادية والإنسانية، وفي العام 2017 عزّزت وجودها بأكبر قاعدة عسكرية لها جنوب مغاديشو.

وإن ننسى لا ننسى إسرائيل وما لها من نفوذ كبير أيضاً في هذا القرن الذي تعتبره تل أبيب صمّام أمانّ جيو سياسي واستراتيجي لها خصوصاً لجهة منافسة النفوذ العربي في تلك المنطقة، من خلال إنشاء قواعد عسكرية واستخباراتية وتطوير علاقات ديبلوماسية وسياسية مع أثيوبيا وإريتريا، وقد تمكّنت تل أبيب من الاستحصال على اتفاقياتٍ عسكرية لتدريب وتسليح جيوش الدولتَين وإبرام اتفاقياتٍ إقتصادية وأمنية عدة أكسبتها نفوذاً ووجوداً كبيرَين وهيمنةً واسعة في المنطقة، فالأهمية الجيو سياسية والاستراتيجية والعسكرية لمنطقة القرن الأفريقي الجار لليمن، أي الحوثي، هي التي تدفعُ بإيران الى الإبقاء على الحوثيين ومواصلة الضغط على العرب والخليج واقتسام خريطة النفوذ في إحدى أهم وأخطر نقاط العالم سخونةً.

المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: