كتبت لينا بيطار في موقع “LebTalks”
هي ليست أعراض” غَيرةٍ أو حسد”، لكن الشيء بالشيء يُذكر، خصوصاً عندما نعرف أن “الجارة الشقيقة” سوريا تملك 40 قاعدة جوية ومطاراً، و”الجارة الصديقة” قبرص تملك، على الرغم من صغر مساحتها الجغرافية 6 مطارات، فيما يُمنَعُ على لبنان، وبـ”فيتو” سياسي وحزبي، إنشاء مطارٍ مدني رديفٍ في ظل تعاظم الحاجة الى مطار آخر غير مطار رفيق الحريري الدولي كمَنفَذٍ جوّي من لبنان واليه، مطارٌ يلبّي الحاجات الطارئة ويمنعُ عزل لبنان عن العالم.
حتى تاريخه، لا يزال القرار السياسي بإنشاء مطار رديف مفقوداً، فيما حزب الله يتحدث دائماً عن “التوقيت المناسب”، وذلك بالتزامن مع هيمنته و”سلبطته” المطلقة على بوابة لبنان الجوية الوحيدة، أي مطار بيروت، والذي يُحكِمُ الحزبُ القبضَ على مفاصله الأمنية والإدارية، مفرملاً كل المساعي الآيلة الى إنشاء مطارات خارج بيئته الجغرافية.
تستحق فرنسا عن جدارة لقب “أم المطارات” في لبنان لأن غالبية القواعد الموجودة على الأراضي اللبنانية، أُنشئت خلال فترة الانتداب الفرنسي، بهدف تأمين المستلزمات اللوجستية للجيوش الأجنبية خلال الحربين العالميتين الأولى والثانية، وعلى هذه القاعدة يمكن تعداد القواعد والمطارات في لبنان على الشكل الآتي:
-مطار رفيق الحريري الدولي: تمّ افتتاحه رسمياً في العام 1938 في منطقة بئر حسن، وفي نيسان 1954 نُقل الى الخلدة، أما في حزيران 2005 وبعد استشهاد الرئيس رفيق الحريري فتمَّ الإعلان عن استبدال إسم مطار بيروت الدولي بمطار “رفيق الحريري الدولي”، وهو الذي كانت له اليد الطولى في إعادة بناء المطار وترميمه بمواصفات متطوّرة.
-قاعدة بيروت الجوية: هي قاعدة عسكرية تابعة لسلاح الجو في الجيش اللبناني، متاخمة للمطار في منطقة الضاحية الجنوبية، تمثّلُ الطرف الغربي من مطار رفيق الحريري، وهي قاعدة للطائرات الحربية والهليكوبتر.
-قاعدة حامات الجوية: أنشئت في العام 1976 إبان الحرب الأهلية من قبل حزب الكتائب اللبنانية في منطقة وجه الحجر العقارية في قضاء البترون وهي متاخمة لحامات وفيها مدرجٌ وحيد، ولا وضعية قانونية لها بمعنى أنها ليس مسجّلةً كمطار، وقد أُطلقَ عليها إسم “مطار بيار الجميّل الدولي”، تيمّناً بمؤسس ورئيس حزب الكتائب الشيخ بيار الجميّل( حزب الكتائب يمتلك جزءاً من الأراضي) وكان الهدف من إنشائه إيجاد منفذٍ جوي لا يخضع لسيطرة الفصائل الفلسطينية خلال الحرب، لكنه لم يوضع موضع التنفيذ فتحوّل الى حلبة لسباق السيارات ثم الى مركز تدريب للجيش اللبناني، الذي نقلَ في العام 2010 مدرسة القوات الخاصة الى نقطة مجاورة له، ومع بداية العام 2011 صدر القرار بإنشاء قاعدة حامات الجوية حيث أُنشئت مرائب الطائرات (shelters) ومبنى القاعدة، وهي تقدّم الدعم الجوي للوحدات البرّية والبحرّية في الجيش الى تنفيذ مهماتٍ خاصة، ومن مميزات هذا المطار الصغير الحجم أن إقلاع الطائرة من على مدرجه يتمُّ بسلاسة لافتة كونها تُقلعُ من على الأرض لتحلق مباشرة فوق البحر على مسافات أمتار قليلة كونه يعلو بضعة أمتار عن سطح البحر.
-قاعدة رياق الجوية: هي أول قاعدة في لبنان والمكان الذي تأسس فيه سلاح الجو اللبناني بتاريخ الأول من حزيران 1949. يقع جغرافياً بين مدينتي زحلة وعنجر وهو راهناً “مأوى الطائرات الحربية وملاذها الأخير بعد انتهاء خدماتها. المطار يعلو عن سطح البحر 920 متراً وتحيط به سلسلتا جبال لبنان الشرقية والغربية، ما يحول دون إمكانية استقباله لطائرات كبيرة الحجم، وقد وضعَ في الخدمة إبان الحرب العالمية الأولى وتمّ إشغاله أيضاً خلال الحرب العالمية الثانية، فتمركزت فيه جيوش أجنبية مختلفة: العثمانية والفرنسية والإنكليزية والألمانية، علماً أن الأخيرة هي التي أنشأت القاعدة الجوية، لكن بعد انتصار الحلفاء في الحرب أصبحت القاعدة تحت السيطرة الفرنسية، فقامت سلطات الانتداب بتوسعة القاعدة لتستوعب المزيد من حركة الطيران، كما أنشأت فيها مدرسة متخصّصة بميكانيك الطيران. وفي العام 1949 أخلت القوات الفرنسية القاعدة لتسلّمها الى الجيش اللبناني، مع الإشارة الى أن هذه القاعدة استقبلت العديد من الشخصيات الأجنبية والعربية وفي مقدّمها الرئيس الفرنسي الراحل شارل ديغول الذي زارها في الأول من أيلول 1942.
-مطار بعذران في الشوف: وصِفَ هذا المطار بأنه جبلي وسرّي وقديم، تمَّ شييده من قبل الانتداب الفرنسي، ثم قام النائب والوزير السابق وليد جنبلاط بتطويره، وهو يتميّزُ بموقع استراتيجي على رأس جبل في بلدة بعذران الشوفية، كما يطلّ على جبال الباروك والقرى المتناثرة فوقها في مشهد بانورامي طبيعي رائع، ما حوّله الى وجهة ومقصد سياحي.
-مطار القليعات في الشمال: هو مطار لوجيستي بامتياز يمتدُّ على مساحة واسعة في منطقة نهر البارد، ويبعد عن الحدود اللبنانية – السورية حوالي 6 كيلومترات، ممتدّاً على مساحة 5,5 ملايين متر مربع وسط سهل عكار، وعلى بعد 105 كيلومترات من العاصمة بيروت و25 كيلومتراً من عاصمة الشمال طرابلس، وقد أُنشىء في العام 1941 إبان الحرب العالمية الثانية، ليصبح تحت إشراف الجيش اللبناني في العام 1966 الذي قام بتوسعته وتطوير قدراته التكنولوجية، وقد حمل إسم مطار رينيه معوض وذلك نسبة الى الرئيس الشهيد بعد أن جرت عملية انتخابه في العام 1989 حيث اجتمع ما تبقّى من أعضاء البرلمان اللبناني في المطار وانتخبوا رينيه معوض رئيساً للجمهورية، وبعد اغتياله تمَّ تغيير الإسم.
عقدة العقد التي تمنع تشغيل هذا المطار الذي فتح مدارجه للمرة الأخيرة في تشرين الثاني 1989، هي رفض سوريا إعادة تشغيله متذرّعةً بقانون الملاحة الدولية الذي يفرضُ موافقة الدول المجاورة لانطلاق العمل بأي مطار لعوامل عدة منها المُناخية، علماً أن القليعات هو الأكثر جهوزية لمباشرة العمل في غضون أشهر ويتبع إدارياً لمطار بيروت، وهو قابل للتوسّع براً وبحراً،مع الإشارة الى أن ملف هذا المطار جاهزٌ بنسبة 70% على طاولة وزير الأشغال العامة والنقل وما عليه سوى التوقيع لتبدأ أعمال التأهيل والتجهيز وفق عقد Bot، ويحتاج الى عامٍ واحدٍ كحدٍّ أقصى لإعادة تشغيله، علماً أن عدداً من النواب(تكتل الاعتدال الوطني) وقّعوا منذ فترة قصيرة على اقتراح قانونٍ معجّلٍ قدّمه المحامي مجد بطرس حرب لتأهيل المطارات العسكرية في القليعات ورياق وحامات وتحويلها الى مطارات مختلطة للخدمات العسكرية والمدنية في آن واحد، أما مواصفات مطار القليعات فتُعتبرُ ممتازة وهي تتطابق مع المواصفات العالمية المطلوبة لتشغيله.
في المحصلة، يبدو أن إعادة تشغيل “مطار رديف” يحتاجُ الى قرار أممي، مع أن الدراسات المختصّة تشيرُ الى أن تكلفة إنشاء مطار مدني هي أقل من توسعة مطار العاصمة، التي يتفوّقُ عليها مطار القليعات تقنياً وجغرافياً، فهل سترفعُ سوريا وحلفاؤها في لبنان الفيتو عن إنشاء مطار لا تملك السيطرة عليه؟ الا يستأهل لبنان منفذاً جوياً آخر انطلاقاً من مبدأ “لامركزية المطارات الذي هو مطلبٌ ملحٌّ وأكثر من ضروري؟
الإجابة عند “أم العُرّيَف” أي سوريا وحلفائها اللبنانيين.. مع الإشارة الى مصطلح أم العُرّيَف يعني النتوء في فوهة البندقية وأداة التهديف فيها، كما يُطلق الإسم على كل مَن يدّعي المعرفة بكل شيء؟!