كتبت تالين نهرا: الحرب تدقّ أبواب لبنان، لا بلّ دقّت ونراها تدخل من الجنوب وصولاً إلى العاصمة بيروت. عند ذكر الحرب، سيخطر على البال للوهلة الأولى الصواريخ المرماة والغارات المشنّة والنيران المندلعة، وننسى شكلها المقنّع الأكثر فظاعةً وهو حرب الأخبار، أو بالأحرى نحن في زمن حرب مواقع التواصل الاجتماعي.
أصوات الصواريخ والغارات وصرخات الهلع توغّلت في آذان اللبنانيين، لكن ماذا عن أصوات الفتن والنعرات الطائفية الموجودة في كواليس هذه الحرب؟ ها نحن نعيش في زمن التطور والانفتاح والعولمة عبر مواقع التواصل، لكن يا لهذا التواصل الذي يغرز بحدة سيفه الأسود كل لبناني في زمن الحرب، ليصبح سلاحاً لنشر أصوات الفتن مضللاً الحقائق.
انتشر بالأمس عبر هذه المواقع وبعض المنصات الإخبارية، فيديو لرجل مسلح في مطرانية مرجعيون، قيل إنه من “بلطجية حزب الله”، لكن هذا الوصف لم يكن كافٍ، إذ تداول الرواد أن “هناك مجموعة من البلطجيين النازحين من الجنوب، احتلّوا المطرانية وراحوا يهددون بقتل الخدام والكهنة”، مضيفين أن “المطران كان محاصراً”.
وكالعادة، هكذا فيديوهات تنال انتشاراً واسعاً ويتم “التبهير والتمليح”، والنتيجة محتّمة، رعب بين المشاهدين. وكي لا تكتمل “طبخة” المحرّضين، تواصل موقع “LebTalks” مع المطران الياس كفوري، “المطران المحاصر”، بحسب مزاعم ناشري الفيديو.
“ضخموها كتير”، و”من سوء تفاهم بسيط إلى ضجة وبلبلة بين الناس”. بهاتين العبارتين اختصر المطران كفوري الحادثة الفعلية التي حصلت”، مؤكداً أنه “لم يكن موجوداً من الأساس في مرجعيون بل كان في حاصبيا، والإشكال كان فردياً مع كاهن الرعية الأب فيليب العقلة”.
وعلى إثر ذلك، يجدد الأب العقلة التأكيد لأن “الإشكال كان فردياً بينه وبين الرجل الستيني المسلّح الذي كان وحيداً، وهو من نازحي بلدة دبّين”، ويلفت إلى أنه “تم إطلاق النار في الهواء فقط لإثارة الذعر، إذ إن الرجل أراد المبيت في المطرانية، وحصل نقاش حول استحالة بقائه إذ إن المكان ليس مهيّئاً لاستقبال النازحين بالإضافة إلى وجود مدرسة خاصة فيه”.
ويضيف: “كان خلاف 10 دقائق فقط، بحيث أنه حصل مشادة كلامية عندما لم يتقبل النازح رفضنا استقباله، كما أنه لم يلجأ إلى تهديد أحد بالقتل، وأساساً لم يكن هناك أحد سواي وموظف في المطرانية والمسلّح، من ثم استدعينا الجيش واعتُقل على الفور”.
شائعات “خلاف 10 دقائق” أدت إلى ذعر في الوسط اللبناني. المحرّضون لم ينجحوا هذه المرة، لكن ماذا لو نجحوا؟ هل كان التاريخ سيُعيد نفسه لنصل إلى مأساة وطنية أخرى؟ ألا يكفي ما يمرّ به لبنان؟