بقلم مارون مارون:
“حقناً للدماء، وتخفيفاً للأضرار، وحفاظاً على ما تبقّى…” عبارات نطقَ بها أحدهم صباح 13 تشرين الأول 1990 قبل أن يتخلّى عن مسؤولياته تحت ضغط أصوات المدافع ورائحة الموت والبارود، وصراخ الأمهات، وأشلاء الضحايا التي تملأ الساحات، ومشاهد الخراب التي تعمّ الشوارع، والأهم الحقائب التي كانت تغزو كل معابر السفر التي اكتظت بالشباب والعائلات إلى الغربة وخلف البحار… إلا أنه وعلى الرغم من هذه المشاهد التي لا زالت محفورة بالأذهان لفظاعتها وهولها، استطاع لبنان استعادة عافيته ودوره ورونقه واستقراره، ولو بالحد الأدنى الذي نَعِمَ به لغاية العام ٢٠١٦، يوم عاد “قبطان السفينة” إلى حيث كان، إلى موقع المسؤولية، وقد عادت معه المشاهد ذاتها، والعبارات التي استخدمها، مثل الدماء والأضرار وما تبقى من لبنان، وطوابير المواطنين أمام الأفران والمصارف ومحطات المحروقات، والغلاء الفاحش وانهيار الليرة وغيرها من المشاهد التي تخطاها الزمن إلا خلال فترة العهد القوي، كل ذلك مع فارق بسيط، هو أن ما جرى في الحقبة السابقة اقتصر على معظم أقضية جبل لبنان، فيما اليوم الوطن كله يرزح تحت نير هذه العبارات وتحت وطأة الفقر والعوز والبطالة والجوع وفقدان جنى العمر وعرق الجبين، إضافة إلى حرب لا ناقة لنا فيها ولا جمل، فاستجرت الضحايا والدمار والتهجير والهجرة والأشلاء…
نعم، ما أشبه اليوم بالأمس، يجمع بينهما محور واحد، محور تهشيم الدول وتهجير الشعوب والقضاء على الأحلام والآمال…
باختصار، لكل مقام مقال، ولكل شخصية مكانة في التاريخ، إلا أن للتاريخ صفحات مختلفة، منها المتّشح بالسواد والمُبلّل بالدموع، ومنها المُكلّل بالمجد والغار والكرامة…
والتاريخ لا يُجيد فقط كتابة الأسماء وتصنيفها، إنما يمتاز أيضاً بصدّ الأبواب بوجه مَن حاول اقتحامه وفشل، لا بل سقط على قارعة التاريخ… والسلام.