على الرغم من اختصاص الشيخ نعيم قاسم بمادة الكيمياء ومن الجامعة اللبنانية الرسمية، فإن فقدان الكيمياء بين قاسم وحزبه مع كل ما هو لبناني او مع ما يمت الى اللبنانية او الى مصالح اللبنانيين يكاد يكون السمة الأولى الواضحة في بروفيل خليفة نصرالله، الاكثر ان الكيمياء والكاريزما التي كانت تربط الامين العام الراحل بجمهوره وبيئته وحتى قيادات وعناصر حزبه هي ايضاً يفتقدها ولا يتمتع بأي عنصر من عناصرها او معادلتها وهذا معروف من شعور اليتم المستمر وعظمة المصيبة والفراغ الذين يشعر بهم هذا الجمهور وتلك البيئة وهؤلاء المحازبون في كل المراكز والمراتب.
لقد جهد الامين العام الشيخ قاسم في خطابه الأول بعد تنصيبه سواء بالتعيين الايراني او بانتخاب من تبقى من شورى الحزب، بإقناع حزبه وبيئته من دون الآخرين في الوطن بما ظهر انه غير مقتنع فيه من قوة وبأس وجدوى مساندة وجدوى استمرار الحرب وخاصة لم يكن مقنعاً ولا مقتنعاً بما حاول ان يفرضه على بيئته المهجرة المدمرة المقتولة المجروحة من واجب التضحية بالذات والحياة من اجل حماية المقاومة لا العكس اذ ان المقاومة على ما قال قاسم مهمتها لا حماية ناسها ولا بيئتها بل حمايتها من الذل والخضوع والمشاريع المفترضة بالنوايا لا بالحقائق.
في رواية من الروايات التي شيّد عليها خطاب قاسم الاول يقول قاسم: “الحمدلله أنه ألهمنا وتوفقنا بأن دخلنا بجبهة المساندة بقلب طيب، لأننا كسرنا مجموعة من الأفكار والمباغتات التي كان يمكن ان تحصل في وقت معيّن”.
واذا سلمنا جدلاً في هذه الرواية نرى ان الحزب صاحب المهارات العلمية والتقنية العسكرية والامنية اطلق مساندته عفواً واعتباطا بقلب طيب وفي العلوم العسكرية والسياسية والاسترتيجية “القلب الطيب” هو البساطة الى حد السذاجة.
اما روايته عن “كسره لمجموعة من الأفكار والمباغتات التي كان يمكن ان تحصل” فقضي عليه بروايته الواقعية لا الخيالية في مبنى الخطاب اذ أحصى الراوي أكثر من 39 الف خرق اسرائيلي جوي وبحري وبري للقرار 1701 في الفترة الواقعة بين 12 آب 2006 و8 تشرين الأول 2023، كما كشف قاسم ان اسرائيل كانت في تلك الخروقات الجوية وعلى مدى 17 عاماً تجمع الداتا وصولاً الى ما حصل من تفجير البايجرز في 17 ايلول 2024 مروراً باغتيال قادة الحزب وصولاً الى اغتيال الامين العام نصرالله وخليفته المفترض هاشم صفي الدين.
فما هي المباغتات التي كسرت والتي كان يمكن ان تحصل ولم تحصل الا اذا كان ما رواه الامين العام الجديد “لا تزال هناك قيادات من الصف الأول في حزب الله” باباً من ابواب الافتخار بانتصار لعدم الاندثار.
في رواية اخرى قصّها قاسم على مستمعيه ومشاهديه في خطابه المسجل المقطّع بفعل توغل سيبراني الكتروني تحدث عن ان “المواجهات تتركز على الحافة الامامية دون تقدم” في حين ان روايته هذه ورواية نائب الحزب حسن فضل الله تسقطهما ما قاله قاسم للعدو في نفس خطاب الروايات: “اخرجوا من أرضنا وإلّا ستدفعون ثمنًا غير مسبوق” كما تسقط هاتان الروايتان مع ما تسرّب من اتفاق لوقف اطلاق النار يدعو في بنده التاسع اسرائيل بسحب قواتها المتوغلة التي دخلت الى الأراضي اللبنانية” وقد مهّد نائب الامين قاسم في 8 تشرين الاول 2024 لنسف روايتي الامين العام الجديد والنائب فضل الله في 30 من الجاري بقوله: “ان لا قيمة للأمتار التي يمكن ان يحصل عليها العدوّ”.
في روايته عن الخسائر التي تمنى بها بيئة الحزب والضحايا والتضحيات يقول قاسم: “هذه المعركة تتطلب هذا المستوى من التضحية ونحن في مرحلة إيلام العدو وتضاف اليها مرحلة الصمود والصبر” ليضيف بأن التضحيات قد تكون ضخمة وكبيرة اذ “ان الحزب مستعد لاستمرار الحرب لشهور طويلة”.
وهنا تخالف رواية قاسم ما كان قد تعهد به عن ان “برنامجي هو استمرار لبرنامج عمل الشهيد السيد حسن نصرالله” اذ ان نصرالله ومحوره في غزة لم يكونا مستعدين لمساندة طويلة اذ اعتبر في 11 تشرين الثاني 2023 “ان الوقت يضغط على العدو وعلى من يحمي العدو، وان ما يحصل في غزة يشكل عامل ضغط على الأميركي وعلى الاسرائيلي ويجعل الوقت يضيق”، لتجري رياح الحرب وديمومتها وامتدادها من غزة الى مساندتها في لبنان على ما لا تشتهيه غزة الحزب والمحور المساند، اما مطالبة قاسم لأبناء بيئته بالصمود والصبر وتقديم التضحيات خدمة للمعركة وحماية للمقاومة” فهي رواية اخرى سبق ان رفضها حسن نصرالله الملهم السلف لقاسم في تضحيات وخسائر ادنى بكثير في حرب تموز اذ يقول في 27 آب 2006 حسن نصرالله: “تسألينني لو كنت 11 تموز تحتمل ولو واحد بالمئة ان عملية الأسر بتوصّل لحرب كالتي حصلت بتروح بتعمل عملية أسر بقلّك لأ قطعاً لأ، لأسباب انسانية واخلاقية واجتماعية وامنيّة وعسكرية وسياسية، لا انا بقبل لا حزب الله بيقبل ولا الأسرى لبسجون الاسرائيلية بيقبلوا ولا أهالي الاسرى بيقبلوا”، وهنا لم يبنِ قاسم في 2024 على خسائر تموز وعلى ندم نصرالله على التسبب بها اي مقتضى من السير على خطى السلف او المراجعة او التراجع.
مع العلم انه هو نفسه كان قد نسف روايته عن “الهجوم الدفاعي” بقوله في 14 أيلول 2024: “ليس لدينا خطة للمبادرة في حرب لأننا لا نجدها ذات جدوى”.
تبقى الرواية الممجوجة الساقطة سلفاً وهي عن ان ما يملي على الحزب حركته واشعال جبهاته وحروبه هي قيادة الحزب وحدها ومصلحة لبنان من دون اي دور او تدخل ايراني يسقطه الدور الآمر الناهي والنافذ للولي الفقيه الايراني في الحرب والسلم وكل التفاصيل الدينية والدنيوية على المؤمنين بنظرية الولي الفقيه نائب المهدي صاحب الزمان وعلى رأسهم حزب نعيم قاسم.
دحضاً وتكذيباً ايضاً لتلك الرواية نقرأ ما قاله منافس قاسم على خلافة نصرالله رئيس المكتب السياسي للحزب السيد ابراهيم امين السيد في في 5 آذار 1987: “نحن لا نقول إننا جزء من إيران، نحن إيران في لبنان، ولبنان في إيران”.
وانطلاقاً من اعادة تجربة انتصار تموز 2006 مع الانتصار المنتظر في 2024 او 2025 من المفيد العودة الى افتتاحية صحيفة كيهان “المقربة من مرشد الثورة الاسلامية الامام الخامنئي” اذ كتب رئيس تحرير الصحيفة حسين شريعتمداري وهو مقرّب ومستشار للمرشد في 10 آب 2006: “إن حزب الله لا يقاتل من أجل السجناء ولا من أجل مزارع شبعا أو حتى القضايا العربية أياً كانت وفي أي وقت، وإنما من أجل إيران”.
على ما شاهدنا وسمعنا من استمرار في الانكار وادعاءات الانتصار من تحت الموت والتهجير والدمار، ولن تكون آخر تجلياتها ما ورد في خطاب قاسم، بالتوازي مع التفويض المتوسل المتسول لوقف اطلاق النار، نكون امام مشهدية متكررة عاشتها شعوب كثيرة في منطقتنا وقضت نحبها اضاحي وضحايا في ظل فرض الانظمة والمنظمات الشمولية لثقافة موت الشعوب حماية لها تحت دعوات مسمومة مميتة بالصبر والصمود والتضحيات من دون توقف، يبشر بها اكثر من أحمد سعيد والكثيرون من محمد سعيد الصحاف.