على الحزب استخلاص العبر.. الراعي: علينا التروي

rahiii

أصداء القصف العنيف على الضاحية الجنوبية كانت تسمع بوضوح في بكركي عصر الأربعاء المنصرم. لم يكن يوماً كغيره من الأيام. دوامة الدمار والقتل تلف المناطق، وفي الولايات المتحدة دونالد ترامب يعلن النصر على المرأة الثانية.

وجه البطريرك لا يخفي بوادر القلق عام 2000 كان “نداء بكركي” الذي طالب بانسحاب الجيش السوري بعد الانسحاب الإسرائيلي من الجنوب، ولكن بعد 24 عاماً تبدو الأمور وكأنها عادت إلى نقطة الصفر، وتحتاج إلى “نداء جديد” من أجل لبنان.

وفي حديث مع “نداء الوطن” قال البطريرك مار بشارة بطرس الراعي: “نُبارك للرئيس دونالد ترامب ونأمل أن تنسحب الديموقراطية الأميركية على واقعنا اللبناني وننتخب رئيس جمهوريتنا. قد يكون ترامب أفضل من غيره، فهو يُنفّذ ما يقوله”.

أضاف: “نرى أن وصول ترامب إلى البيت الأبيض سينعكس إيجاباً على بلدنا، وما يعزّز هذا المؤشّر هو وجود لبنانيين ضمن فريق عمله، ونتمنى توظيف هذه العلاقات من أجل مصلحة لبنان فقط ولا شيء سوى لبنان. أما رئاسيّاً فلا ننسى أن الولايات المتحدة هي الدولة الأكثر نفوذاً في العالم، لذلك قد يُسرّع انتخاب ترامب إنهاء الشغور الرئاسي عندنا، لأنّه وعد بحلول للمنطقة والعالم”.

واعتبر أن “نحن لا ندخل في سياسة المحاور بل نريد وطناً مستقلّاً، ذات سيادة، متحرّراً من أي جيوش غريبة أو دول خارجية تحكمه، لذلك إذا أعلن ترامب أنّه سيحرّر لبنان من النفوذ الإيراني، فنأمل خيراً لأننا شَبِعنا من الوصايات وآن الأوان لكي نعيش استقلالنا”.

ورداً على السؤال إذا كان سيزور وواشنطن قريباً قال: “سلوك الديموقراطيين مع الكنيسة لم يكن جيّداً، فالسفيرة الأميركية الحالية ليزا جونسون وعدتنا بالمساعدة في ما يتعلّق بالقرى الحدودية من أجل الحفاظ على ما تبقّى من أهلها الصامدين تحت القصف والنار، لكنها غابت ولم تعد. أمّا مع إدارة ترامب فنرجو أن تتحسن العلاقة من أجل خير لبنان وشعبه. من جهة ثانية لا أريد زيارة واشنطن لالتقاط الصور فقط، المهم أن تكون زيارة مثمرة نطرح فيها القضية اللبنانية، وإمكان مساعدتنا على تحقيق استقلالنا الفعلي وقيام دولة قوية في لبنان. وفي هذا السياق، لننتظر المساعي، خصوصاً من بعض اللبنانيين الفاعلين في إدارة الرئيس ترامب، ونبني على الشيء مقتضاه”.

ورداً على السؤال إذا كان يؤيد التمديد لقائد الجيش قال: “أولاً، أستغل هذه المناسبة لأوجه تحية إكبار وإجلال للجيش اللبناني ولأهالي الشهداء، فالجيش قيادة وضباطاً وعناصر يقومون بدورهم على أكمل وجه، وكل لبنان مع الجيش فهو خشبة الخلاص كقوة شرعية وحدها تحمي السيادة”.

وتابع: “ثانياً، نحن مع انتخاب رئيس جمهورية اليوم قبل الغد، فعند انتخاب الرئيس تحلّ أزمة قيادة الجيش وحاكمية مصرف لبنان وكل المراكز المهمة الشاغرة. هل سيتركون البلاد حتّى كانون الثاني بلا رئيس؟ هذه جريمة في حقّ البلد، لا سيّما وأن الحرب لا ترحم. لكن إذا استمرّ المعطلون في تعطيلهم عندها لن نترك قيادة الجيش تلاقي مصير رئاسة الجمهورية، وعندها يتكرر سيناريو العام الماضي عندما مدّد مجلس النواب لقائد الجيش، مؤكّدين أننا نرفض العبث بالمؤسسة الكبرى التي تشكل حجر زاوية في بناء لبنان الجديد. فالفراغ قاتل واتخاذ قرار تعيين من حكومة تصريف أعمال في ظل غياب رئيس الجمهورية، هو تعدٍ على صلاحيات الرئيس ولن نقبل به، لذلك تبقى أولوياتنا انتخاب رئيس”.

واعتبر أنه “ليس من ضمانات لمسيحيي القرى الحدودية في الحفاظ على وجودهم إذا استمرّت الحرب بين إسرائيل وحزب الله. ولا يمكن القبول بقيام منطقة عازلة ووجود مدنيّين مسيحيّين وغير مسيحيّين مقيمين فيها بسلام”.

وأكمل: “في هذا الإطار تجاهد الكنيسة من أجل تأمين كلّ مقوّمات الصمود لأهلنا في القرى المسيحية الحدودية، الرازحين تحت نير الحروب والويلات. هم في قلبنا وصلواتنا وفي صلب اهتمامنا وسعينا مع سفراء الدول المعنية للضغط على إسرائيل لتجنّب استهداف المدنيين العزّل، لكن يبدو أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لا يريد وقف الحرب قبل تأمين عودة سكّان الشمال إلى مستوطناتهم. في المقابل يستمرّ الحزب في خوض هذه المعركة المدمّرة، فيما الخاسر الأكبر حتى الآن هو لبنان واللبنانيون”.

وأشار الى أن “الحياد الإيجابي هو من صميم النظام السياسي في لبنان كوطن التعدديّة الثقافيّة والدينيّة، وأرض الحوار والانفتاح على جميع الدول. كلّ البيانات الوزاريّة من عهد الرئيس رياض الصلح حتى الرئيس حسّان دياب، كانت تتكلّم عن الحياد والتحييد والنأي بالنفس في السياسة الخارجيّة. ويبقى الحياد الخيار الوحيد للسلام في لبنان، ولحماية بلد الحوار والتلاقي وصاحب الدور السلامي في بيئته العربيّة، من دون أن يتخلّى عن تبنّي القضايا العربية المحقّة، وفي طليعتها القضية الفلسطينية”.

وقال: “نصلّي إلى الله كي يتدخّل ويوقف الحرب، ويقيم السلام العادل والشامل، على أسس القرارات الدولية، وأبرزها قرار حلّ الدولتين”.

وشدد على أن “الحزب يجب أن يستخلص‏ العِبَر من هذه الحرب المدمّرة التي هجّرت فيها إسرائيل مليوناً ونصف مليون لبنانيّ، وقتلت الآلاف من الأبرياء وعشرات الألوف من الجرحى. وما زالت هذه الوتيرة تتواصل كلّ يوم وسط صمت عربي ودولي فيما يدفع لبنان تكراراً ثمن الصراع مع إسرائيل”.

ورداً على السؤال عن الحل لسلاح الحزب أجاب: ” بالعودة إلى اتفاق الطائف، سيادة لبنان تقتضي حصر السلاح بيد الجيش اللبناني وبالتالي يجب تقوية الجيش ودعمه فهو حامي السيادة وسلامة الأراضي اللبنانية”.

ورداً على السؤال إذا تنفيذ القرار 1701 يمكن أن يحصل من دون تنفيذ مواز للقرارين 1559و 1680 قال: “الكلام اليوم محصور بتنفيذ القرار 1701”.

وتخوف إذا استمرّت الحرب مع المزيد من الهدم والنزوح “من مشاكل بين المواطنين”.

ودعا “للتروي ورصّ الصفوف والمحافظة على الوحدة الداخليّة وعلى العيش المشترك الذي يميّز لبنان. وفي كل حال نحن ما زلنا نعيش – كما يُفترض – في ظل دولة قانون ونظام تحفظه الأجهزة القضائية والأمنية التي عليها القيام بمسؤولياتها من أجل صون الحقوق والأمن الداخلي والتصدّي لأي فتنة”، مشدداً على “التزام جميع القوى السياسية بهذه الثوابت”.

ورداً على السؤال عن تخوّفه من ذوبان ديموغرافي مسيحي دراماتيكي في المدى المنظور على أثر الهجرة الكثيفة للمسيحيين قال “الهجرة كثيفة لدى المسيحيّين كما لدى المسلمين. المهمّ أن يحافظ الجميع على ممتلكاتهم في لبنان وعدم التسرّع في بيعها وإلّا سوف يندمون. وعليهم أن يسجّلوا وقوعات نفوسهم في الخارج، أي الولادات والزيجات والوفيات لدى البعثات القنصليّة والسفراء، للحفاظ على قيودهم الشخصية في سجلات النفوس ولوائح الشطب”.

أضاف: “الكنيسة تحافظ على مؤسّساتها لكي توفّر فرص عمل لأكبر عدد ممكن. والأوقاف مفتوحة لكل من لديهم مشاريع زراعيّة وسكنيّة وسياحيّة واقتصاديّة. وهذه توفّر فرص عمل ووسائل عيش. لكنّ الحلّ الجذري والشامل هو لدى الدولة في مشاريعها الإنمائيّة والاقتصادية والتجاريّة والماليّة، ولا أحد يستطيع أن يحلّ محلّ الدولة”

وختم:” نأمل أن ينعم لبنان بالسيادة على كامل أراضيه بجيشه وقواه الأمنيّة، وبسلطته السياسيّة الواحدة، وبقراره السياسيّ الواحد الذي يعبّر عن إرادة جميع اللبنانيين المخلصين لوطنهم والموالين له وحده، بروح الدستور والميثاق الوطني، وأن ينعم بحياده الإيجابيّ الناشط. لأن حياده هو ضمانة لازدهاره ولعيش أبنائه بسلام وأمان، ولاستعادة دوره في العالمين العربي والدولي”.

المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: