كتبت ديامان رحمة جعجع: في غمرة الأحداث الهادرة كشلال متفجّر، يفوق قدرتنا على التصديق أو التحليل أو الفهم، يبدو أي تعبير قليلاً، فماذا نفعل لنقول إننا فرحون؟
نعم نحن فرحون حتى الدمع، لقد سقط النظام السوري متمثلاً بشبه رجلٍ ضاع بلا أثر.
الحدث في دمشق بلا ضربة كفّ، وردُّ الفعل في بيروت حيث الكفوف تنثر الأرز وتصفّق فرحاً.
بعض الفرح اليوم بانهيار أكثر الأنظمة جرماً له طعمُ الانتصار، بأثمانٍ دُفعت على مدى عقود.
آلاف المقاومين المسيحيين قبل أي أحد آخر، لهم ان يحتفلوا ويرقصوا ويغنوا ويبكوا.
أولئك ورفاقهم وقياداتهم قاوموا باللحم الحيّ أعتى الجيوش وأكثرها وحشية.
وما أدراك ما النظام السوري بأمنه وأذرعه وعملائه؟
نظام دمّر وطننا وحلّل دولتنا واعتقل قادتنا وقتل رفاقنا.
ما أدراك ما هو جيش “الردع” السوري؟
جيشٌ له في الذاكرة العميقة رائحة وصوت،
رائحة المازوت وصوت المعذّبين، جيشٌ يشبه العصابات ووحوش البراري، جيشٌ فقيرٌ حقيرٌ شحّادٌ لئيم.
جيشٌ بوجه جافّ حقود كوجه حافظ الأسد،
وبأداء مجرم غبيّ لشبه كيان كأداء بشّار الأسد.
لا تتسع قطعة مكتوبة، ولا تحقيق مصوّر، لتاريخ من الاضطهاد والقتل مارسته سوريا وأزلامها في لبنان، لا ذاكرة يمكنها أن تستحضر اليوم كل الألم الذي عشناه، أن تختصر كل الوجوه التي استُشهدت، كل الصور التي رُفعت، كل التوابيت التي رُقّصت.
نحتاج لحياة كاملة لنروي ونكتُب تاريخ الاحتلال السوري، وتاريخ العمالة اللبنانية له حتى ساعته الأخيرة.
هذا اليوم الذي تأخّر كثيراً، هو يوم قيامة لبنان، هو يوم العدالة الألهية، كأنّه كثيرٌ على استيعابنا أن نشهد في أسابيع قليلة على انكسار طاغيتين، واحدٌ في الداخل أعاث في البلاد بلطجةً وقتلاً وظلماً، وآخر من الخارج شكّل الغطاء الأمني ثم السياسي لآلة القتل تلك.
كأنه كثيرٌ على آمالنا أن نرى معتقلين في أقبية العذاب السورية، كأنهم اليعازر القائم من القبر.
لنا، نحن أبناء هذه الأرض، في كل ساحة ودسكرة من المناطق التي احتلها السوري، قصة مقاومة أثمرت حريّة، لنا عند كل مفترق سياسي، نضال أثمر البقاء.
واليوم هذه اللحظة ملكُنا: سنعبر منها إلى تثبيت وجودنا ونهائية كياننا، كيان يحفظ تمايزنا واختلافنا وحريتنا.
قولوا الله.