توجه بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للروم الأرثوذكس يوحنا العاشر، في العظة التي ألقاها في قداس الأحد في كنيسة الصليب المقدس في دمشق، إلى “قلوب أبنائنا في هذا الوطن العزيز، وأضع يدي بيدكم في هذا الزمن الحساس كي نلقي رجاءنا جميعاً على الخالق العزيز أبي الأنوار وإله كل تعزية كي يمسح من قلوبنا كل اضطراب ويكللها برجائه القدوس ويقوينا لنتلمس الغد الأفضل”.
وقال: “نحن على أعتاب مرحلةٍ جديدةٍ نتلمس منها فجر وطنٍ نحبه جميعاً ونعشقه. نحن على أعتابِ جِدّةٍ نريدها مشرقةً بالأمل ونرجوها متوجةً بالنور. نحن ههنا في دمشق، من الطريق المستقيم من المريمية جارة جامع بني أمية نقول للدنيا نحن كمسيحيين من تراب الشام ومن أرز لبنان، من شموخ قاسيون ومن رحابة حمص وأصالة حلب، من نواعير حماه وهدير ينابيع إدلب، من بحر اللاذقية ومن فرات دير الزور. لسنا ضيوفاً في هذه الأرض، ولسنا أبناء اليوم ولا الأمس. نحن من عتاقة سوريا ومن ياسمين الشام. نحن من أنطاكية الرسولية، من هذه الديار التي صبغت المسكونة باسم يسوع المسيح. نقول هذا ونرسمه عهداً. نقوله لأبنائنا ونقوله لإخوتنا ولشركائنا في الوطن ونقوله أمام بارئنا الذي سُرَّ أن نكون في هذه الأرض مع غيرنا، مع الأخ المسلم، الذي نتلمس وإياه مرضاة رب العالمين سيد السموات والأرض. قلتها سابقاً وأكررها الآن: “إخوتي المسلمين، ما بين النحن والأنتم تسقط الواو، ويبقى نحن أنتم، وأنتم نحن”. فنحن سويةً أصحاب تاريخٍ مشتركٍ بكل صواعده ونوازله، ومصيرنا مصيرٌ واحد”.
أضاف: “نحن في سوريا بلد الشراكة الوطنية التي كانت وستبقى بإذنه تعالى واحدةً موحدةً بوحدة ترابها وأولاً وأخيراً بوحدة قلوب أبنائها من كل الأطياف. مددنا يدنا، كمسيحيين، مذ وجدنا ونمدها اليوم إلى كل أطياف ومكونات هذا الوطن. نحن أبناء سوريا الحلم الذي يصبو إليه كل سوري. وسوريا التي نريدها هي:
• سوريا الدولة المدنية: التي يتساوى الجميع فيها بالحقوق والواجبات، بما في ذلك الحفاظ على قوانين الأحوال الشخصية لكل مكوِّنٍ من مكوناتها.
• سوريا دولة المواطنة: فنحن لا نستجدي مواطنيتنا من أحد. نحن مكونٌ من هذا النسيج الوطني الذي يأبى أن يتعاطى بمنطق الأكثرية والأقلية ويتجاوزه ويتخطاه ليتعاطى بمنطق الدور والرسالة. على بعد أمتارٍ منا كنيسة أو بيت يوحنا الدمشقي جليس بلاط بني أمية. نحن من كنيسة بطريرك الرحمة غريغوريوس حداد الذي مشت دمشق برمتها بمسلميها ومسيحييها وراء جثمانه.
• سوريا دولة العيش المشترك والسِّلم الأهلي: نمد يدنا إلى الجميع كما كنا دوماً، ونناشد القريب قبل البعيد الحفاظ على السلم الأهلي وعلى الشراكة الوطنية. ونناشد الجميع التطلع إلى غدٍ مشرقٍ نبنيه سويةً بأمل ورويّةٍ ورجاء. نقول هذا لا لنتغنى بماضٍ سلف بل لنرجو مستقبلاً يأتي. نقول هذا ونحن نتنشق الحرية من أصوات أجراسنا التي كانت وتبقى وستبقى تعانق المآذن وتناجي وإياها ساكن العلى وتعمل وتسعى وإياها لتكون على قلبٍ واحدٍ.
• سوريا دولة القانون واحترام الأديان: كيف لا وجميع مكوناتها ركاب قاربٍ واحدٍ يأبى منطق الحماية والذمّية. نقول هذا وعيننا على وطنٍ يكرس دولة القانون واحترام الأديان والكرامة الإنسانية التي على أساسها تبنى كرامته.
• سوريا دولة احترام الحريات الجماعية منها والفردية: هذه الحرية المسؤولة المبنية على دولة مؤسساتٍ مدنيةٍ تضمن المساواة بين الجميع والدعوة إلى إشراك النساء والشباب لإعادة بناء سوريا. كما تضمن أن جميع السوريين متساوون أمام القانون، ولهم كلهم الحق بالمشاركة في الحياة السياسية وتولي المناصب العامة على أساس الكفاءة من دون أي تمييز.
• سوريا دولة الديمقراطية: حيث السيادة للشعب، والقانون هو الحَكَم، ويتم تداول السلطة فيها بطرق سلمية.
• سوريا دولة احترام حقوق الإنسان: من خلال ضمان استقلالية القضاء وتكافؤ الفرص بين جميع أبنائها، مع التشديد على أهمية الالتزام بالقانون الدولي لحقوق الإنسان، ورفض جميع أشكال العنف وخطابات الكراهية والتمييز.
وإن الضامن الأول والأخير لتحقيق كل ما ذُكر هو الدستور، ولذلك يجب أن تكون عملية صياغة الدستور عمليةً وطنيةً شاملةً وجامعة”.
وتابع: “ننوه من ههنا إلى أن المسيحيين ليسوا مادة للتجارة الإعلامية. إذ يجب علينا الانتباه إلى كيفية التعاطي مع وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي وما تبثه من إشاعاتٍ كثيرة تنتشر دون أي حسٍّ بالمسؤولية. كما ننوه أيضاً إلى ضرورة التمييز ما بين الانتباه والتعقُّل من ناحية، والخوف من ناحية أخرى. فنحن لا نتعاطى بخوفٍ مع بقية إخوتنا السوريين، لأن المحبة هي الرابط الذي يجمعنا كلنا، فـ “الْمَحَبَّةُ الْكَامِلَةُ تَطْرَحُ الْخَوْفَ إِلَى خَارِجٍ لأَنَّ الْخَوْفَ لَهُ عَذَابٌ. وَأَمَّا مَنْ خَافَ فَلَمْ يَتَكَمَّلْ فِي الْمَحَبَّةِ” على قول الإنجيلي البشير يوحنا””.
وختم: “نحن على أعتاب الميلاد وفي زمن رجاء طفل المغارة، أسأل الله أن يحفظ سوريا ويلهم القيمين عليها في هذه المرحلة لما فيه خير هذا البلد وخير هذا الشعب الطيب الذي يستحق الحياة ويرى الرجاء في عيون أطفاله. ومن هذا الرجاء نطل اليوم ونشدد ونضع نُصب أعيننا “الله في وسطها فلن تتزعزع”، هو المبارك إلى الأبد، آمين”