قراءة جيو سياسية للوضع الإقليمي في ضوء الزلزال السوري

firing assads picture

كتبَ جورج أبو صعب: لا تزال كرة الثلج السورية المتدحرجة إقليمياً تكبر منذرةً أكثر فأكثر بتداعيات من الخطورة والأهمية بمكان أنها قد تصل بأسرع من المتوقّع الى رأس النظام الإيراني.

في الحقيقة، لم يكن ليحصل ما حصلَ في سوريا لولا ما حصلَ في لبنان وما حصلَ في غزّة، وغداً لناظره قريب في اليمن فالعراق لولا وجود قرار استراتيجي متّخَذ في أروقة القرار الدولية والإقليمية لإنهاء النفوذ الثوري الإيراني في المنطقة وإنهاء خطر المشروع النووي والتخصيب المتقدّم.

إن المنطقة في لحظة التقلّبات والمتغيّرات الضخمة حيث أن إدارة الرئيس دونالد ترامب بدأت من الآن ممارسة الضغوط على الإيرانيين من منطلقين: إنهاء أذرعها في المنطقة وتسوية الملف النووي بما يُخضِع منشآت إيران للتدقيق والمراقبة والضبط الكاملَين تحت طائلة ضرب المشروع برمّته.

سقوط حسن نصرالله الأمين العام الراحل لحزب الله أدّى الى سقوط المشروع الصفوي التوسّعي في المنطقة، وسقوط بشار الأسد ونظامه أدى الى سقوط الهلال الإيراني الشيعي الصفوي في المنطقة وتحطم القدرة الإيرانية على السيطرة الإقليمية.

وكالة رويترز ذكرت منذ فترة وجيزة أن بشار الأسد أبلغَ الإيرانيين بأن تركيا هي التي تدعم جبهة تحرير الشام لإسقاطه، وقد حاولت طهران ثني أنقرة عن الضغط العسكري على بشار الأسد لكن القرار كان قد اتخُذ بضرورة إسقاط الأسد والقضاء على نظامه.

سقوط الأسد ونظامه هو في الواقع سقوطٌ إيراني مدوي في أقوى وأدق وأخطر امتحان لقدرات إيران وديبلوماسيتها حيال مَن كان حليفاً لها في منصة استانا أي الحليف التركي، وقد تُرجِم هذا العجز الإيراني بالفشل في حماية الأسد ومنع إسقاطه، مع الإشارة الى الأزمة الداخلية التي انفجرت إبّان سقوطه في صفوف مسؤولي وقياديي الحرس الثوري.

هذا المعطى الاستراتيجي يجد امتداداً له في التحالفات الخليجية مع تركيا، من ضمنها قطر والإمارات والسعودية والكويت وسلطنة عُمان، وقد ظلّلت كلها تحت عباءة مبادرة اسطنبول ٢٠٠٤ بين تركيا ودول مجلس التعاون الخليجي، خصوصاً وأن تركيا تعني الناتو ما يفيد بأن العلاقات العربية- الخليجية- التركية هي واقعياً وفعلياً وسياسياً واستراتيجياً علاقات مع الناتو.

المنطقة الآن أمام زوال خطرين أساسيين: إيران ونفوذها والإسلام السياسي ونفوذه بحيث برزت مجدّداً “القوة الثالثة” وهي أساسية وهي الناتو ما دفعَ وسيدفع دول المنطقة للتعاون معها ومعها فقط في المرحلة المقبلة.

في المقابل، يمكن اعتبار أن ذهاب الإخوان من مصر وإيران وسوريا هو وجهين لعملة واحدة ومؤداهما تحقيقُ نصرٍ استراتيجي للخليج والعرب، وانتصار مبادرة اسطنبول على مبادرة روسيا – إيران واستانا في المنطقة.

الدور التركي هو دورٌ محوري وأساسي في ما حصلَ وسيحصلُ لا سيما وأن تركيا تحافظُ على الجانب الجنوبي للناتو من صراع إيران والإخوان من الناحية الجيو سياسية، فتركيا لم تعد “إخوان” والعثمانية القديمة سقطت مفهوماً وفلسفةً مع اردوغان على حساب تدعيم الدور التركي في المنطقة باسم الناتو.

ومن هنا، يمكن القول إن انخراط تركيا في منصة استانا من أجل الملف السوري لم يكن سوى الوجه الآخر لانخراط الناتو مع تركيا في الملف السوري، فيما منسك- استانا كانت تنظم علاقة الناتو بإيران من خلال تركيا.

من هنا، يمكن فهم لقاء العقبة الأخير بين وزراء خارجية دول المنطقة العربية والخليجية والأميركيين حيث بات واضحاً الاتجاه العام نحو العملية السياسية الدولية العربية المتمثّلة بتنفيذ للقرار ٢٢٥٤ بما يعني انتهاء الدورَين الإيراني والروسي في سوريا، وبالتالي خروج إيران وروسيا من سوريا وهذا ما تحقّق في الساعات القليلة الماضية، وبالتالي عادت سوريا الى جنيف وخرجت نهائياً من استانا ومعها بات السنّة في المنطقة موالين لواشنطن والناتو، وأحمد الشرع يعبّرُ عن ذلك برفضه مواجهة إسرائيل وبرفضه الحرب ضدها.

في الحسابات الدولية، يمكن القول إن روسيا تخلّت عن الأسد كما تخلّى الاتحاد السوفياتي في السابق عن صدام حسين ومعمر القذافي، فوسط كل هذه التطورات المتسارعة والمتدحرجة إقليمياً سقط محور “المقاولة والممانعة” حتى أن وئام وهاب أحد رجال نظام الأسد في لبنان نعى المحور ونعى الممانعة علناً.

في ظل كل هذه التطورات، من الواضح تماماً أن تركيا ستتحوّل الى مواجهة إيران في المرحلة المقبلة والتحالفات الحقيقية ستعود سعودية- أميركية وتركية- أميركية، فيما سلطنة عمان ستطردُ الحوثيين من مسقط، وبالتالي لا تحالفات مع إيران والخليج بعد اليوم والقرار في سوريا أميركي- تركي- جولاني.

ومما لا شك فيه أيضاً أن تركيا انتقمت من بشار الأسد الذي رفض التحدّث والاجتماع مع الرئيس التركي رجب طيب اردوغان رغم الدعوات التركية المتكرّرة والمحاولات الروسية للتأثير على الأسد.

وسط كل هذه التقلّبات الإقليمية، دعونا نبقي عيناً على أذربيجان والأذربيجانيين في إيران الموالين للأتراك، إذ يمكنهم في المستقبل التحرّك لضرب إيران من الداخل بإيعاز تركي مباشر.

في المفهوم الاستراتيجي، عادت الخطة القديمة المتجدّدة منذ ٢٠٠٣ الى الواجهة وحتى قبل الهجوم على العراق: لبنان والعراق والسودان وسوريا واليمن وليبيا وإيران كُتِبَ لها أن تكون مصنّفة على أنها تلك التي تتغيّر فيها الأنظمة، وقد سقطت بالفعل تلك الأنظمة الواحد تلو الآخر وتباعاً الى حين وصول الرئيس دونالد ترامب لإسقاط رأس النظام الإيراني بنفسه.

المنطقة دخلت الفترة الأصعب والأدق والأخطر من الآن وحتى دخول الرئيس ترامب البيت الأبيض، وبالتالي السباق الكبير بدأ بين بقايا مشروع الهيمنة والنفوذ الإيراني المتبقّي وبين مشروع السلام والانتهاء من أذرع إيران الإقليميين وتدجين الملف النووي الإيراني، فالمنطقة على بركان متفجّر مجدّداً وربما لآخر مرة ترتسمُ ملامح النظام الإقليمي الأميركي الجديد.. فالزلزال تحرّك وضرب وسيضرب مجدّداً، وهذه المرة بتدمير أكبر لكن بحسمٍ أكبر.. فإيران تعاني داخلياً وخارجياً وساعة الضغوط القصوى حانت.

المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: