تحقّق انهيار محور إيران في المنطقة 

IRAN1

كتب جورج أبو صعب:

باستثناء بيانات طهران ومواقف قيادات الحرس الثوري حول أن إيران قوية وأن المحور لا يزال قوياً، وباستثناء تخيّلات الشيخ نعيم قاسم في إطلالاته الجوفاء التي، ومعه أبواق الحزب الإعلامية والسياسية ومحاولاتها الالتفاف على العبارات والكلمات وابتكار معاجم لغوية عربية للمفردات والكلمات والأوصاف والعبارات لا تستطيع إخفاء حقيقة ساطعة سطوع الشمس: إنتهاء زمن المحور الإيراني ليس فقط في لبنان بل في المنطقة.

ونسألُ مع السائلين: إين إيران وجيوشها وحرسها الثوري وصواريخها البالستية بأسماء وأرقام الأبجدية وجدول الحساب والأخرى الفرط صوتية والعابرة للقارات للدفاع عن وكلائها لا بل عن وجودها ونفوذها في المنطقة ؟!

نظام الملالي أدرك تلك الحقيقة فيما "صِبيتُه" في المنطقة من حزب الله والحوثي لا يزالون، وتحت تأثير جرعات زائدة من الكابتاغون والقات "يهلوسون" حول انتصارات وفتوحات ومقاومة ...

إنها الحقيقة المُرّة لهذا المحور ولكنها الحقيقة: إنتهت أسطورة المقاومة، بعدما فشلت تلك وعلى مراحل في حماية لبنان ومن ثم في حماية الوجود الشيعي تحديداً في الجنوب ومن ثم في حماية الحزب نفسه وقادته من رأس الهرم الى أسفله، تماماً كما عجزت طهران وحرسها عن حماية إسماعيل هنية في قلب عاصمتها وعجزت عن حماية وإنقاذ حماس ويحيى السنوار في قلب أتون المعركة في غزّة.

وإذا كنا نريد تصديق المواقف الإيرانية النافية لضلوعها في تصفية قادة ميليشياتها مقابل أثمان أو تقديم أوراق اعتماد تمهيداً لمفاوضات مقبلة أو صفقة مرتجاة،

فالمنطقة الآن أمام المرحلة الأصعب ألا وهي مرحلة استكمال القضاء على أذرع إيران وصولاً الى محاصرتها، وهي من الآن محاصرة وقد فقدت الورقة الفلسطينية في غزّة، والورقة اللبنانية من خلال إضعاف حزب الله، والورقة السورية من خلال سقوط نظام بشار الأسد، وغداً لناظره قريب وموجع إسقاط الحوثيين في اليمن، فيما العراق يجهدُ لإبعاد هذه الكأس عنه.

أمام هذه المحاصرة الإيرانية إقليمياً باتت طهران، وعشية دخول الرئيس المنتخب دونالد ترامب البيت الأبيض، تتمسّك أكثر فأكثر بما تبقّى لها من أوراق (وهي لم تعد كثيرة) ومنها لبنان في الطليعة.

من هنا، فإن النظام الإيراني المنسحب تراجعياً تحت وطأة الضربات على أذرعه سيتمسّكُ أكثر فأكثر بالورقة اللبنانية وتحديداً بورقة حزب الله الذي، وكما سبق لنا وأشرنا في مقالات سابقة، يحاولُ النظام الإيراني إنقاذ ما تبقّى منه والحفاظ على دوره السياسي أقله في المرحلة المقبلة.

إنطلاقاً من هذه المعطيات، فإن طهران لن تسهّل انتخاب رئيس للجمهورية في لبنان ما لم تضمن لحزب الله الحدَّ الأدنى من مقوّمات البقاء، والتي بات منالها صعباً جداً بعد حرب أيلول، سواء داخلياً حيث لم يعد اللبنانيون في وارد القبول باستمرار تسلّط السلاح على القرار الرسمي، ولا باستمرار غطرسة سلاحه في الداخل اللبناني، ما يستتبعُ تحدياتٍ مصيرية جمّة على لبنان لا سيما وأن التبدّلات الجيو سياسية في سوريا وسقوط نظام السند الإيراني – الأسدي فرضت على مساحة المنطقة تبدّلات وتغييرات لا بل انقلاباً كبيراً في المشهد، ليس أقله شدّ عصب المحور العاكس للمحور الإيراني- الشيعي- الصفوي وفي طليعته محور السنّة في دول المنطقة بدءاً من سوريا وامتداداً الى لبنان (حيث للسنّة حسابات مزمنة مع إيران ومحورها من اغتيال الشهيد رفيق الحريري وصولاً الى إطلاق الموقوفين الإسلاميين من السجون اللبنانية وليس انتهاءً بوصول السلطات السورية الى مرحلة المطالبة بتسليم السوريين عناصر وقيادات حزب الله المتورطين بقتل الشعب السوري)، لذلك نقول إن الزلزال السوري نقلَ مركز ثقل ولادة الشرق الأوسط الجديد على امتداد الإقليم من إسرائيل وفلسطين الى سوريا حيث لا نبالغ إن قلنا بأن سوريا بعد سقوط الأسد باتت "المعيار والبوصلة" الحقيقية للتغييرات الإقليمية والأساس في إحداث هذه التغييرات، إذ من خلال سوريا وما حصل فيها تحقّقَ أمران أساسيان: الأول تحطّم "الهلال الإيراني الشيعي الصفوي"، وقد أدّى ذلك الى عزلة حزب الله في لبنان وخسارة إيران خزان نفوذها الإقليمي وسندها السوري لها ولأذرعها، والثاني تغلّب العامل السنّي العربي والتركي على العامل الشيعي الفارسي الصفوي، ما يعني انتقال المنطقة من معادلات قديمة الى معادلات جديدة للبناء عليها.

إسرائيل من جهتها مستمرةٌ في مهمتها: تصفية أذرع إيران بتكليفٍ أميركي واضح، وهي التي تخلّت عن بشار الأسد يوم بات الأخير يشكّلُ عائقاً وثقلاً عليها بعدما لم يعد بإمكانه ضمان أمن الجولان وأمن إسرائيل،  التي تسعى حالياً الى أن يكون "الكلمة الفصل" في رسم الشرق الأوسط الجديد، وقد ازداد سعيها صعوبة بعد ما حدث في سوريا وسقوط نظام الأسد بالسرعة التي سقط فيها، ما يفرضُ إعادة خلط للأوراق الإقليمية والدولية في ظل إضعاف التأثير الروسي ومحاصرة إيران وعزلها.

انهيار المحور الإيراني تحقّقَ ويُستكمل فصولاً يوماً بعد يوم، وأمامنا أسابيع صعبة سواء في لبنان أو المنطقة لأن السيناريوهات لم تكتمل فصولاً والوضع السوري في مرحلة انتقالية دقيقة ومعقّدة النواحي والاتجاهات، والحرب حطّت رحالها في لبنان وسوريا واليمن... وهي مرشّحة لتتكرّر في لبنان ومرشحة لأن تتصاعد في سوريا في محاولة لإعادة عقارب الساعة الى الوراء (وهي لن تعود لأن ما كُتب وتمَّ الاتفاق عليه بتوافقٍ إقليمي ودولي ضد إيران وأذرعها العسكرية لا عودة عنه) ما يطرح مجدّداً القلق على مصير اتفاق وقف النار في لبنان في ظل المؤشرات المتنامية الى عودة الحرب مع إسرائيل .

المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: