العهد الجديد يحيي “ثقافة 14 آذار” من جديد

JOSEPH NAWAF

“وبعد أن خرجت إسرائيل، أفلم يحن الوقت للجيش السوري ليعيد النظر في انتشاره تمهيدا لانسحابه نهائياً، عملاً باتفاق الطائف… لقد مهّد “من حرّر الجنوب” السبيل للدولة لتبسط سلطتها على جميع أراضيها عملا بالقرار 425 الذي تحرّر الجنوب دون تطبيقه عمليا. أما حان الوقت لتبسط هذه الدولة سلطتها فعليا ليشعر الناس بأنهم أصبحوا في حمايتها وليتشجّعوا ويعودوا إلى بيوتهم وعيالهم وأرزاقهم؟”، من بيان اجتماع المطارنة الموارنة تاريخ 20 أيلول 2000.

لا يختلف إثنان على الدور الاساس والمؤسس للبيان المذكور برعاية البطريرك مار نصرالله بطرس صفير ومواكبة لقاءات قرنة شهوان ومتابعة القوى السيادية الأخرى في لقاءات البريستول، في الوصول الى انتفاضة الاستقلال في 14 آذار 2005 والاستقلال في خروج الاحتلال في 26 نيسان 2005.

لا يختلف اثنان كذلك على اهمية الدور الذي لعبه الجيش اللبناني بقيادة العماد ميشال سليمان في مواكبة التحركات الشعبية لـ”ثوار الأرز”، اذ كان مطلوباً منه بقمعهم وازالة خيمهم وقمع معارضتهم واعتراضهم بالقوة حسب أوامر وزراء وأجهزة النظام الامني السوري اللبناني.

لقد رفع المنتفضون الثوار في تلك المرحلة بالاضافة الى شعارات السيادة والحرية والاستقلال والحقيقة شعار “حب الحياة” بمواجهة “ثقافة الموت” التي انتهجها من اغتال الرئيس رفيق الحريري ومن استهدف قافلة شهداء ثورة الأرز الاحياء منهم والاموات.

مطلب الحرية والسيادة والاستقلال والحقيقة في التحقيق بعد ان كان قبل عشرين عاماً في انفجار السان جورج، عاد وتجلّى مدوياً صريحاً واضحاً في خطاب القسم للرئيس العماد جوزاف عون القائد الآتي من الجيش اللبناني حرية وسيادة واستقلال وحقيقة في التحقيق في انفجار مرفأ بيروت، وقائد الجيش جوزاف عون هو أيضاً لم يرض ورفض تنفيذ أوامر السلطة بقمع ثوار 17 تشرين الاول 2019 وتجميد حراكهم واطفاء ثورتهم… بالاضافة الى الحرية والسيادة والاستقلال والحقيقة

 “نفخ” الرئيس جوزاف عون الروح وأنعش بالأمل احياءً لـ”ثقافة الحياة” ودحراً  لـ”ثقافة الموت” عن برنامج حكمه وحكومته العتيدة معبراً مصرّحاً مصارِحاً لدى استقباله الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون في 17 كانون الثاني 2025: “من الآن وصاعداً نحن طلاب حياة لا موت فيها”، ليلتقي كذلك مع ما ورد في رسالة المواطن الجنوبي التي تلاها البطريرك بشارة الراعي خلال عظته في 28 كانون الثاني 2024: “ليس تخلياً عن القضايا الوطنية والعربية، نرفض أن نكون رهائن ودروعاً بشرية وكبش محرقة لسياسات لبنانية فاشلة ولثقافة الموت التي لم تجر سوى الانتصارات الوهمية”.

طبعاً كما تعارَضَ تشديد الرئيس الجديد على “احتكار الدولة لحمل السلاح” و”مسؤولية الدولة “مكررة” بالحماية والمقاومة وحدها” وبسط سلطتها بقواها الشرعية الذاتية وحدها على كامل الاراضي اللبنانية” في خطاب القسم، مع حزب السلاح ومؤيديه، تعارضت مناداته بثقافة الحياة ونبذ ثقافة الموت مع ثقافة الحزب نفسه بما يحمله هذا الأخير من عقيدة وما مارسه من ارتكابات بحق نفسه وبيئته قبل الآخرين من الشركاء في الوطن والأعداء.

لقد عبّر الحزب عن هذا الخلاف والاختلاف بين الثقافتين في مراحل عديدة لن تكون آخر تعابيرها ردة الفعل الغاضبة المنددة المهددة بعد انتخاب قائد الجيش العماد  جوزاف عون وتكليف القاضي السفير نواف سلام.

في العودة الى ثقافة الحزب المناوئة لثقافة اللبنانيين ورئيسهم نتوقف الى ما نقلته صحيفة السفير عن الامين العام للحزب السيد حسن نصرالله تاريخ الثالث من تموز 1991: “الدنيا في فكر الحزب فانية نحن قوم ننمو ونكبر في الدمار”… تمجيداً لتلك “الثقافة” وفي مقابلة مصورة له يقول السيد نصرالله حرفياً عن العمليات “الانتحارية” مقابلة مصوّرة: “هذه المعاني تجعل الإنسان يُقاتل أو يركب، كما قلت، شاحنة ويدخل ليفجّر نفسه ويستشهد. يدخل مطمئن القلب مبتسماً سعيداً لأنه سينتقل. الموت في عقيدتنا ليس فناء وليس نهاية شيء وإنما هو بداية حياة حقيقية، وأفضل تشبيه للإنسان الغربي حتى يفهم هذه الحقيقة تماماً كما لو كان هذا الشخص في داخل حمام السونا وبعد ساعات عديدة، وعطشاناً جداً ومتعباً جداً، “مشوّب” على درجة عالية من الإنفعال بالحرارة، وقيل له إذا فتحت الباب ستدخل إلى غرفة ناعمة وهادئة. الكوكتيل ينتظرك والكلمة الطيبة والموسيقى الكلاسيكية. سيفتح الباب ويدخل بكل سعادة. لا يشعر أن ما تركه غالٍ، بل يشعر أن ما هو قادم عليه أغلى بكثير. لا أستطيع أن أجد مثالاً آخر الآن لأوضح هذه الفكرة لإنسان غربي”.

في تحقيق أوردته مجلة روز اليوسف المصرية تحت عنوان “ميليشيات الأطفال في حزب الله” في 18 آب 2006 يتحدث بشكل خاص عن كشافة المهدي التي اسسها الحزب عام 1985 ترخيص رقم 1992-563،  نقلت فيه الصحيفة حديثاً أدلى به نعيم قاسم نائب أمين عام حزب الله الى إذاعة راديو كندا، يقول فيه: “إن أمة تملك أولاداً مستعدين للتضحية بأنفسهم في سبيل الله هي أمّة منتصرة”… مخالفاً مناقضاً متخطياً  المعاهدات والمواثيق الدولية التي تمنع الاطفال من المشاركة في الحروب وتعتبر إشراكهم فيها سلباً لحريتهم وانتقاصاً من حقهم بالإختيار والتمييز، لأن هذا الحق لا يكتمل إلا ّعند بلوغهم سن الرشد.

من الضروري الاشارة ومن السياق نفسه “عشق الحزب لثقافة الحياة” الى ان  الجمعية الراعية لكشافة المهدي تعرّف عن  نفسها على أنها جمعية تربي الكشفيين (من عمر 6 الى 16 سنة) على ثقافة المقاومة والفداء. والأهم في ما تورده إنها قدمت عدد كبير من الشهداء من قادتها وعناصرها على رأسهم من اطلقت عليهم الجمعية صفة ومهمة “الإستشهاديين”.

هذا المسار الطويل للحزب المعبّر عن حقيقة “ثقافته” قرأه ثوار 14 آذار 2005 وثوار 17 تشرين الأول 2019 وفهموا استحالة التقاء وازدواجية وخلط “ثقافتي الموت والحياة” فيحاول الحزب جاهداً  فرض الثقافة الأولى على اللبنانيين جميعاً معاً وقد عبّر  عن هذه المحاولة السيد نصرالله في 11 تموز 2024 بقوله: “اليوم نحن على بوابة ذكرى حرب تموز 12 تموز 2006، نحن من خلال المقاومة ننتمي إلى هذه ‏المدرسة التي تكلمنا عنها، إلى هذه الثقافة، ثقافة الحياة الحقيقيّة التي نرى أن المقاومة فيها تصنع الحياة وأنّ ‏الشهادة فيها تصنع الحياة”، وليكون ردّ الرئيس الجديد مباشراً دقيقاً على نصرالله وحزبه وثقافته بقوله في 17 كانون الثاني 2025: “من الآن وصاعداً نحن طلاب حياة لا موت فيها”… ملتقياً في العمق والمضمون مع فيلسوف “الحياة والثورة والحريّة” اللبناني جبران خليل جبران الذي ردَّ في كتابه “رمل وزبد”: “إذا قال الشتاء: إن الربيع فى قلبي.. من ذا يصدق الشتاء؟”..

المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: