“التأليف”.. بين مطرقة أساليب الأمس وسندان خطاب القسم

nawaf salam

كتب جورج أبو صعب:

من الواضح من الأيام القليلة الماضية والمواقف التي برزت من أكثر من مسؤول وفي طليعتهم رئيس مجلس النواب نبيه بري والرئيس المكلف نواف سلام، أن عملية تشكيل الحكومة دخلت المرحلة الدقيقة والمصيرية لجهة الحقيقة: فإما الاستمرار في النهج السابق من المحاصصات والمسايرات للثنائي الشيعي، إما تثبيت نهج جديد يقلب الطاولة على أساليب التحاصص والخضوع للثنائي الشيعي .

إنها فعلاً ساعة الحقيقة التي تعيشها عملية التأليف: فالثنائي الشيعي وتحديداً حزب الله يسعى، انطلاقاً من وهم انتصارات ما، الى إعادة عقارب الساعة الى الوراء عندما كانت له اليد الطولى في تشكيل الحكومة والامساك بالوزارات الكبرى مع حلفائه، فيما يبدو ان الحزب لم يستوعب حتى الساعة ان الماضي انتهى ولبنان امام مرحلة جديدة من مأسسة الدولة ومنطق الدولة بما ينسجم وخطاب القسم للرئيس جوزاف عون ويسمح بعودة الاهتمام الدولي والعربي والخليجي بلبنان انطلاقاً من فتح صفحة جديدة مع انطلاق عهد جديد قوامه الدولة وقيامها والمؤسسات والدستور وحكم القانون .

في هذا الأطار، تسجل زيارة وزير الخارجية السعودية بن فرحان الى بيروت ولقائه رئيس الجمهورية جوزف عون ورئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي والرئيس المكلف نواف سلام ورئيس المجلس النيابي نبيه بري، لتحمل في طياتها رسائل سعودية وخليجية واضحة مفادها ان انفتاح المملكة والخليج والعرب على السلطة الجديدة رهن بمدى التخلص من تأثير ونفوذ ايران وادواتها في لبنان والذي قاد البلاد الى الخراب والدمار من دون نتيجة تصب في مصلحة لبنان .

من هنا ثمة تحدٍ كبير أمام العهد والرئيس المكلف واذا كان متفاهماً عليه إبقاء وزارة المالية للشيعة لاعتبارات النكبة التي ألمّت بهم في الحرب الإسرائيلية، إلا أن ذلك لا يعني أبداً إبقاء سطوة الثنائي الشيعي وتحديداً حزب الله في فرض وتسمية من يريده من وزراء على الرئيس المكلف، فبغض النظر عن الثنائي الشيعي هناك طرف شيعي ثالث كفوء ونظيف قادر على تمثيل الشيعة في الوزارة العتيدة لكن لا تمثيل الثنائي .

لبنان أمام صفحة جديدة ملؤها الامل والتفاؤل بالمستقبل وبالخروج من دائرة الفساد والتعطيل والتبعية لمحور ايران وهذه الصفحة هي بمثابة الفرصة الأخيرة لنهوض الدولة اللبنانية والشعب اللبناني والمؤسسات الرسمية وفقاً للدستور والقوانين، انطلاقاً من خطاب القسم الذي رسم نوعاً ما الخطوط العريضة لأي بيان وزاري لا يمكن القفز فوقها أو أهمالها أو ضربها عرض الحائط .

إن أي تشكيلة حكومية وأي بيان وزاري لا يمكنهما مخالفة روحية ومضمون خطاب القسم الذي رسم توجهات عامة إصلاحية ونهضوية بالوطن والدولة والمؤسسات استناداً للدستور والقوانين المرعية واعداً بفجر جديد للبنان منفتح على العالم والعالمين العربي والإسلامي والعالم الاوسع، ذاك الفجر الذي لن يتحقق إلا بفضل مساعدة الاشقاء والأصدقاء العرب والخليجيين والذين يتخذون من توجهات العهد أساساً للعودة الى لبنان والاهتمام بإعماره وبنيانه ومستقبل الشعب اللبناني .

إن الهجوم الشرس الذي شنته أبواق الثنائي وبخاصة حزب الله في الأيام القليلة الماضية على الرئيس المكلف نواف سلام، إن دل على شيء، فهو يدلّ على احتدام الصراع السياسي بين المنطق التغييري الجديد والمنطق القديم الفاسد والغاصب لارادة الشعب ومتطلبات قيام الدولة الحديثة بمفاهيم الدستور والثوابت الوطنية والتسريبات التي سيقت من هنا وهناك بحق سلام لم تكن إلا الوجه المعلن من ذاك الصراع في كواليس التأليف بين منطقين وكأن شيئاً لم يتغير في لبنان أو أن حارة حريك لا تزال تحكم من خلال حكومات مطواعة وخاضعة للحزب وأجنداته، في حين تكمن الحقيقة في أن أساليب الماضي انتهت في حكم لبنان وفي التعاطي مع المسائل السياسية والوطنية رغم التسريبات التي انتهى الرئيس سلام بنفيها من على منبر القصر الجمهوري، متنصلاً من أي اتفاق مع الثنائي حول وزارة المالية فلا وعود لأي فريق بأي حقيبة.

قدرة الرئيس المكلف على الاستجابة لمطالب وشروط الثنائي الشيعي وتحديداً حزب الله تحدها أكثر من مانع ليس اقله التضحية بجعل لبنان منبوذاً مجدداً وتوقف أي مساعدات لإعادة إعماره وإطلاق عجلته الاقتصادية والمؤسساتية وعودة القطيعة العربية والخليجية بعودة أساليب عمل الماضي وادواتها .

من هنا يمكن القول إن إدارة ملف تشكيل الحكومة وبقدر ما هو شأن لبناني داخلي إلا أنه بات أيضاً شأناً خارجياً في شروطه ومتطلبات عودة الاهتمام بلبنان وإعادة إعماره، لذا من الصعب أن تأتي تشكيلة حكومية على غرار التشكيلات السابقة كما سيكون من سابع المستحيلات أن يتضمن بيان الحكومة العتيدة إشارة الى شعارات النهج السابق واهمها شعار جيش وشعب ومقاومة وقد بات هذا الشعار من الماضي انطلاقاً من خطاب القسم ومن التوجهات السيادية للرئيس المكلف نواف سلام .

أما التحدي الثاني أمام سلام فيبقى في إنجاز التشكيلة في أقرب وقت ممكن لأن التأخير لن يكون لا لمصلحته ولا لمصلحة العهد في انطلاقته الجديدة، فليس أمام الرئيس المكلّف نواف سالم الكثير من الوقت كما أن ليس أمامه أي مجال للعودة الى الوراء، فالمهمة تقع بين مطرقة القديم البائت وسندان الجديد التصحيحي والاصلاحي.. فلا مجال للخطأ وإلا قضي الامر على العهد وعلى لبنان.

المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: