كتب أنطوان سلمون: لم يكن ما نزل على الثنائي الشيعي وخاصة الحزب في الأشهر القليلة الماضية بالبرد والسلام، ولم يكن قبول الثنائي والتزامه وتعهده بما لم يكن في أي لحظة مقبولاً او حتى مطروحاً، بل كان الثنائي نفسه وخاصة الحزب “يحرّمه” ويجرّم بالتعامل كل من يلّمح الى ما عاد هو نفسه ووقّع عليه ملتزماً مرغماً تحت الضربات التي تكبّدها من رأس هرمه حتى أسفل قاعدته الحزبية والشعبية.
اليوم، وعلى عتبة تشكيل الحكومة على يد نواف سلام المكلّف على عكس ما اشتهت سفن الثنائي وبعد تجرّعه كأس انتخاب العماد جوزاف عون لرئاسة الجمهورية بضغط أميركي سعودي دولي كان حتى الامس ممقوتاً وما زال حتى اليوم مرفوضاً بأدبيات وخطابات الممانعين، يطرح الثنائي على الرئيس المكلف ثابتة وحيدة أكيدة مخالفة لمعايير خطاب القسم ولرسالة الرئيس المكلف هي “استحواز” الثنائي على حقيبة وزارة المال ويصرّ الرئيس نبيه برّي ان تسند حصراً للوزير والنائب السابق ياسين جابر.
يجمع المخالفون والمعارضون لسياسة الثنائي ولأداء الحزب في فرضه ازدواجية في المعايير وتمييزاً لصالح حزبه وحركته وطائفته على حساب الاحزاب والطوائف الأخرى الشريكة في الوطن وفي الحكومة، على ان مخالفتهم ومعارضتهم للفرض العتيد لا يمس شخص ياسين جابر “المفروض” تحت حجة وستار الميثاقية والمشاركة وبلسمة جراح الطائفة الشيعية الكريمة المكلومة، فأشد المعارضين المقاومين ورأس حربتهم رئيس القوات الدكتور سمير جعجع صرّح في حلقة صار الوقت ان ياسين جابر “شخص آدمي وصديق وشفاف” كما قال النائب اللواء أشرف ريفي “ياسين جابر شخص محترم ومقدّر ولا أمانع طرح اسمه لتولّي وزارة المالية”.
المفاجأة ان الثنائي وخاصة حركة أمل وعلى عكس معارضيه لم يركّز على ما يكتنزه مرشحه لوزارة المالية من خصائص شخصية مناقبية اخلاقية لتفضيله على غيره في وزارة المالية بل سوّق في إعلامه وأخباره على فضيلتين لطالما اعتبرهما الحزب تهمتين الأولى حيازته الجنسية الأميركية وعن هذه الفضيلة التي أصبحت بسحر ساحر جواز مرور وسلاحاً للتوزير يقول نائب الحزب نواف الموسوي في 3 آذار 2010: “نحن نرى في كل حامل جواز سفر أجنبي عميل محتمل”، ناهيك عن المطولات من ادانات التورط والشراكة في الجرائم الاسرائيلية التي يرمي الحزب الولايات المتحدة الاميركية بها… الفضيلة الثانية والتي كانت تهمة هي استقلاليته وتمايزه عن حركة امل ومعارضته واختلافه مع الحزب وانه “اصلا كان من ضمن فريق الرئيس الشهيد رفيق الحريري” الذي عيّنه وزيراً للاقتصاد والكل يعلم ما كان يكيله الحزب وما زال من اتهامات لسياسة الرئيس الشهيد الاقتصادية.
محطات ثلاث أخرى كانت سبباً ابعد بها الحزب والحركة ياسين جابر عن الوزارة ودفعاه الى العزوف عن الترشح الى الندوة النيابية، هي نفسها التي اعتمدها الثنائي ترويجا لمكافأته كمرشح بالتزكية لوزارة المالية… على طريقة “وداوني بالتي كانت هي الداء”.
المحطة الاولى وثيقة من وثائق ويكيليكس تحمل الرقم:09BEIRUT1238_a تاريخ 18 تشرين الثاني 2009 “… وفقا للنائب الشيعي النائب ياسين جابر، فإن “فضيحة عز الدين ليست أول دليل على فساد حزب الله. ومع ذلك، فإنها المرة الأولى التي تؤدي الى موجة من الغضب والاستياء لدى جمهور الحزب تجاه قيادته.. وروى جابر “بأنه أثناء إفطار خاص مع قيادة حزب الله في أواخر ايلول، اتهم نصر الله “المقاومة” بأنها فقدت القيم كما وبخ كبار مساعديه، سائلاً اياهم مرارا وتكرارا “الى ماذا تحوّلنا؟”.
وأضاف جابر أنه منذ العام 2006، أصبح قادة الصف الأوسط في هيكلية الحزب وأفراد أسرهم يقودون السيارات الرياضية، ويرتدون الملابس الحريرية، ويطلبون الوجبات السريعة الى منازلهم”، وكلها تتعارض مع مزاعم حزب الله بأنه يعمل لتحسين أحوال الطائفة الشيعية من خلال شبكة الخدمات الاجتماعية”..
وتنقل “أخبار” الحزب عن وثيقة أخرى من وثائق ويكيليكس في 7 نيسان 2011 ان جابر وفي غداء مع السفير الأميركي جيفري فيلتمان قال: “ان مناصري الحزب الشيعة لا يشتهون وقوع حرب أخرى … وان برّي طلب من الحزب عدم إعمار المنازل في مناطق نفوذ أمل ذلك كي يتمكن بري من القيام بالمهمة والحفاظ على ولاء مناصريه..”،
ليلفت جابر اللقاء حسب ما نقلته “الأخبار” عن ويكيليكس ان “قوة الحزب المسلحة هي أكثر خطورة واختلافا عن أي قوة مسلحة أخرى…” معتبراً ان “مسألة مزارع شبعا توفّر لهم الغطاء السياسي” وفي وثيقة ثالثة نقل عن جابر “طلبه من المجتمع الدولي وضع حد لتهديدات حزب الله”.
المحطة الثانية مقابلة مع “المرشح لوزارة المال” تاريخ 26 آب 2016 حذّر فيها ياسين جابر من استمرار “الطبقة السياسية” والتي كانت تحت سيطرة الثنائي بالتحالف مع التيار الوطني الحر، بسياستها المالية والاقتصادية متوقعا “الانهيار” الذي تحقق بعد ثلاث سنوات على يد المسيطرين المذكورين اعلاه والذين ابعدوا جابر عن الوزارة بحجة الوثائق المذكورة أعلاه.
المحطة الثالثة تمثلت في ما قاله المرشح المحظي من الثنائي على منصة كلوب هاوس بالصوت والصورة تاريخ 12 تموز 2021 اذ قال: “أنا أعبر عن نفسي ومستقل بآرائي واحتمال أن أترشح كمستقل في الانتخابات القادمة لأني لا اوافق على كل مواقف الكتلة التي انتمي اليها… وفي نفس الاطلالة ردّ جابر على الأمين العام للحزب حسن نصرالله بالنسبة للإتيان بالنفط من الجمهورية الاسلامية في ايران بأنه “حديث خطابات إذ لا يمكننا استيراد النفط من بلد خاضع لعقوبات أميركية”… وبالنسبة للتوجه شرقاً بأنه “تعفيس وهوبرة”…ليعلن جابر لاحقاً وتحديداً في 3 آذار 2022 عزوفه عن الترشح للانتخابات “لأسباب خاصة” معلومة شبيهة بالأسباب التي أملت على الثنائي الشيعي ابعاد ياسين جابر عن الوزارات بعد نشر وثائق ويكيلكس.
انطلاقاً مما سبق نجد انفسنا امام ازدواجية في المعايير على الثنائي نفسه وعلى الشخص نفسه الذي يعرقل تشكيل الحكومة من أجل فرضه وتثبيته في وزارة المال فبعد ان كان ممنوعاً من الوزارة والنيابة لعلة “تآمره” على المقاومة وسيّدها وانقلابه على الحركة ورئيسها ها هو يعود على حصانٍ اصفرٍ اخضرٍ متسلحا بقربه من الاستعمار الغربي وبجنسيته الامبريالية كجواز عبور لاستحواذ التوقيع الثالث في الحقيبة السيادية “مبدئيا”.