قفزت أسعار الذهب لمستويات تاريخية غير مسبوقة بعد أن أطلقت السلطات الصينية برنامجاً تجريبياً يسمح لشركات التأمين بشراء الذهب للمرّة الأولى، بما يتيح مليارات الدولارات للاستثمار في سوق المعدن النفيس، وهو ما يعني استمرار ارتفاع أسعار الذهب.
جاء ذلك في وقت تحتدم فيه الحرب التجارية العالمية، بعدما أثارت خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لفرض رسوم جمركية جديدة من المخاوف، مما زاد الطلب على الملاذ الآمن ورفع أسعار المعدن الأصفر لمستويات قياسية.
وقفز الذهب في المعاملات الفورية بنحو 1.5% متجاوزاً للمرّة الأولى في تاريخها مستويات 2900 دولار للأوقية (الأونصة) بحلول الساعة 09:47 بتوقيت غرينتش، بعد أن سجل أعلى مستوى على الإطلاق عند 2903 دولار في وقت سابق من جلسة اليوم الاثنين. وكانت هذه هي سابع ذروة يسجلها الذهب هذا العام.
وأشارت وكالة “بلومبرغ نيوز” إلى أنّ 10 شركات تأمين منها بي.آي.سي.سي بروبيرتي أند كاجوالتي كو وتشاينا لايف إنشورانس كو أكبر شركتي تأمين في الصين، ستتمكن من استثمار ما يصل إلى 1% من أصولها في شراء الذهب في إطار البرنامج الذي دخل حيز التنفيذ يوم الجمعة الماضي. ويعني هذا ضخ حوالي 200 مليار يوان (27.4 مليار دولار) في سوق الذهب.
وأوضحت “بلومبرغ” أنّ هذا التحول في سياسات قطاع التأمين يشير إلى إدراك السلطات لندرة خيارات الاستثمار في الصين والحاجة إلى بدائل وسط تباطؤ سوق العقارات والركود الاقتصادي.
وارتفع الذهب بنحو 40% منذ نهاية العام 2023، ثم تواصل الارتفاع خلال الشهور الأخيرة بسبب المخاطر الاقتصادية والجيوسياسية المتزايدة في الولاية الثانية لترامب. ومع ذلك، فإنّ الصعود المذهل لسعر المعدن الأصفر حالياً قد يجعله باهظ الثمن بالنسبة للعديد من المستثمرين الصينيين.
وقال المحللون بقيادة ليو شينشي في تقرير لشركة “جوتاي جونان سيكيورتيز” إنّ “شركات التأمين تفتقد لخيارات الاستثمار متوسط وطويل الأجل بعوائد ثابتة”، وأشاروا إلى أنّ “الشركات تعاني من أجل استثمار أموالها في منتجات تحقق عوائد تناسب التزاماتها، خاصة مع المبيعات القوية لمنتجات الادخار التي تقدمها شركات التأمين مما أدى إلى ارتفاع تكلفة التزاماتها”.
في الوقت نفسه فإن البرنامج الجديد يجعل الذهب أول سلعة يمكن لشركات التأمين الصينية الاستثمار فيها. وتفرض السلطات الصينية قيودا صارمة على استثمارات شركات التأمين إذ تقتصر على الأصول ذات العوائد النقدية المستقرة، مع فرض قيود على حجم الاستثمارات في أصول مثل السندات والأسهم.
ولفت جيوفاني ستاونوفو المحلل في “يو.بي.إس” لوكالة “رويترز” إلى أنّ “إعلان ترامب أنه سيفرض رسوما جمركية جديدة يزيد التضخم ويؤجج المخاوف المتعلقة بالنمو. نتوقع المزيد من ارتفاع الأسعار واستمرار صعود الذهب صوب مستوى ثلاثة آلاف دولار”.
وكشف ترامب أمس الأحد، عن أنّه سيعلن عن رسوم جمركية جديدة تبلغ 25% اليوم، على جميع واردات الصلب والألمنيوم إلى الولايات المتحدة والتي ستضاف إلى الرسوم الجمركية الحالية على المعادن، وذلك في تصعيد كبير آخر لسياسته التجارية.
وقال ترامب أيضاً إنّه يعتزم الإعلان عن رسوم جمركية على العديد من الدول غداً الثلثاء أو يوم الأربعاء على أن تدخل حيّز التنفيذ على الفور تقريباً، وأن تطبّق على كل الدول وتماثل ما تفرضه كل دولة على الولايات المتحدة.
وقال مسؤولون في مجلس الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي الأميركي) الجمعة إنّ الافتقار للوضوح بشأن سياسات ترامب وكيف ستؤثر على النمو الاقتصادي والتضخم الذي لا يزال مرتفعاً يعزز من نهج التأنّي في ما يتعلق بخفض أسعار الفائدة خاصة مع بقاء سوق العمل في الولايات المتحدة على متانتها.
ويستخدم الذهب كاستثمار آمن في أوقات الغموض السياسي والمالي، لكن ارتفاع أسعار الفائدة يقلل من جاذبية المعدن الذي لا يدر عائداً.
وأشار كبير محلّلي السوق في منطقة آسيا والمحيط الهادئ لدى “أواندا” كلفن وونغ إلى أنّه “لا أرى أي احتمال كبير لحدوث تصحيح حتى الآن في هذه المرحلة، ما لم نبدأ في رؤية نوع من الارتفاع القوي للدولار الأميركي”.